on
ظاهرة اللجوء السياسي تعود مجدداً إلى الأردن
يثير لجوء الصحافية الأردنية “أمل غباين” إلى تركيا تماماً مثلما أثار قبل أعوام قليلة، لجوء الصحافي الأردني “علاء الفزاع” إلى السويد، عدة تساؤلات.
أهمها: هل عادت ظاهرة لجوء ناشطين سياسيين وإعلاميين أردنيين إلى الخارج بعد أن كانت صفحتها قد طُويت؟ وهل وصلت حالة التضييق على الحريات إلى درجة تهجير الأردنيين من وطنهم؟
شهدت ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لجوء حزبيين وناشطين سياسيين وإعلاميين أردنيين إلى الخارج هرباً من سطوة الأحكام العرفية. لكن هذه الصفحة طُويت بعد عفو ملكي وبعد إلغاء الأحكام العرفية وعودة اللاجئين السياسيين إلى الأردن.
وبعد حالة لجوء الصحافي الأردني علاء الفزاع إلى السويد قبل سنوات، فوجىء الأردنيون قبل يومين بمنشورات على موقع فيسبوك تتحدث عن لجوء أمل غباين إلى تركيا.
غباين: فقدت شعوري بالأمان
وفي اتصال معها، أوضحت غباين لرصيف22 أنها حصلت على لجوء سياسي مؤقت في تركيا، كما حصلت على الحماية الدولية من الأمم المتحدة التي طلبت منها مندوبتها عدم الإفصاح عن تفاصيل قصتها للإعلام، حمايةً لها وتيسيراً لإجراءات حصولها على اللجوء السياسي الذي سيكون في بلد آخر غير تركيا.
وكشفت غباين أنها، على خلفية نشرها خبراً في موقع “خبرني” الأردني الذي كانت تعمل فيه، يتحدث عن نية مسؤول أردني رفيع استملاك أرض تابعة للدولة، استُدعيت إلى محكمة أمن الدولة وبدأت تتعرض لضغوط أفقدتها الشعور بالأمان في بلدها.
وقالت: “تم استدعائي بعد نشري ذلك الخبر إلى محكمة أمن الدولة لكنني لم أذهب، وبالمقابل طُلب منّي حظر النشر حول تلك القضية وهو فعلاً ما قمت به لكنني أصبحت أعرف معلومات لا يجوز لي أن أعرفها”.
وحرصت غباين خلال حديثها على عدم الخوض في تفاصيل ما تعرّضت له من مضايقات اضطرتها إلى ترك أولادها من زوجها الأول وأخذ طفلتها من زوجها الثاني والذهاب إلى تركيا، وهذا ما اضطر زوجها، المصوّر الصحافي، إلى ترك عمله بين ليلة وضحاها واللحاق بها.
“انتُزعت من بلدي كالطفل الذي يُنتزع من حضن والدته”، قالت غباين مشيرة إلى أن إقامتها في تركيا حتى اللحظة تجري على نفقتها الخاصة.
وشرحت أنها، قبل اتخاذها قرار اللجوء إلى تركيا، طلبت الحماية من نواب أردنيين أعلمتهم بوضعها الحرج وأخبرتهم أنها بحاجة إلى ما يضمن أمن حياتها وحياة عائلتها لكنهم “تنكّروا” لها بحسب تعبيرها.
وختمت حديثها بالقول: “اليوم أتعرض للاتهام بأنني بعت بلدي مقابل نقود تركية. أنا لا أسيء لبلدي ولم أبعها لأحد لكنني عشت حياة رعب اضطرتني إلى اتخاذ هذا القرار”.
لم نصل إلى هذا الحد من السوء
برأي الكاتب والمحلل السياسي الأردني راكان السعايدة، إن “فقه” لجوء إعلاميين وسياسيين أردنيين اليوم ليس مستساغاً، أكان إنسانياً أم سياسياً. وقال لرصيف22: “لم نصل بعد إلى هذا الحد من السوء، وإن كنّا ربما في الطريق إليه”.
وأضاف: “لا شك في أن هنالك فروقاً كبيرة بين ما شهدته حالة الحريات والديمقراطية في الأردن في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وبين ما تشهده اليوم. ففي السابق كان هنالك تضييق سياسي حقيقي على الناشطين السياسيين والإعلاميين وكانت هنالك أحكام عرفية واعتقالات لسنوات طويلة”.
وتابع: “لكن، بعد العفو الملكي عن اللاجئين السياسيين في الخارج وإلغاء الأحكام العرفية عاد اللاجئون السياسيون إلى بلدهم ومارسوا حياتهم بشكل طبيعي ومنهم من تبوأ مراكز رسمية عالية”.
لذلك، يرى أن لجوء سياسيين وإعلاميين اليوم إلى الخارج أمر غير واقعي، فهذه الفترة ليست مشابهة للفترة السابقة “بمعنى أن حجم ما يتعرض له السياسي أو الإعلامي اليوم من مضايقات لا يُذكر أمام ما كان يصحل في السابق”.
ونوّه السعايدة بأن الأردن يشهد حالياً تنوّعاً في المنصات السياسية والإعلامية، وبأنه توجد مساحة واسعة من الحريات. وضرب على ذلك مثل ما حدث على خلفية التعديلات الدستورية الأخيرة إذ صدرت انتقادات واسعة من قبل إعلاميين وسياسيين في منابر إعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال: “أشعر أن كثيراً من قضايا اللجوء الحالي مرده لأسباب معيشية والبحث عن واقع اقتصادي واجتماعي أفضل، لكن يتم تسويقها على أنها لأسباب سياسية بحيث يلبسونها رداءً سياسياً”.
