‘إياد الجعفري يكتب: ما الذي حدث في دير الزور؟’

19 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2016

9 minutes

إياد الجعفري

هل حقاً، حدثت الضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت موقعاً لقوات النظام في دير الزور، بـ “الخطأ”؟ هذا ما يعلنه الأمريكيون. لكن الروس، ومندوبهم في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، قالوا العكس، بعيد الحادثة، ودعوا لجلسة طارئة لمجلس الأمن، متهمين واشنطن بأنها تعمدت استهداف مواقع للنظام في دير الزور.

واشنطن بدورها أكدت أن القصف حدث بـ “الخطأ”، مشيرةً إلى أنها سبق أن قصفت المكان ذاته، وأنها أبلغت الروس بالعمليات قبل حدوثها، ولم تعترض موسكو. فما الذي حدث؟ إن إهملنا نظرية “الخطأ”، التي تفترض “حسن النوايا” في عالم السياسة الخالي تماماً من “حسن النوايا”.. يبقى لدينا أحد ثلاثة احتمالات: الأول، أن يكون الروس قد ورطوا الأمريكيين قصداً في هذه الضربات حينما لم يعترضوا عليها لحظة إبلاغهم بها، حسب الإعلان الأمريكي. والغاية الروسية من ذلك، تدعيم موقف مؤيدي الاتفاق الروسي – الأمريكي، داخل المؤسسات الأمريكية، في مواجهة معارضيه. ومن المعلوم أن القطاع العسكري الأمريكي يعارض بشدة تنفيذ بنود الاتفاق الذي يقضي في جوانب منه، بتسليم معلومات استخباراتية أمريكية حساسة للغاية، للروس.

الاتفاق الذي تعجلت إدارة أوباما في عقده، واجه عقبات كثيرة، واستياءً لم يقتصر على الحلفاء، بل تعداه إلى داخل المؤسسات الأمريكية، حيث رأت فيه وزارة الدفاع تطوراً خطيراً في تاريخ التعامل العسكري بين القوتين الدوليتين، أمريكا وروسيا. يمكن أن نفهم لماذا غضب العسكريون الأمريكيون حيال بنود الاتفاق، التي لم تُعلن جميعها بعد، حينما نطلع على ما تنتظره روسيا من الجانب الأمريكي، بموجب الاتفاق، وفق ما نقلت وكالة “تاس” الروسية”، على لسان نائب مدير إدارة العمليات الرئيسية في رئاسة أركان القوات الروسية الجنرال فيكتور بوزنيخير، الذي قال معلقاً على تأخر الأمريكيين في تنفيذ ما اتُفق عليه، “الجانب الأميركي لم يقدم بعد معلومات دقيقة عن مواقع المعارضة المعتدلة، وسلّمنا فقط قائمة بأسماء الفصائل التي تدار من قبلهم، من دون ذكر مناطق انتشارهم، ولا أسماء قادتهم الميدانيين”.

إذاً، المطلوب من أمريكا، بموجب الاتفاق، تقديم خارطة ميدانية لمناطق انتشار فصائل متعاونة معها، أو مع حلفائها. وليس ذلك فقط، بل أيضاً، أسماء بقادتهم الميدانيين، أيضاً. أي أن على الأمريكيين تقديم المعارضة المسلحة على طبق من فضة، للروس! هكذا يمكن أيضاً أن نفهم لماذا ترفض واشنطن الكشف عن بنود الاتفاق، ولماذا تبتزها روسيا، بالإعلان عنه. فالتعاون العسكري، بالصيغة المطروحة في الاتفاق، يعني، إذا تحقق له الاستقرار، تقييد يدّ الإدارة الأمريكية القادمة في إدارة الملف السوري، والقبول بتلزيمه للروس، وفق الصيغة التي اعتمدتها إدارة أوباما. هكذا نفهم، لماذا يتحمس الروس كثيراً لإنجاح الاتفاق، وأيضاً، يبتزون الأمريكيين عبر التهديد بالإعلان عن بنوده السريّة.

فهذا الاتفاق يحقق هدف الروس المُلح في الفترة الراهنة، وهو تثمير جهدهم الميداني في سوريا، الذي شارف على السنة، عبر نتيجة سياسية تمثل نصراً للروس، يضمنون من خلاله معظم غاياتهم، ومن أبرزها، الاعتراف بالدور الروسي الموازي، أو ربما، المتفوق، على الدور الأمريكي في سوريا، والاعتراف بالنظام السوري ورئيسه كطرف رئيسي في مستقبل البلاد، وتكريس وزن روسيا كلاعب يحمل الأثر الأكبر في المشهد السوري ومستقبله. يسارع الروس الخطى لتحويل جهودهم الميدانية في سوريا إلى نتائج سياسية، قبل فوات الأوان. ففي بداية السنة القادمة، سيكون في واشنطن، إدارة جديدة، تخشى روسيا من مفاجآتها، خاصةً، إذا جاءت بـ هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض.

