الأطباء السوريون في تركيا.. قرارات جديدة تسمح بعملهم… وتخوف من ازدياد نزف كوادر الداخل الصحية


شكلت مذكرة التفاهم التي تم توقيعها خلال الشهرين الماضيين بين وزارتي الصحة التركية والسورية في الحكومة المؤقتة، بشأن التعاون فيما بين الوزارتين لقياس الكفاءة المهنية للأطباء السوريين والتأكد من سلامة الشهادات العلمية التي يحملونها، كخطوة أولى قبل توظيف عدد منهم في المستشفيات والمراكز الطبية داخل البلاد لخدمة اللاجئين، بارقة أمل لتحسين أوضاع المئات من الأطباء  السوريين المقيمين في الأراضي التركية، لكن وبالمقابل تبدي جهات صحية في الداخل السوري تخوفها من انعكاسات محتملة لهذا القرار لجهة تقليص عدد الأطباء في الداخل السوري، الذي يعاني من نقص حاد في عدد الأطباء والعاملين في الشأن الصحي.

منذ وصوله إلى الأراضي التركية قبل نحو عام من الآن، لم يترك الطبيب السوري فراس باباً من أبواب المنظمات السورية والدولية إلا وطرقه على أمل أن يجد له فرصة عمل، لكن زعم تلك المنظمات بأن لا شواغر لديها، حال دون ذلك.

وبموازاة عدم عثوره على عمل له ولزوجته الطبيبة أيضاً، يعاني المختص بالجراحة العامة، فراس، القادم من مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، من أوضاع اقتصادية سيئة، تمنعه من افتتاح عيادة صغيرة في مدينة “غازي عينتاب” التركية حيث يقيم، فهو بالكاد يستطيع تسديد إيجار الشقة الصغيرة التي يسكنها.

حكاية الطبيب السوري ليست حالة فريدة من نوعها في تركيا، فالعشرات من الأطباء، إن لم نقل المئات منهم، بلا عمل، بفعل عدم السماح الرسمي التركي سابقاً لهم بمزاولة مهنتهم في المشافي العامة والخاصة على حد سواء.

غير أن المذكرة الأخيرة تمثل تحولاً هاماً، قد يلامس حياة الأطباء، ومنهم فراس، وقد يسهم -برأي البعض- في صرف أنظار الكثيرين منهم عن الهجرة واللجوء إلى البلدان الأوروبية.

900 طبيب سوري متقدم حتى الآن

في لقاء مع “صدى الشام”، أشار وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، محمد فراس الجندي، إلى الأعباء التي تتحملها وزارة الصحة التركية، جراء تواجد حوالي 3 ملايين لاجئ سوري على أراضيها، لافتاً إلى “حاجز اللغة” الذي يحد من التواصل فيما بين الأطباء والمرضى.

وبين الجندي أن “ما سبق قاد الحكومة التركية إلى البحث عن حلول جذرية لهذا الملف. أحد هذه الحلول يمر عبر توظيف الأطباء السوريين المقيمين في تركيا، بعد خضوعهم لفحوص مقابلة واختبارات، ومراحل تجريبية تثبت كفاءتهم الطبية، تستمر لحوالي ثلاثة أشهر. وعند تجاوزهم لهذه الاختبارات، سيتم توظيف جزء منهم في المراكز الصحية والمشافي القريبة من التجمعات السكنية السورية”.

وذكر الجندي أن عدد المتقدمين من الأطباء السوريين في مقر الوزارة في مدينة غازي عينتاب، بلغ حوالي 900 طبيب، وأردف “نحن بحاجة ماسة إلى تعيين هؤلاء، لأن تعينهم يعني أن خيار الهجرة لديهم قد يطوى”، معبراً عن اعتقاده بأن “التوظيف لن يشمل كل هذا العدد، بسبب العدد المحدود الذي تحتاجه الوزارة التركية”.

إلى ذلك، عبّر الجندي عن خشيته من أن يسهم عزم السلطات التركية على توظيف الأطباء السوريين باستقطاب الذين يعملون منهم في الداخل السوري، حيث قال: “نأمل ألا يفاقم هذا الأمر من مشكلة نقص الكوادر الطبية في الداخل السوري”. وأضاف أن هذه المذكرة تصب في مصلحة اللاجئين السوريين، وسيكون هذا القرار بمثابة “التصويب” لعمل الأطباء السوريين على الأراضي التركية.

