on
روبرت فيسك: الحرب العالمية الجديدة التي رفض الباحثون توضيحها
قد يبدو للبعض أحيانا أن للبشر قدرة خارقة على الإيهام والخداع باستعمال الكلمات فقط، وهذا يشمل الخطابات الخاصة حول الحروب والأوضاع في الشرق الأوسط، التي أصبحت تفوق في تأثيرها الحروب. لذلك نستنتج أن كثرة الكلام، وما يفتعله من تأثير، يعتبر من الأسباب الرئيسية التي قضت على استقرار الأوضاع في العالم.
برزت في مخيلتي، عند نزولي من الطائرة في رحلة إلى أوروبا في زمن السلم والأمن عبرت من خلالها المحيط الأطلسي على إثر هجوم 11سبتمبر/أيلول، سنة 2011، صورة السياسيين وأصحاب النفوذ الذين يدفعون بأرواح مئات الآلاف من العرب للموت في الشرق الأوسط، حيث يكونوا بذلك قد أسقطوا كل واحد منهم في “بئر” الخطابات التي من شأنها أن تفتعل الصراعات قبل حدوثها.
سلطت أولى التصريحات الهدامة الضوء على هجمات 11 سبتمبر/أيلول وساهمت في تغيير العالم إلى الأبد. كان السياسيون أول من تداولوا هذه التصريحات، وكانت الصحف أول من رسخته في عقول البشر وجعلتهم يكررون الحديث حول الأحداث بطريقة لا إرادية: “فمن كان يؤمن حقا “بالديمقراطية” و”القيم” و”الحرية” في بلاد الغرب، اكتشف فجأة أن الديمقراطية تلاشت وانتهت مع أحداث 11 أيلول/سبتمبر وما أسفرت عنه من خسائر بشرية ومادية.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كانت على وشك أن تبدأ على الإرهاب لكن ذلك لم يعد صالحا بعد الهجمات التي استهدفت كلا من نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا، خاصة بعد استغلال مصطلح الإرهاب واستعماله من قبل كل من الرئيس الأمريكي السابق، بوش والرئيس الروسي الحالي، بوتين. وقد أصبح الإرهاب بعد ذلك ذريعة أصحاب النفوذ في الشرق الأوسط لتعزيز سياساتهم الوحشية في جميع أنحاء العالم. تتضمن أحداث 11 أيلول/سبتمبر سنة 2001 وأحداث سنة 1941 الكثير من أوجه الشبه حيث ينبغي أن تكون المقارنة الحقيقية مع الحرب التي شنُّت بين سنتي 1914 و1918 والتي دمرت النظام الأوروبي، مخلّفة وراءها حمام دم لا يمكن وصفه. تعتبر أحداث 11 أيلول/ سبتمبر بمثابة صرخة احتجاج ضد رغبة الغرب في قصف منطقة الشرق الأوسط.
على الرغم من أن وجه التشابه لن يكون متطابقا كلياً، حتى بعد مرور 15 سنة، إلا أننا نجد أن ردود أفعالنا متطابقة. يتضمن هجوم 11 أيلول/سبتمبر الكثير من القواسم المشتركة مع أحداث أغسطس/آب سنة 1914، أحداث أيلول/سبتمبر سنة 1939 وأحداث أيلول/سبتمبر سنة 1941. بالإضافة إلى ذلك، يذكّرنا حدث دخول أمريكا في الحرب العالمية الثانية بالقوة واعتمادها على دوافع ومبررات هشة، أن أوروبا كانت في الماضي تعيش في واقع آمن، يقوم على توازن القوى وتعمل فيه على إثراء قطاع الصناعة وتحديث قطاعات النقل والصحة والثقافة والعلوم، دون أن ننسى السياسة.
يثق الغرب كثيراً في المشاريع الأمنية التي تطلقها حكوماتهم، وهم يملكون وسائل عديدة تمنع وقوع أي كارثة بسيطة في الوقت الذي يضطرب فيه النظام. ولكننا، وبعد إظهار هذه النتائج المحبطة، لا نزال في عصر الحرب الإمبريالية، بعيدين كل البعد عن الديمقراطية والحداثة، لأننا لم نأخذ بعين الاعتبار المنتج الوحيد للتحديث، وهو الحرب التي تكون بواسطة مدفع رشاش، خندق الهاون أو المدفعية بعيدة المدى، أو الحرب الجوية، كالتي غيرت العالم إلى الأبد.
