‘نيك دانفورث يكتب: هل كانت الحدود المختلفة ستنقذ الشرق الأوسط؟’

19 أيار (مايو - ماي)، 2016
6 minutes

 نيك دانفورث

صحيح أن المسائل التي قد يتفق بشأنها تنظيم “داعش”، وجون ستيوارت، ورئيس كردستان العراق قليلة، ولكن إليك إحداها: التأثير الخبيث لاتفاقية سايكس-بيكو، وهي خطة سرية هدفت إلى تقسيم الشرق الأوسط وقعتها فرنسا وبريطانيا في مثل هذا الأسبوع قبل مئة سنة، ففي الآونة الأخيرة، يردد كثيرون، على غرار نائب الرئيس جوزف بايدن الابن، أن مشاكل الشرق الأوسط تنبع من “الخطوط الاصطناعية التي أدت إلى ولادة دول اصطناعية تتألف بالكامل من مجموعات إثنية، ودينية، وثقافية”.
لا شك أن الاستعمار الغربي كان له تأثير سلبي في مجرى تاريخ الشرق الأوسط، ولكن هل تشكّل اتفاقية سايكس-بيكو الهدف الذي يجب أن نصب عليه جام غضبنا؟
نشأت الحدود القائمة اليوم (تلك التي يدعي داعش أنه يمحوها) في عام 1920، وعُدلت خلال العقود التالية، ولا تعكس هذه الحدود خطة واحدة، بل سلسلة من الاقتراحات الانتهازية التي طرحها خبراء استراتيجيون متنافسون في باريس ولندن، فضلاً عن قادة محليين في الشرق الأوسط، وبغض النظر عن المشاكل التي سببتها هذه الخطط، لم تكن الأفكار البديلة لتقسيم المنطقة أفضل على الأرجح، فتأسيس الدول بضم مناطق متنوعة يشكّل دوماً عملية عنيفة وكثيرة الأخطاء.
في شهر مايو عام 1916، وضع الدبلوماسي البريطاني مارك سايكس ونظيره الفرنسي فرانسوا جورج-بيكو اتفاقاً يضمن حصول بلديهما على حصة كبيرة من الغنائم، عندما تسقط السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
نتيجة لذلك بسط هذان البلدان كلاهما سيطرتهما المباشرة على مناطق كانا يملكان فيها مصالح استراتيجية واقتصادية. فقد جمعت روابط تجارية فرنسا بالهلال الخصيب وبمسيحيي المنطقة المثقفين، في المقابل سعت بريطانيا لتؤمن طرق التجارة والتواصل مع الهند عبر قناة السويس والخليج العربي.
أما عن محاولة خطة سايكس-بيكو أخذ المجموعات الإثنية، والدينية، والثقافية المحلية أو الأفكار بشأن المستقبل في الاعتبار، فقد قدّمت وعداً غامضاً تعهدت فيه بإنشاء دولة عربية واحدة أو دول عربية عدة تخضع بالتأكيد للنفوذ الفرنسي والبريطاني.
في شهر مارس عام 1920، أصبح فيصل بن حسين، الذي قاد الجيوش العربية في ثورتها ضد العثمانيين المدعومة من بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى، زعيم المملكة السورية العربية المستقلة التي اتخذت من دمشق مقراً لها. وقد امتدت حدوده الطموحة عبر ما يُعرف اليوم بسورية، والأردن، وفلسطين وأجزاء من تركيا (باستثناء العراق).
ولكن هل كانت خريطة فيصل ستشكل بديلاً أفضل للحدود المفروضة من الخارج والتي اتبعتها المنطقة في النهاية؟ لن نعرف مطلقاً الجواب عن هذا السؤال. فقد أنزل الفرنسيون، الذين عارضوا هذه الخطة، الهزيمة بجيشه في شهر يوليو.
ولكن حتى لو لم يحارب الفرنسيون فيصل، كانت الأراضي التي سيطر عليها ستُضطره إلى مواجهة المسيحيين الموارنة في نضالهم للفوز باستقلال ما يُعرف بلبنان اليوم، والمستوطنين اليهود الذي كانوا قد أطلقوا مشروعهم الصهيوني في فلسطين، والقوميين الأتراك الذين سعوا إلى توحيد الأناضول.

فرنسا تجزّئ «سورية»

عندما سيطرت فرنسا على ما يُعرف اليوم بسورية، خططت باريس لتقسيم المنطقة إلى دويلات أصغر تخضع للنفوذ الفرنسي، وكانت هذه الدويلات ستُجزأ وفق الخطوط الفاصلة الإثنية، والإقليمية، والطائفية: فقد شمل التصوّر الفرنسي دولة للعلويين، وأخرى للدروز، وثالثة للترك، ودولتين إضافيتين تتمحوران حول مدينتَي سورية الكبريين دمشق وحلب. هدفت استراتيجية “فرق تسد” السلبية هذه إلى استباق أي دعوات قد يطلقها القوميون العرب لتشكيل “سورية الكبرى”. يُطرح اليوم، بعد مرور خمس سنوات على الحرب الأهلية السورية، تقسيم مماثل للمنطقة ليكون بديلاً أكثر فاعلية لدولة سورية الاصطناعية، حسبما يُفترض، ولكن عندما حاول الفرنسيون تقسيم سورية قبل نحو قرن، واجهوا مقاومة شديدة من السكان المحليين، الذين حلموا بأفكار الوحدة السورية والعربية وساروا وراء القادة القوميين الجدد، ونتيجة لذلك، تخلت فرنسا عن خطتها تلك.
في عام 1919 أرسل الرئيس وودرو ويلسون وفداً ليضع خطة أفضل لتقسيم المنطقة، فأجرى اللاهوتي هنري كينغ والخبير الصناعي تشارلز كراين مئات المقابلات بغية إعداد خريطة تتوافق مع مبدأ حق تقرير المصير الوطني. ولكن هل شكّلت تلك فرصة ضائعة لرسم حدود المنطقة “الحقيقية”؟ كلا على الأرجح، فبعد دراسة معمّقة أدرك كينغ وكراين كم كانت هذه المهمة صعبة: فقد وقفا على المسافة ذاتها من طرحَي إعلان استقلال لبنان وتحويله إلى جزء من سورية مع اقتراح منحه “استقلالاً ذاتياً محدوداً”. كذلك اعتقدا أن الأكراد سيكونون أفضل حالاً إن شكلوا جزءاً من العراق أو حتى تركيا، وعبرا عن ثقتهما من أن السنّة والشيعة ينتميان إلى دولة عراقية موحدة، لكن الفرنسيين والبريطانيين تجاهلوا في النهاية توصياتهما، ولو أصغوا إليها لما كان الوضع ليتبدّل كثيراً.
* «نيويورك تايمز»

المصدر: الجريدة

نيك دانفورث يكتب: هل كانت الحدود المختلفة ستنقذ الشرق الأوسط؟ على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –

أخبار سوريا ميكرو سيريا