"نريد إذلالكم بفضلاتكم".. ناج من الموت يروي تفاصيل مروعة أثناء خروج المعتقلين للحمامات بفرع المخابرات الجوية


على مقربة من وسط العاصمة دمشق، يقبع آلاف المعتقلين في أحد أكثر فروع المخابرات عنفاً وتنكيلاً بالمعتقلين في سورية، هنالك حيث يُقتل السجناء بصمت، إما لتعرضهم لضرب مبرح، أو لإصاباتهم بأمراض بسيطة تتفاقم جراء الإهمال الطبي، وأحياناً كثيرة بسبب تصفيات مباشرة، والتهمة دائماً الوقوف بوجه النظام.

ويكاد لا يوجد سوري إلا وسمع عن أهوال فرع المخابرات الجوية الموجود في منطقة المزة، التي تعد أحد أكثر مناطق النظام في العاصمة تحصيناً ووجوداً لقواته. وفيما نجت أعداد قليلة من معتقل الموت، إلا أن مصير الآلاف فيه ما يزال مجهولاً.

جمال عبده أحد المعتقلين السوريين الذين نجوا من تجربة اعتقال دامت لعامين، تنقل فيها بين سجن صيدنايا وفرع المخابرات الجوية، ويروي لـ"السورية نت" جانباً من حياة قاسية يقضيها المعتقلون المغيبون، ويتوضح من خلالها افتقاد المعتقل في سجون نظام بشار الأسد لأبسط حقوقه.

 يقول جمال إن ما سيرويه من شهادة عايش تفاصيلها بنفسه ورأها مراراً لدى معتقلين آخرين، يريد منها تسليط الضوء على صنوف أخرى من التعذيب، ليس بالضرورة أن يتعرض لها المعتقل كالضرب، والشبح، وغيرها من وسائل التعذيب.

ويبدأ جمال كلامه بالحديث عن المآسي التي يتعرض لها المعتقلون في فرع المخابرات الجوية قبل وأثناء خروجهم إلى الحمامات لقضاء حاجاتهم الطبيعية، ويقول إن "مشهد الخروج للحمام كان مروعاً جداً". ويشير في ذات الوقت أن لدى المعتقل فرصتين فقط خلال الـ24 ساعة للخروج إلى الحمام، ولا يقبل السجان بفرصة إضافية حتى لو كان هنالك خطر على حياة المعتقل.

ويروي جمال قصته بالقول إنه بعدما وصل إلى فرع المخابرات الجوية قادماً من سجن صيدنايا، كان الجوع قد نال منه، وعلى الرغم من وجبة الطعام البائسة في معتقله الجديد إلا أنه رأها بمثابة وجبة كبيرة نظراً لقلة الطعام الذي يتناوله المعتقلون في سجن صيدنايا سيء الصيت، وأحد أكثر سجون العالم تعنيفاً للمعتقلين.

لم تكتمل فرحة جمال في الوجبة التي رأها دسمة، فكان الحساء الذي شربه فاسداً لانتهاء مدة صلاحيته، ما أصابه بإسهال شديد عرضه للكثير من المتاعب. ويقول: "بدأت أعاني من الإسهال الشديد، وكانت الفرصة القادمة للخروج إلى الحمام قد تبقى عليها 5 ساعات".

وعادة ما يرفض السجانون أي طلب مساعدة من قبل المعتقلين، ولم يشفع لجمال جسده الهزيل المليء بمظاهر التعب من فترة الاعتقال في صيدنايا أمام سجانه في فرع المخابرات الجوية، إذ رفض الأخير طلب جمال في الخروج إلى الحمام، كما فشلت أيضاً محاولات المعتقلين في تخفيف الآلام عنه، إلا أن فقد السيطرة على جسده وامتلأ المعتقل بالفضلات.

في داخل معتقلات نظام بشار الأسد يحرك السجانون بأساليبهم المروعة بالتعذيب غريزة البقاء لدى المعتقلين، ويحرصون على ألا يُعرض واحد منهم الجميع للمتاعب، ما يجعل المعتقل في بعض الأوقات عرضة لضغوط شديدة من قبل زملائه الأخرين، وهو ما حصل مع جمال.

ويقول: "بالإضافة إلى الجوع الذي تعاني منه في فرع المخابرات الجوية، وحاجتك الماسة لتناول الطعام، تتعرض لضغوط أخرى من بقية المعتقلين، كأن يمارسوا عليك الضغط كي لا تتناول أنواع محددة من الطعام لكونها تسبب لك الإسهال".

ويسرد أنه بعدما فقد السيطرة على نفسه احتج بعض المعتقلين على ذلك، فاضطر السجان إلى إخراجه لأحد الحمامات لتنظيف نفسه، ويقول إن الوقت لم يسمح له بتنظيف ثيابه، فعاد إلى زنزانته عارياً، وقدم له أحد المعتقلين قطعة قماش زائدة لكي يلف بها نفسه.