أصبح بإمكاننا الآن مناقشة حاجة بريطانيا للبقاء إلى جانب فرنسا من خلال “الوفاق الودي” وردود الأفعال على الهجوم الذي وقع في ألمانيا ضد بلجيكا وفرنسا، والإشارة أيضاً إلى الوحشية التي سلطها الألمان على الأطفال والراهبات من اعتداءات وتعذيب وصلب على أبواب المزارع، ثم تشكيلهم بالتوازي مع “الإرهاب الإسلامي”. إن جرائمهم تشبه في بشاعتها الجرائم الفظيعة التي ارتكبت قبل سنة 2001.
كما تعكس المرآة التاريخية أكثر من 200 سنة من السير على الطريق الصحيح لتشكيل وحدة وطنية، دون أن تكون هناك أدنى فكرة حول المستقبل الذي سيكون مليئا بالإبادات الجماعية، بدلا من الانتصارات، والغطرسة التي ستؤدي عادة إلى الموت. ربما لا ينبغي لنا أن نعيد التفكير في الحرب العالمية الأولى، ولكن ينبغي علينا التفكير في الفترة المباشرة بعد 11 سبتمبر/أيلول.
في الواقع، على الرغم من معرفة أوروبا بالوقائع التي سبقت أغسطس/آب سنة 1914، ما يزال الاحتفاظ ببعض الحقائق السرية جاريا منذ 15 سنة. ويمكن لأي شخص أن يسأل عن الذين ارتكبوا هذه الجرائم ضد الإنسانية وعن كيفية ارتكابها، وهم ينحصرون في 19 شخصاً يصنفون أنفسهم مسلمين. ولكن تجدر الإشارة إلى أنك ستتعرض للإهانة بسبب تساؤلك حول منفذي معظم الجرائم الإرهابية أو عن مشكلة منطقة الشرق الأوسط التي تدفعهم إلى فعل ذلك.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحولت جنسيات 19 شخصا، منهم 15 سعودي، وأبرزهم أسامة بن لادن، إلى “عرب”. وقد أقصى التقرير النهائي للحكومة حول أحداث 11 أيلول/سبتمبر سنة 2011، حوالي 28 صفحة من الأدلة حول وصلات من المملكة العربية السعودية مع الخاطفين. مع ذلك، فإن تسمية “الأمن” لم تعد تسمية صائبة. في الواقع، تم التعرف على هوية منفذ العملية منذ البداية، ولكن الولايات المتحدة أكدت أن العراق وصدام حسين هما المتهمان الرئيسيان بتدمير برجي مركز التجارة العالمي، وليست المملكة العربية السعودية.
لذلك، لا يمكننا أن نستغرب من ردود فعل المسلمين السلبية في الذكرى السنوية الخامسة عشر لأحداث 11 أيلول/سبتمبر سنة 2001، رغم أن إيران ولبنان كانا أول من قدم التعازي في تلك الفترة. وقد أكدت طبيبة باكستانية أنه من الضروري رؤية ما فعله الأميركيون في البلدان العربية الإسلامية، لأنه يساوي تماما ما تسببت به الحرب العالمية الثانية، وبالتالي فإن “الحرب العالمية” ضد تنظيم القاعدة، أدت، من خلال العراق، إلى اندلاع حرب ضد تنظيم الدولة.
كل ما قيل يدفعنا إلى إعادة النظر في الخطابات الاستثنائية لرؤساء الولايات المتحدة، التي من شأنها أن تشوّه وتحرّف التاريخ، وفي الأسباب التي دفعت بالبريطانيين إلى الاحتجاج ضد هجوم بلير القاتل على العراق قبل أن يبدأ وفي عدم هزيمة طالبان، إلى غير ذلك. كما يجب أيضاً تسليط الضوء على أسرار عودة جورج الرئيس بوش إلى البيت الأبيض بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر.
هذا المقال مترجم من صحيفة ، للإطلاع على المادة الاصلية اضغط هنا