ناقوس الخطر يدقّ
يستبعد المدير الإقليمي السابق لشؤون الإعلام في منظمة هيومن رايتس ووتش فادي القاضي أن يلقي لجوء غباين والفزاع بظلاله على سمعة الأردن دولياً في ما يتعلق بالحالة الديمقراطية فيها.
وقال لرصيف22 إنه ليس بالضرورة أن تغيّر الدول والحكومات انطباعها عن الأردن بسبب لجوء سياسيين وإعلاميين للخارج يدّعون تعرضهم للمضايقات”.
برأيه، “أعداد طالبي اللجوء السياسي بحد ذاتها لا تغيّر انطباع الرأي العام العالمي حول دولة لكن ربما تؤثر سلباً على التقارير الدولية التي تصدرها منظمات حقوقية حول ترتيب الدول بحسب حالة الحريات فيها”.
الفزاع يعلّق على لجوء غباين
وقال اللاجئ السياسي الأردني علاء الفزاع لرصيف22: “لجوء الزميلة أمل غباين يُضاف إلى لجوء عشرات النشطاء السياسيين الأردنيين إلى دول أوروبا، بعضهم سراً وبعضهم علناً، ويؤكد من جديد مدى معاناة كل مَن يتعامل مع الشأن العام باستقلالية”.
وأضاف: “قبل أقل من ثلاثة أعوام، طلبت اللجوء السياسي في السويد وحصلت عليه. وكان اضطراري لترك الأردن تعبيراً عن خيبة أمل جيل كامل مُني بالهزيمة في موجة التغيير التي طالت العالم العربي. الجيل الشاب اختار ألا يورّط الأردن في دوامة العنف والاضطراب التي ضربت دولاً أخرى، لكن الدولة صممت على تكسير أجنحة وتحطيم كل مَن شارك في التحرك ضدها”.
وعن تجربته الخاصة قال: “تجربتي الشخصية لا تختلف عن تجربة الآلاف ممن يتعرضون للتضييق والخنق المستمرين. ما يمكنني قوله إن الدولة مستمرة في نهجها وتغوّلها على الحريات وفي فسادها، وسنستمر في مشاهدة النشطاء يغادرون البلاد، وهو ما يفتح الباب أكثر فأكثر أمام مشاعر الإحباط التي هي المغذي الرئيسي للتطرف. كل شاب أو صحافي أردني يغادر الأردن هو مؤشر جديد على بوادر تطرف كامن يغذيه النظام بحماقاته وسلطويته وفساده”.
موقع “خبّرني” يتنصّل من غباين
بعد شيوع خبر لجوء غباين إلى تركيا، سارع موقع “خبرني” الإلكتروني إلى إصدار بيان يوضح عدم مسؤوليته عن قرارها. وجاء في البيان:
“تلقت خبرني ليلة السبت اﻷحد رسالة من الزميلة أمل غباين، المندوبة والمحررة في الموقع، تبلغ فيها إدارة التحرير حصولها على حق اللجوء السياسي لها ولزوجها وطفلهما من تركيا.
وكانت إدارة خبرني (قد) وافقت على إجازة الزميلة غباين، دون راتب، اعتباراً من 1 أيار (مايو)، لقضاء إجازة في فرنسا كما أبلغت الزميلة الإدارة. وسبق الحصول على الفيزا طلب الزميلة مغادرة العمل عدة مرات لإتمام إجراءات السفر إلى فرنسا، من خلال سفارة باريس في عمان، حتى قبل سفرها ببضعة أيام، وفق قولها، وكان آخر يوم عمل لها في خبرني يوم 28 نيسان الماضي.
ليلة السبت اﻷحد 21 أيار، أرسلت الزميلة غباين الرسالة التالية عبر نظام مداولة ونشر الأخبار الخاص بخبرني هذا نصها: “الأعزاء بخبرني أعتذر منكم شديد الاعتذار لعدم إطلاعكم على نيتي طلب الحماية الدولية وكان ذلك لأسباب خاصة متعلقة بالطلب وأنا الآن في تركيا إثر حصولي على الحماية الدولية وحصلت على حق اللجوء السياسي لي ولابني وزوجي… أبو يوسف وحوامده وباقي الزملاء اعذروني على عدم توضيحي مسبقاً للأمر… الاحترام لكم جميعاً ولن أنسى كمّ الاحترام والتعامل الراقي الذي حظيت به منكم ويشهد الله أنّي أعتز بكم جميعاً زملاء وإخوة أعزاء، وأدرك أنكم ستقدرون موقفي بشكل يليق بأخلاقياتكم التي عهدتها منكم جميعاً خاصة إدارة التحرير التي مدت يد المساعده لي”.
إن إدارة خبرني وفي الوقت الذي تحترم فيه الزميلة غباين ومهنيتها، وقرارها اللجوء السياسي، باعتباره أمراً خاصاً بها وبأسرتها، نؤكد أن أي مواقف سياسية ستتبناها الزميلة لا تمثل سياستنا في التحرير، وندعو الجميع للتوثق من خبرني حول أي معلومات أو تصريحات أو ملابسات أو تفاصيل قد تصدر عن الزميلة المحترمة بشأن عملنا الصحافي أو الأخبار التي نشرت في موقعنا خلال فترة عمل الزميلة”.