عبد الوهاب بدرخان يكتب: هدف إسرائيل الآن: «تشريع» احتلالاتها


عبد الوهاب بدرخان

ماذا قال رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه الجديد؟ أنهما مع حلٍّ لقضية الفلسطينيين وفقاً لمبدأ «دولتين لشعبين»، وزاد الأول أنه «مستعد لمفاوضات مع الدول العربية انطلاقاً من المبادرة العربية للسلام (اقترحتها السعودية وأقرّتها قمة بيروت العربية عام 2002)، لكنه يريد «تحديثها»، أي تعديلها «بما يتوافق والتغييرات التي طرأت على المنطقة». أما وزير الخارجية الفرنسي، فقال – بعد انتهاء مؤتمر دعت إليه باريس نحو ثلاثين دولة ومنظمة إقليمية للتباحث في إحياء المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، إن «حل الدولتين يواجه خطراً كبيراً»، وأوضحت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي أن ذلك الحلّ «يتلاشى». لا داعي لشرح مستفيض وصولاً إلى خلاصة هي أن أحداً لم يصدّق تصريحات بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان، لأن أحداً لم ينسَ تأكيدهما طوال أعوام مضت أن حل قضية الفلسطينيين، لم يعد على جدول أعمال أي حكومة تضم ائتلافاً يمينياً متطرفاً، بل إن نتنياهو نفسه، المصنّف «أقلّ تطرّفاً»، قال عشية الانتخابات الأخيرة إن «حلّ الدولتين» لم يعد قائماً، ثم اضطر للتراجع والنفي؛ لأن معظم العواصم الغربية، بما فيها واشنطن، استنكرت آنذاك هذا الموقف؛ لأنه ينسف كل أسس التعامل الدولي مع إسرائيل.

مارس نتنياهو كل أنواع الضغط لثني فرنسا عن التقدم بمبادرة، بعدما كان أحبط كل المبادرات الأميركية طوال ولايتي باراك أوباما. ورغم أن باريس أدخلت كل التعديلات التي طلبتها إسرائيل، وخفّفت اقتراحها الأساسي بالتقدم بمشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بإيجاد حلٍّ تفاوضي خلال فترة أقصاها سنتان، ومع ذلك واظب الإسرائيليون على رفض المبادرة شكلاً ومضموناً، وذلك لفرض شرطهم وهو التفاوض المباشر مع الفلسطينيين «من دون شروط مسبقة»، رغم أنهم يفرضون شروطاً عدة، أبرزها ألّا يثير الفلسطينيون مسألة التوسّع الاستيطاني، وأن يعترفوا بـ«يهودية» الدولة الإسرائيلية. ويعتبر نتنياهو أن باريس نالت تشجيعاً من واشنطن على مبادرتها، بدليل أن جون كيري لعب دوراً في تعديل الأفكار الفرنسية، كما في تسريع المؤتمر وتأجيله أكثر من مرّة، ثم أنه حرص على أن تكون مشاركته شكلية وباهتة، فظروف الانتخابات الرئاسية تمنعه من استفزاز إسرائيل.

ثمّة جدّية في التحرك الفرنسي، بمعزل عما يمكن أن تكون النتائج، لأن التغيّرات التي اجتاحت الشرق الأوسط «زادت العملية تعقيداً، وجعلت عودة الجانبين إلى التفاوض أكثر إلحاحاً»، وفقاً للرئيس الفرنسي. هنا يختلف نتنياهو جذرياً مع فرانسوا أولاند؛ لأن الملحّ في نظره ليس التفاوض مع الفلسطينيين، بل دخول إسرائيل إلى المساومات التي فرضتها متغيّرات المنطقة لتحصيل مكاسب محدّدة باتت موضع بحث بينها وبين الولايات المتحدة وروسيا، وفي تقديره أن القضية الفلسطينية ستحلّ تلقائياّ في سياق تلك المساومات.

لذلك فهو يطالب بـ«تعديل» المبادرة العربية التي تنص على: 1) إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، و2) حل عادل لقضية اللاجئين، و3) الانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان والأراضي التي لا تزال محتلة في جنوب لبنان. وفي المقابل تقترح: 1) اعتبار الصراع العربي – الإسرائيلي منتهياً، و2) تطبيع العلاقات مع إسرائيل لقاء السلام الشامل. وقد أضيف بند يدعو إلى عدم توطين الفلسطينيين في بلدان لجوئهم. ولم يفصح نتنياهو عما يريد تعديله لكن قراءة مواقف حكوماته المتعاقبة تشير الى أن العودة إلى «حدود 67» غير واردة، وهي شرط أساسي لإقامة الدولة الفلسطينية، كذلك «حق العودة» للاجئين ما يستدعي توطينهم حيث يوجدون، وأما الانسحاب من الجولان فصار مستحيلاً في نظره بسبب تشظّي الخريطة السورية، ولم يبقَ سوى إلغاء صفة الاحتلال عن الوجود الإسرائيلي في الجولان واستطراداً في مزارع شبعا اللبنانية. من هنا أن دعوته إلى «التفاوض مع الدول العربية»، تعني أن وقت «التطبيع» حان.

خلال الأعوام الخمسة الماضية، أوحت إسرائيل بأنها تتجنّب التدخّل في سوريا، لكنها دخلت منذ البداية على خط التفاهمات الأميركية – الروسية، وكانت مؤثّرة في كل القرارات والمراحل (حسم إبقاء النظام والتحكّم بوظيفته، عدم التسليح النوعي للمعارضة، الاتفاق على تدمير الترسانة الكيماوية…)، وقد ساعدها التدخّل الإيراني في فرض مبدأ تحاصص الأراضي السورية مصالح ونفوذاً، ثم ساعدها التدخّل الروسي على منع أي عمليات إيرانية ضدّها. وهكذا دعا نتنياهو مجلس الوزراء للانعقاد في الجولان، ودعا إلى الاعتراف بـ«شرعية» الاحتلال الإسرائيلي للهضبة. وعلى قاعدة هذا الاعتراف، إذا حصل، تريد إسرائيل نزع صفة الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية التي لا تزال تحتلّها

المصدر: الاتحاد

عبد الوهاب بدرخان يكتب: هدف إسرائيل الآن: «تشريع» احتلالاتها على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -

أخبار سوريا ميكرو سيريا