‘منار الرشواني يكتب: القيق.. وشهداء “الهبة” و”الربيع”’
21 مايو، 2016
منار الرشواني
لا يكاد المرء يصدق، للوهلة الأولى، أن صاحب الصوت الأقوى والضحكة الأكثر ثقة على شاشات التلفزة أول من أمس، هو الصحفي الفلسطيني محمد القيق، الذي وقف على باب الموت مراراً إبان إضرابه عن الطعام لمدة 94 يوماً متواصلة في سجون الاحتلال الإسرائيلي! ويحق تخيّل أن الموت نفسه خجل أن تمتد يده إلى القيق، وقبله الشيخ خضر عدنان، وهو يرى صلابة جديرة بوصف “أسطورية”، لأجل الحرية الكاملة، والتي لا تعني أبداً القيق وعدنان وأمثالهما فقط، بل تعني شعباً بأكمله.
بالقدر ذاته، سيبدو صعباً على التصديق والتفسير أن كل هذه الأناقة والوسامة والجمال، هي لشهداء وشهيدات في “الهبة الفلسطينية” الأحدث ضد الاحتلال، وثورات “الربيع العربي” ضد الاستبداد.
نعرف تماماً أنه كان بمقدور كل هؤلاء الشهداء والمعتقلين الاحتيال على معنى إنسانيتهم، وكثير منهم ناجحون أكاديمياً ومهنياً، فيرتضون العيش وفق مبدأ “عايشين أحسن من غيرنا” في عالم العرب. أو كان بإمكانهم، على الأقل، الاحتيال على معنى الوطن ذاته، فيهاجروا إلى بلاد الغرب، بحثاً عن إنسانية وحرية وكرامة، في “أوطان” جديدة. لكننا نعرف بالقدر ذاته من اليقين اليوم، أنهم رفضوا تلك “الخيارات”، إن اعتبروها خيارات أصلاً، متمسكين بأوطانهم الفعلية والأبدية، ومتمسكين أيضاً بحق هذه الأوطان وشعوبها في أن تكون كاملة بالحرية والكرامة، أياً كان الثمن.
لكنك وأن تشاهد كل هذه الإرادة وحب الحياة حتى لدى الشهداء؛ لأن الحياة لا تكون جديرة بالحب إلا إن كان جوهرها الحرية والكرامة، نقيضاً للاحتلال والاستبداد اللذين لا يختلفان في الواقع إلا بهوية الجلاد، لا بد وأن تسأل السؤال الأهم: ماذا كان يمكن لهؤلاء أن يفعلوا -وأمثالهم كثر جداً، إن لم يكونوا غالبية الشعوب العربية- لو وجدوا قيادات ونخباً توظف طاقاتهم في مسيرة تحرير وبناء وتنمية حقيقية؟ رجال ونساء، بعضهم لم يكد يصل مشارف الشباب بعد، يقدمون أرواحهم عن كامل وعي وإرادة، لأجل الكرامة والحرية؛ هل يمكن تخيل ما سيقدمونه لو أنهم كانوا يعيشون الكرامة والحرية فعلاً؟ طبعاً لا يمكن، فقط لأن ذلك أكبر وأعظم من التخيل والوصف.
وليس في الأمر عواطف وأوهام جميلة. من ينكر أن الاعتراف بفلسطين دولة، ولو كان ذلك بالاسم فحسب، إنما وضعت أساسه إرادة وتضحيات أطفال وطفلات وشباب وشابات انتفاضة الحجارة فقط؛ وليس كل شعارات التحرير القومجية الزائفة، والتوازن الاستراتيجي المزعوم الذي استخدم السلاح المتكدس باسمه ضد الشعب السوري وقبله اللبناني، كما ضد الفلسطينيين في مخيمات لبنان؟!
هذه شعوب ثورة لن تتوقف؛ ضد الاحتلال والاستبداد والتخلف. ومرة أخرى، على النخب العربية؛ غير الرسمية قبل الرسمية، والتي تخفي عجزها إن لم يكن تواطؤها وفسادها عبر اتهام الشعوب العربية كذباً بالعجز، أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تكون شريكاً حقيقياً في ثورة بناء وتحرر سلمية، أم قيداً عليها فتكون أول المكسورين والمهزومين أمام هذه الشعوب القادرة حقاً.
المصدر: الغد
منار الرشواني يكتب: القيق.. وشهداء “الهبة” و”الربيع” على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –