on
د.حسن حنفي يكتب: العولمة وأشكال الهيمنة الغربية
د.حسن حنفي
إن «العولمة» هي أحد أشكال الهيمنة الغربية الجديدة التي تعبر عن المركزية الأوروبية في العصر الحديث، والتي بدأت منذ الكشوف الجغرافية في القرن الخامس عشر، ابتداءً من الغرب الأميركي، والتفافاً حول أفريقيا حتى جزر الهند الشرقية والصين. بدأ النهب الاستعماري للسكان من أفريقيا والثروات من آسيا وأفريقيا والعالم الجديد لتكوين الإقطاع الأوروبي في عصر الإصلاح الديني في القرن الخامس عشر، ثم النهضة في السادس عشر، ثم العقلانية في السابع عشر، حيث تحول الإقطاع إلى ليبرالية تجارية، ثم كان الثامن عشر عصر التنوير الأوروبي، وفي التاسع عشر تفجرت الثورة الصناعية الأولى، ومن بعدها النهب الاستعماري الثاني لأفريقيا وآسيا في القرن العشرين، واندلاع حربين أوروبيتين على أرض الغرب سميت الحربان العالميتان الأولى والثانية. وبعد عصر التحرر من الاستعمار خلال ذلك القرن بدأت أشكال الاستعمار الجديد في الظهور باسم مناطق النفوذ، والأحلاف العسكرية في عصر الاستقطاب، والشركات متعددة الجنسيات، واتفاقيات التجارة الخارجية، واقتصاد السوق، ومجموعة السبع أو الثماني الصناعية الكبرى. والعالم ذي القطب الواحد، وثورة الاتصالات، وعالم القرية الواحدة.
لما انقلبت الموازين، وورث العرب الإمبراطورية الرومانية على ضفاف البحر الأبيض المتوسط؛ في الجنوب مصر والمغرب العربي، وفي الشرق فلسطين، وفي الشمال بحر إيجة، أراد الغرب الثأر من خلال الحروب الصليبية، وهذه المرة تحت غطاء المسيح واسترداد السيطرة على البحر. فلما فشلت الحملة الصليبية استؤنفت مجدداً في الاستعمار الجديد بالالتفاف حول أفريقيا وآسيا ثم إعادة التوجه نحو القلب عبر البحر في فلسطين. وبعد حركات التحرر الوطني، استقل العالم العربي في جنوب البحر، ورد الغرب إلى حدوده الطبيعية على المستوى العسكري وإن بقيت آثاره على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي. وأراد الغرب إعادة الكرّة في مرحلة ما بعد التحرر، فأفرز أشكالاً جديدة للهيمنة عن طريق خلق مفاهيم وزعها خارج حدوده؛ مثل العولمة، العالم ذي القطب الواحد، نهاية التاريخ، صراع الحضارات، الإدارة العليا، ثورة الاتصالات، عالم القرية الواحدة، الكونية.. وكلها مفاهيم تكشف سيطرة المركز على الأطراف في تاريخ العالم الحديث، وتجعل المثقفين في العالم الثالث يلهثون وراءها بالشرح والتفسير والتعليق والتهميش، من دون أن يعلموا أن التهميش ليس الكتابة على النص بل الإخراج من التاريخ، ودعوة إلى التقليد في الأطراف، وترك الإبداع للمركز وحده. وبمجرد نهاية الاستقطاب برز مفهوم العولمة لإحكام السيطرة على العالم باسمه ولصالح المركز ضد مصالح الأطراف.
المصدر: الاتحاد
د.حسن حنفي يكتب: العولمة وأشكال الهيمنة الغربية على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -