تأثير اللاجئين السوريين الإيجابي ظاهر بتركيا ويظهر في أوروبا مستقبلاً

20 مايو، 2016

في الوقت الذي تشير فيه المؤسسات المالية الدولية إلى التأثير الإيجابي للاجئين على الاقتصاد التركي، تغض نفس المؤسسات الطرف، عن الإمكانيات الكامنة التي يحملها اللاجئون المهاجرون إلى القارة الأوروبية، التي تعاني من ارتفاع نسبة كبار السن بين سكانها، وبطء النمو الاقتصادي.

ولا يبدو أن الدول الأوروبية ترحب بتيار اللاجئين المتدفق عليها، الذين تقل أعمار 80 بالمئة منهم عن 35 عاماً، على الرغم من أن أوروبا قد تجد في هؤلاء اللاجئين، الروح الفتية التي تبحث عنها، للتغلب على آثار أزمة 2008 الاقتصادية.

مساهمة السوريين بالاقتصاد التركي

ركزت عدد من المؤسسات المالية الدولية، ووسائل الإعلام الغربية، مؤخراً، على التأثير الايجابي للاجئين على الاقتصاد التركي، ففي التقرير الأخير لمؤسسة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني، ذكرت المؤسسة أن اللاجئين السوريين الذين تدفقوا على تركيا في السنوات الأخيرة، أسهموا بشكل إيجابي في نمو الاقتصاد التركي.

وقال التقرير إن استهلاك اللاجئين، والدور الذي يلعبوه في الاقتصاد غير الرسمي، بالإضافة إلى مبلغ الـ 10 مليار دولار الذي أنفقته الحكومة التركية على اللاجئين، من العوامل الأهم في نمو الاقتصاد التركي.

 بدورها نشرت صحيفة “الفايننشال تايمز” الاقتصادية الشهيرة، الأسبوع الجاري، تقريراً موسعاً عن الدور الإيجابي الذي لعبه اللاجئون السوريون في تنمية تركيا، وتضمن التقرير قصص نجاح، للاجئين سوريين أسسوا أعمالهم الخاصة في تركيا، مستفيدين من السهولة النسبية التي يمكن بها افتتاح الأعمال في تركيا.

وأشار التقرير أن عدد الأعمال التي افتتحها السوريون في تركيا، بمفردهم أو بالشراكة مع أتراك، منذ عام 2011، بلغ 4 آلاف مشروع.  

اللاجئون وأوروبا

من جهتها صرحت رئيسة صندوق النقد الدولي “كريستين لاغارد”، خلال مشاركتها في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، في يناير/ كانون ثاني الماضي، أن تيار اللاجئين المتدفق على القارة الأوروبية، يمكن أن يسهم بشكل إيجابي في اقتصاد القارة.

إلا أن الموقف الأوروبي الذي ينزع إلى اعتبار اللاجئين عبئاً، يجب التخلص منه في أسرع وقت ممكن، لا يتيح الفرصة لفتح نقاش جاد حول الإمكانات الاقتصادية المحتملة للاجئين، رغم أن الإحصاءات تظهر احتياج القارة لإسهاماتهم.

وتظهر إحصائيات الأمم المتحدة أن نسبة من تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، في القارة الأوروبية تقترب من 18 بالمئة، في حين كانت تلك النسبة عام 1950، عند حدود 8 بالمئة.

كما أن بين الـ30 دولة التي يعيش فيها النسبة الأكبر ممن هم فوق الـ65 من العمر، 27 دولة أوروبية، في حين تظهر معطيات مكتب الإحصاء الأوروبي (Eurostat)، أن 80 بالمئة من اللاجئين المتدفقين على القارة الأوروبية تقل أعمارهم عن 35 عاماً، و55% منهم تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً.     

آراء الخبراء    

وفي الوقت الذي يرى فيه عدد من الخبراء الاقتصاديين الأوروبيين في اللاجئين الشباب، طاقة إيجابية يمكن الاستفادة منها لدفع عجلة الاقتصاد الأوروبي، يتعامل عدد آخر منهم بحذر مع الأمر، ويربطون الاستفادة الإيجابية بمنح الدول الأوروبية حق اختيار اللاجئين الذين تستضيفهم، بحيث تضمن الاستفادة منهم.