وضع أسوأ

ورغم مرارة الموقف الذي عايشه المعتقل جمال، إلا أنه يرى أنا ما حصل معه أقل سوءاً مما جرى في زنزانة مقابلة للزنزانة التي كان يعيش فيها.

ويقول إن أحد المعتقلين تعرض للإسهال واضطر إلى التخلص من فضلاته داخل الزنزانة لأن السجان رفض إخراجه إلى الحمام، وكعقوبة للمعتقل، طلب السجان من جميع المعتقلين تنظيف الزنزانة بأجسادهم ومسح الفضلات بوجوههم.

ويسرد شهادات أخرى من مآسي حرمان المعتقلين من الخروج إلى الحمامات، من بينها أن معتقلين طلبوا من السجان الخروج إلى الحمام فرفض، وطلب منهم أن يتبولوا في قصعة الطعام المخصصة لهم.

في داخل الحمامات

يأتي الموعد المحدد لخروج المعتقلين إلى الحمام، ويتحدث جمال عن هذه اللحظات العصيبة بالقول إن "6 إلى 7 معتقلين يخرجون إلى 3 مراحيض، وأحيانا يضطر 3 أشخاص إلى قضاء حاجتهم على مرحاض واحد في ذات الوقت".

في مرحاض فرع المخابرات الجوية يعد الوقت أغلى ما يملكه المعتقل هناك، فالسجان دائماً جاهزاً للعد من الرقم 1 إلى 3، هذه الفترة المسموحة للمعتقل لكي يقضي حاجته، ويقول جمال: "المعتقل الذي لا يخرج من المرحاض بعد انتهاء السجان من قول رقم 3 يعرض نفسه للتعذيب الشديد".

ويشير جمال أنه نظراً لهذا الوضع المأساوي كان  المعتقلون يتقاسمون الأدوار فيما بينهم، فبعضهم لا يأكل لأيام كي لا يضطر إلى دخول الحمام بكثرة، وليفسح المجال لوقت أكثر لبقية المعتقلين.

ويقول جمال إن "أحد المعتقلين ظل شهراً كاملاً يعيش على الماء فقط، لأنه رجل طاعن في السن ولا يريد أن يتعرض لإهانة من السجان".

مشفى 601

يعود المعتقلون إلى زنزاناتهم دون أن يتمكنوا من تنظيف أيديهم بشكل جيد، ويتناولون الطعام بأوانٍ وأيادي متسخة ما يجعلهم عرضة للأمراض التي تشكل خطراً على حياتهم، وتزداد الجراثيم على جلود أجسادهم، فيصاب بعضهم بـ"الغرغرينا"، أو بالتهاب المجاري البولية، فتنقل إدارة السجن بعض المعتقلين إلى مشفى 601 ليبدأ هناك فصل جديد من المعاناة، حسبما يقول جمال.

ويضيف إن "الوضع في المشفى ليس أقل سوءاً، هنالك معتقلون يموتون بسبب تصفية متعمدة، أو إهمال من قبل الأطباء والممرضين والمساعدين".

ويتابع: "هنالك الكثير من المواقف المروعة التي يتعرض لها المعتقلون القادمون إلى المشفى للعلاج، بينها أن المعتقل يضطر للدوس على جثامين معتقلين قضوا في المشفى ووضعت أجسادهم على أبواب الحمامات".

ويتابع أن حرمان المعتقلين من دخول الحمامات أمر يتكرر أيضاً في مشفى 601 إلا بأوقات محددة، ما يزيد معاناة المعتقلين.

أضرار صحية

ومعروف عن الزنزانات في سجون نظام الأسد ضيق مساحاتها وكثرة الموجودين فيها، كوضع عشرات المعتقلين في مكان لا تتجاوز مساحته أربعة أمتار.

"نريد إذلالكم بفضلاتكم" هكذا كان يقول السجان للمعتقل جمال والآخرين الذين عاشوا معه بذات المعتقل، ويعتقد جمال أن السجانين حققوا هدفهم هذا لما بدا عليهم من إصرار في حرمان المعتقل من أبسط حقوق الإنسان، في التخلص من فضلاته وقت الضرورة.

في قارورة صغيرة متسخة يقضي المعتقلون حاجاتهم الطبيعية إلى حين قدوم موعد الخروج إلى الحمامات، ويرى جمال أن هذه القارورة كانت رمزاً لإذلال المعتقلين في فرع المخابرات الجوية، إذ يضطر الجميع إلى استخدامها للتبول، الأمر الذي يتسبب للمعتقلين بأضرار صحية، لا سيما وأن الجميع محكوم باستخدام القارورة لوقت قصير جداً كي تكون كافية للجميع.

وتقول منظمات حقوق الإنسان إن سجون نظام الأسد مليئة بمئات آلاف المعتقلين، الذين قُتل الآلاف منهم تحت التعذيب، فيما يمضي آخرون إلى ذات المصير يومياً.