مصر تعرّي سيدة مسيحية.. / ما حدث ويحدث في المنيا هو انتهاك لأقلية
27 أيار (مايو - ماي)، 2016
لم تتعر مصر.. ولا يستطيع المجاز المبني على ملحمة الوطنية المتعفنة أن يختصر هذا الاعتداء البشع الوحشي.
مصر اتعرت؟! لم تتعرّ مصر في حادث المنيا المزلزل، أمس الاربعاء، في الهاشتاغ المتفاعل مع حادث المنيا، بل تعرت سيدة مسيحية في السبعين من عمرها، بعدما اعتدى على بيتها وحرقه مئات المسلمين، وذلك بعدما تناهى إلى سمعهم أن ابن هذه السيدة تجرأ وكان على علاقة بامرأة مسلمة. لم تتعر مصر.. ولا يستطيع المجاز المبني على ملحمة الوطنية المتعفنة أن يختصر هذا الاعتداء البشع الوحشي. ما حدث، ويحدث منذ الأربعاء في المنيا، هو انتهاك لأقلية، ويعرف المعتدون أن لا قيم مواطنة في أوهام الحداثة الشكلانية يمكن أن تضع الحادثة بفداحتها في نصابها الصحيح بما هي اعتداء مجموعة من المواطنين على سيدة مسنة وحرق بيتها. في اللحظة التالية لمعرفة المشكلة، تحولت الدولة إلى “شيخ” وسيط بين مجموعتين من المتخاصمين واضعاً المشكلة في حدها الأدنى، مستخدمين فزاعة الحقبة المباركية “الفتنة الطائفة” كلما تصاعدت الأحداث بين فريقين من المسلمين والمسيحيين. تستخدم الدولة بطاقة الفتنة الطائفة على مائدة الصلح الجبري لتنتهي إلى حيث لا نهاية حقيقية لها، بقدر ما هي إخراساً للمعتدى عليه. ليست “الفتنة الطائفية” إلا هذا الانتهاك السافر لجسد رآه المعتدون “جسداً مسيحياً” استودعوا فيه كل غلهم الديني وقذارتهم الذكورية بغرض إيصال رسالة مفادها إخضاع آخر يعيش برغبة الأغلبية المسلمة ووفق شروطها، أما عندما يتجاوز “حدوده” فلا حقوق تخصه. بدأت المهزلة بعد شائعة أطلقها زوج مسلم أن زوجته على علاقة برجل مسيحي. الأغلبية المسلمة في المنيا قررت أن تؤدب “النصارى”، فهجّرتهم قسرياً من بيوتهم. ثم لما لم يكفهم ذلك قرروا تأديب بطل الشائعة فعروا أمه في الشارع، لا باعتباره انتهاكاً في حق الأم المسكينة، بقدر ما هو إذلال “لرجولته”.. ويا للقرف! الدولة الذكورية المسلمة، خرجت على لسان محافظها في المنيا ليتحدث عن الأخوة المسيحيين في حواره أمس مع أحمد موسى، وكأن المحافظ من دون قصد، يعبر عن دولة المسلمين الذين يحاولون رعاية الأقلية. ثم أخرج من جعبته الحيلة اليتيمة للدولة بائسة الخيال السياسي، وهي أن الإخوان المسلمين وراء هذه الأحداث. وضاعة المحافظ لم تقف عند هذا الحد، بل شكك تماماً في مسألة تعرية السيدة العجوز، فهو يتحدث عن حرق بيتها كضرر جانبي لمشاحنة قد ينتج عنها فتنة طائفية. لكن أحمد موسى صعيدي الأصل، يتحدث بمنطق طافح الذكورية عن إن ثمن الشرف في الصعيد، هو دم، وهو بذلك يكرس نفس القيمة التي جعلت المعتدين يجردون السيدة من ملابسها، أي قيم الصعيد، أي إقصاء كل ما هو مختلف جندريا ودينيا لأجل النموذج الذكر المسلم، بخيالات تلفزيونية من دراما مسلسلات الصعيد، عن الذكر الصعيدي الذي تدين له الأرض. عندما تفاعل المجال العام الافتراضي مع الحدث بهاشتاغ مصر اتعرت، يكون بذلك يقف إلى جانب المعتدي في مواجهة الضحية، لأنه بذلك الهاشتاغ بمجازه الكليشيهي، تأكيد للخيال التافه عن مصر السيدة الفتية الجميلة، أي الجسد الأنثوي الذي يحتاج الحماية، جسد يجب الحفاظ على “ستره” وتغطيته. هو المجاز نفسه الذي يستخدم في الأدبيات الدولتية خاصة مع السيسي حامي جسدها ومغطي عورته وحاميه من المعتدين. أما النقاش الذي استحدثته الواقعة، عن انحياز المسيحيين المطلق للدولة باعتبارهم الأقلية المنحازة، فهو التجنّي الذي زاد من فداحة التعرية. يذهب النقاش إلى النتائج دونما اعتبار لنظام يلوح بهويته الإسلامية في كل مناسبة مواتية، لكنه في الوقت ذاته، يحاول أن يعطي ضمانات لهذه الأقلية باعتبارها “أقلية” لا قطاعات من المواطنين في دولة الحداثة العرجاء. عندما تحدثت السيدة المسنة إلى أسقف المنيا، لم يكن في كلامها حسابات الشرف والقيم الصعيدية وكل هذا العفن. عندما تحدثت، كانت سيدة منهكة فقدت أمان بيتها وقدرتها على العيش، انسحبت كل القيم الذكورية لتحل محلها خوفها الإنساني. لن يُحاسب المعتدون للسبب عينه الذي أدى إلى عدم محاسبة قتلة “الداخلية” ومنتهكي القوانين من أبناء الدولة. لأن هذا البلد هو بلد الذكر المسلم المحافظ المؤيد للنظام.. فقط.
المصدر: المدن – أحمد ندا