وأشارت “جنيفر مكوين”، الباحثة في مؤسسة “كابيتال إكونوميكس”  (Capital Economics) البحثية الدولية المستقلة المعنية  بأبحاث الاقتصاد الكلي، إلى التجربة الألمانية مع اللاجئين، قائلة إن الـ800 ألف لاجئ، الذين استقبلتهم ألمانيا عام 2015، يمثلون 1 بالمئة فقط من عدد سكانها، وهو ما يعني أن هؤلاء اللاجئين لن يكون لهم تأثير سيء على الاقتصاد الألماني القوي على المدى القصير.

وأوضحت الباحثة أن ألمانيا تعاني من مشكلة ديموغرافية، تتمثل في أن عدد العاملين بها يتناقص بمعدل 5 في الألف سنوياً، مضيفة أنه في حال استمرت ألمانيا في استقبال اللاجئين بنفس المعدل، فإنها ستتمكن من تعويض هذا النقص.

كما لفتت الباحثة إلى تقدم التعليم المهني في ألمانيا، قائلة إن هذا سيسهل من عملية إدماج اللاجئين في سوق العمل الألماني، وهو ما سيؤثر إيجابياً على النمو، كما سيقلل العبء على نظام الضمان الاجتماعي.

واتفقت خبيرة الهجرة في صندوق مارشال الألماني، “أستريد زيبارث”، مع “مكوين”، على أن الاقتصاد الألماني يمكن أن يستفيد من اللاجئين، إلا أنها لفتت إلى الإحصاءات التي تشير إلى أن حوالي 70 بالمئة من اللاجئين الذين قدموا إلى ألمانيا غير مؤهلين بشكل كاف، وهو ما يعني أن السلطات الألمانية، يجب أن تجعل الأولوية لتعليم اللاجئين اللغة الألمانية وتأهيلهم مهنياً، وهي عملية تتطلب وقتاً ومالاً.

وتشير التوقعات البحثية، إلى أن عدد سكان ألمانيا البالغ حالياً 81 مليوناً، سينخفض إلى 71 مليوناً بحلول عام 2060، وهو ما يعني أن بإمكان ألمانيا استقبال ما بين 500 ألف ومليون لاجئ سنوياً.

ويبدي خبراء آخرون حذرا أكثر في الحديث عن التأثير الإيجابي المحتمل للاجئين على الاقتصاد الأوروبي، إذ يرى خبير الاقتصاد الدولي في كلية التكنولوجيا والاقتصاد بجامعة برلين، “سيباستيان دولين”، أن هناك عدد من العوامل التي يجب توفرها للاستفادة اقتصادياً من اللاجئين، على رأسها اندماجهم في سوق العمل بالبلد التي تستضيفهم، إذ أنه في حال عدم حدوث ذلك سيكون اللاجئون عبئاً على نظام الضمان الاجتماعي، ما سيزيد من المشاكل التي تعاني منها بالفعل الدول ذات النسبة العالية من السكان المسنين.

كما اعتبر “دولين” أن استفادة الاقتصاد من اللاجئين، على المدى المتوسط، مرتبط بالمؤهلات التي يحملها هؤلاء اللاجئين. 

في حين يرى “باتريك مينفورد”، عضو هيئة التدريس في قسم الاقتصاد التطبيقي بجامعة “كارديف” البريطانية، أن حق الدول الأوروبية في اختيار من ستقبله، سواء من اللاجئين أو مواطني الدول الأوروبية الأخرى، يحمل أهمية كبرى فيما يتعلق بالتأثير الاقتصادي للاجئين.

واعتبر “مينفورد” أن اللاجئين أو المهاجرين، ذوي المهارات لا يتسببون في المشاكل، في حين أن اللاجئين والمهاجرين غير المهرة، والذين يدخلون البلاد بشكل غير منظم، يعتبرون مشكلة بحد ذاتهم.

20 مايو، 2016