وحول الدور الذي ستقوم بها وزارة الصحة السورية قال: “مهمتنا كوزارة تنحصر في التدقيق بالشهادات والتحقق من سلامتها، حتى لا تفقد الشهادات العلمية السورية سمعتها ومصداقيتها”.

تشكيك في إمكانية التطبيق الفعلي

مقابل ترحيب شريحة واسعة من الأطباء السوريين بهذه المذكرة بالمجمل، وصفها البعض منهم بـ”الاستبيانية” فقط، والتي تهدف إلى بناء تصور عن وضع اللاجئين السوريين في تركيا.

وتعقيباً على ما سبق، ألمح وزير الصحة في الحكومة المؤقتة إلى عدم وضوح الرؤية التركية، وقال “لا تزال النتائج المترتبة على هذه المذكرة ضبابية وغير واضحة المعالم”.

وفي هذا الإطار، قلل الطبيب السوري نور تسقية المقيم في عينتاب، من أهمية هذه المذكرة، ورأى فيها، بناء على تصور مسؤولين يتعاطون في الشأن الصحي السوري –التركي، واحداً من جملة تعاليم تركية سابقة، لا تهدف إلا “إلى دراسة وضع الكفاءات السورية في الأراضي التركية فقط”.

لكنه بالمقابل عبر عن ترحيبه بتوظيف الأطباء السوريين، وقال إن توفير فرص العمل للأطباء السوريين من شأنه أن يساعد أصحاب التخصصات الطبية الذين لا يستطيعون العمل بمفردهم مثل “التخصص المخبري، والتصوير الشعاعي”.

وأضاف تسقية المختص بأمراض العين وجرحتها: “نحن نستطيع مزاولة مهنتنا بمفردنا، ولو كانت على نطاق ضيف، لكن أصحاب تلك الاختصاصات لا يستطيعون ذلك، لأن عملهم يتطلب معدات تقنية باهظة الثمن، وفريق عمل متكامل، ومكان مرخص”.

مصدر: القرار تمهيد لتجنيس الأطباء

اعتبر مصدر في الحكومة السورية المؤقتة أن دراسة الحكومة التركية لوضع الأطباء السوريين، هي “خطوة أولى على طريق منحهم الجنسية”.

ولفت المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، بسبب طبيعة عمله في “المؤقتة”، إلى حاجة تركيا إلى الكفاءات السورية، باعتبار أن وجودها يساهم إلى حد كبير في التخلص من المشاكل التي يفرضها عدم الاندماج بين الشعبين، وقال إن “هذا الأمر لم يعد خافياً على أحد، وقد شاهدناه في مدينة كيليس الحدودية، وفي غيرها من المدن الحدودية”، وأوضح: “لقد طلبت الحكومة التركية من بعض الأطباء، تقديم أوراقهم القانونية تمهيداً لمنحهم الجنسية التركية”.

لكن وبالمقابل، رفض وزير الصحة محمد فراس الجندي ربط المذكرة بالحديث عن تجنيس للأطباء، وشدد على ذلك قائلا: “لم نسمع بهذا الأمر بتاتاً”.

 

ترحيب صحي من الجانبين

أكثر من طبيب سوري مقيم في تركيا ممن التقتهم “صدى الشام”، اعتبروا أن النتائج التي ستسفر عن هذه المذكرة ستكون بمثابة “شرعنة لعملهم”، مشيرين إلى الانعطافة الإيجابية التي ستحدثها هذا المذكرة في حال تطبيقها.

وفي هذا الاتجاه، نقل “موقع عربي 21” عن أحد الأطباء الأتراك قوله أن “أعداد السوريين المرضى في المستشفيات التركية أصبحت كبيرة، وأنها تسبب ضغطا على المستشفيات والمستوصفات ومراكز الخدمة الطبية من جهة، بالتزامن مع وجود مشكلة اللغة التي تسبب عائقا كبيرا أمام اللاجئ السوري الذي لا يفهم لغتنا، فهناك نصائح يقدمها الطبيب للمريض للالتزام بالعلاج من أجل الشفاء”.