أما مع اتفاق مكرّس مع إدارة أوباما، يحمل أبعاداً عسكرية نوعية، يصعب على الإدارة القادمة التملص منه، خاصة إن كانت ديمقراطية، يمكن للروس الاطمئنان نسبياً، حيال ثمار جهودهم في سوريا. لكن، هناك احتمال ثانٍ قد يفسر ما حدث في دير الزور يوم السبت. قد تكون الإدارة الأمريكية حسمت الجدل داخلها بخصوص الاتفاق، وانتهت إلى أنه لن يخدم المصالح الأمريكية، على المدى البعيد. فالاتفاق الذي عقدته إدارة البيت الأبيض، على عجل، مع الروس، يحمل عوامل فشله ضمنه. من أبرزها، ما كُشف عنه، من نيّة استهداف “فتح الشام”، إلى جانب “داعش”، ومطالبة فصائل المعارضة بالانفصال عنها.

موضوعياً، يعلم المراقبون أن الانفصال عن “فتح الشام”، بعد سنوات من العمل المشترك، والتداخل العسكري واللوجستي، والميداني، ناهيك عن ثقل الجبهة كقوة مقاتلة ضد النظام، أمر غير واقعي. ناهيك عن أن المطلوب من المعارضة الانفصال عن “فتح الشام”، في حدود “أسبوع”!، وكأن الأمر يمكن أن يتم بـ “عصا سحرية”. لا يعبّر الاتفاق عن وعي كافٍ من جانب المسؤولين الأمريكيين الذين تولوا عقده مع الروس، حيال تعقيدات المشهد الميداني في أوساط فصائل المعارضة السورية. هذه التعقيدات، يفهمها العسكريون الأمريكيون أكثر، لذلك، ظهر رفضهم على الملأ. حجة جون كيري، عرّاب الاتفاق، هو أن البديل، أن تتم إبادة المعارضة المسلحة السورية، بقصف روسي غير مسبوق. ووسط عدم استعداد أمريكا لتسليح المعارضة بمضادات الطيران، يبدو أن التفوق الجوي الروسي قد يهدد المعارضة على الأرض، بالإبادة، حسب ما عبّر عنه كيري، بصورة مباشرة مرات.

بمعنى آخر، يرى كيري أن لا سبيل للجم الروس في سوريا، إلا عبر الاتفاق معهم، وفق مبدأ تقاطع المصالح. فإدارة أوباما تريد تعجيل الخطى في المعركة ضد “داعش”، كي يكتب الرئيس الأمريكي الذي شارف على المغادرة، في سجله التاريخي، أنه قلص مناطق تواجد “داعش”، وأخرجها من المدن الرئيسية التي احتلتها في سوريا والعراق. فيما الروس، يريدون الاعتراف بدورهم في سوريا، وتكريسه، وتدعيم استمرار النظام الذي يدعمونه، وأن يكونوا اللاعب الرئيس في تشكيل مستقبل البلاد، بعد انتهاء الحرب. وفق هذه التصورات، سارع جون كيري، بدفع من أوباما، لعقد اتفاقه المرتبك مع الروس.

فهل ما حدث في دير الزور كان تراجعاً أمريكياً عن الاتفاق؟ الذريعة الأمريكية لتبرير فشل الاتفاق، وتحميل مسؤولية ذلك للروس جاهزة. بل، وكأن النظام السوري تحديداً كان يساعد على ترتيبها، عبر منع دخول قوافل المساعدات الآتية من تركيا إلى حلب. ذريعة النظام، أنه يريد تفتيش الشاحنات التي يشك في محتواها، حتى لو كانت أممية، ما دامت تأتي من الأراضي التركية. والضغوط الروسية لم تُفلح حتى اللحظة في إجبار النظام على الخضوع، وتمرير هذه الشاحنات إلى شرقي حلب.

لكن في حال فشل الاتفاق الأمريكي – الروسي وانهار، كيف يمكن لجم الروس عن القيام بحرب جوية ساحقة ضد المعارضة، حسب مخاوف كيري؟ ربما جاء الجواب في دير الزور، وربما كانت اللكنة الأمريكية واضحة للروس، لكنها غير معلنة على الملأ، أنه في حال فشل الاتفاق، وسعي الروس لتغيير موازين القوى على الأرض بقوة عسكرية ساحقة، فللأمريكيين حينها، خيارات أخرى، منها استهداف قوات النظام. تلك الرسالة قد تكون كافية لإقناع الروس بحفظ توازن القوى في سوريا، إلى حين قدوم إدارة أمريكية جديدة. وبخلاف ما سبق، هناك احتمال ثالث يفسر ما حدث في دير الزور يوم السبت.

قد تكون محاولة من جانب أطراف داخل المؤسسات الأمريكية، تحاول إقناع أطراف أخرى بضرورة التنسيق العسكري الكامل مع الروس في سوريا، والدليل، أن عدم التنسيق، كانت نتيجته حدوث الصدام الذي لطالما خشي الطرفان الأمريكي والروسي، حدوثه في سوريا. فأي الاحتمالات الثلاثة هو الأرجح؟،.. مصير اتفاق الهدنة الروسي – الأمريكي في سوريا، في الأيام القليلة القادمة، سيكشف ذلك.

المصدر: المدن

إياد الجعفري يكتب: ما الذي حدث في دير الزور؟ على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –

أخبار سوريا ميكرو سيريا