مضيفاً: “إن غياب المترجم يسبب مشكلة للأطباء لصعوبة ترجمة المصطلحات الطبية”، مشيرا إلى أن “مشروع انتقاء الأطباء السوريين وتوزيعهم على المستشفيات والمستوصفات والمخيمات إنجاز كبير من قبل وزارة الصحة التركية”، مرحباً بهذا المذكرة: “نحن نبارك لهم وبرأيي هو مشروع ناجح وسيخدم السوريين المقيمين في الولايات التركية”.

بالمقابل، لم يخف صيادلة وأطباء أسنان امتعاضهم من عدم شمولهم ببنود هذه المذكرة.

العيادات السورية المنزلية حل مؤقت ومرغوب

وسط تغاض من الحكومة التركية، يزاول الكثير من الأطباء السوريين عملهم في عيادات تكاد تكون منزلية في الغالب، وبدون صخب إعلاني.

وتشهد هذه العيادات إقبالاً من المرضى السوريين، وذلك على الرغم من مجانية الطبابة التي تقدمها المشافي الحكومية التركية لهم.

ويبدو الحديث عن الأسباب التي تدفع باللاجئين السوريين إلى مراجعة الأطباء السوريين “مكرراً”، والتي من أهمها الحواجز التي تفرضها اللغة أمام سهولة التواصل، فضلاً عن ازدحام المشافي التركية.

وهنا لا بد من المرور على مشكلة اللاجئين الذين لم يتمكنوا من استصدار البطاقة التعريفية “الكملك”، التي تخول حاملها الحصول على الخدمات الطبية المجانية.

وفي هذا السياق، أفاد أحد الأطباء السوريين المقيم في مدينة “كيليس” الحدودية، أن قسماً لا بأس بها من المرضى الذين يقصدون عيادته، هم ممن لا يحملون البطاقة التعريفية، ومضى قائلاً، إن مراكز استصدار الكملك متوقفة عن العمل، وتكتفي بمنح المتقدم ورقة دور فقط.

وفي شأن مواز، أكد الطبيب الذي فضل عدم الكشف عن اسمه بسبب عدم قانونية عمله، أن سوء خدمة الترجمة في المشافي التركية، تجعل من النتائج التي يجنيها المريض السوري لدى مراجعته للمشافي الحكومية التركية “محدودة”.

وأوضح “يعتقد البعض أن وجود المترجم أمر جيد في جميع الأحوال، لكن وجود مترجم لا يتقن توصيف الحالة المرضية للمريض، قد يؤدي إلى نتائج عكسية”.

وكمثال على ذلك، روى الطبيب لـ”صدى الشام”، تجربة كان شاهداً عليها قائلاً: “قصد عيادتي طفل سوري، يعاني من سيلان أنفي مجهول الأسباب، كان أهله قد ذهبوا به إلى المشفى الحكومي التركي، لأكثر من مرة، ولدى معاينتي لحالته تبين أنه يعاني من دخول جسم غريب في أنفه”، مضيفاً “لم يستطيع المترجم أن ينقل بحرفية للطبيب التركي المضاعفات والأعراض التي تظهر على حالة الطفل، لذلك كان الطبيب التركي يعالج الحالة على أنها حالة التهاب فقط”.

ويوافق الطبيب نور تسقية الطبيب السوري فيما ذهب إليه، مشيراً إلى أهمية “العلاقة الكيمائية” التي تنشأ بين الطبيب والمريض، مشدداً على أنها “من أهم خطوات الشفاء”.

وبعد أن رفض تسقية الحديث الشائع فيما بين اللاجئين السوريين عن قصور المدرسة الطبية التركية، قال: “الطب لدى الأتراك متطور إلى حد بعيد، لكن لحاجز اللغة دور كبير فيما يجري، كما أن لتصرفات بعض السوريين دور في عدم تعاطي بعض الأطباء الأتراك مع المرضى السوريين بجدية”، وأضاف: “للأسف فإن الكثير من السوريين يذهبون إلى المشافي التركية بدون أن تكون حالتهم تستوجب ذلك، فهم يقصدونها من باب مجانيتها فقط”.