نهاية دموية لهدنة كيري – لافروف
20 سبتمبر، 2016
حفل الأسبوع المنصرم بداية ونهاية الهدنة التي توصل إليها الجانبان الروسي والأميركي والتي عولت عليها المجامع الدولية كثيراً، على أمل أن يكون نجاحها مقدمة لإطلاق عملية سياسية تنهي الصراع المسلح في سورية والمستمر منذ أكثر من خمس سنوات.
ومع غروب شمس يوم الإثنين الماضي دون تمديد للهدنة تكون هذه الأخيرة استنفدت حياتها، وعاد الوضع إلى ما كان عليه قبل أسبوع، حيث أشعلت طائرات النظام وروسيا العديد من الجبهات خاصة في مدينة حلب وريفها.
والواقع أن طائرات النظام، ومعها الطائرات الروسية، لم تنتظر حتى نهاية العمر الافتراضي للهدنة، حيث بدأت قصفها المدنيين منذ صباح الإثنين، ومع بلوغ الموعد المحدّد لانتهاء الهدنة في الساعة السابعة مساء فتحت قوات النظام نيرانها بكل الاتجاهات وفي جميع مدن وبلدات سورية، واستهدف الطائرات الحربية بشكل خاص قوافل المساعدات التي كان من المفترض أن تدخل إلى مدينة حلب بموجب اتفاق الهدنة، فقتلت 12 موظفا ومتطوعا في الهلال الأحمر السوري، بينهم رئيس شعبة الهلال في ريف حلب الغربي عمر بركات، وأصابت عشرات آخرين. وتم استهداف المركز الرئيسي للهلال في تلك المنطقة، وتدمير مستودعاته، إضافة إلى استهدفت قافلة مساعدات أممية يشرف عليها الهلال الأحمر السوري، ما أسفر عن احتراق العديد من الشاحنات، ومقتل وإصابة عدد من السائقين والعاملين في المستودعات الإغاثية.
وبحسب مركز حلب الإعلامي، فقد قتل نحو 40 شخصا في مدينة حلب وريفها خلال الساعات الأولى بعد إعلان وزارة الدفاع التابعة لقوات النظام انتهاء الهدنة مساء الإثنين الماضي.
كما شنت الطائرات الحربية مساء الإثنين سلسلة غارات استهدفت كل من مدينة صوران وقرى كوكب وتل بزام وأم حارتين وعطشان في ريف حماة الشرقي، وبلدة كفرنبودة، تزامنا مع قصف مدفعي من قبل قوات النظام المتمركزة في قرية المغيير في ريف حماة الشمالي.
خروقات بالجملة
والواقع ان خرق النظام للهدنة لم يقتصر على اليوم الأخير، بل تواصل على مدار أيامها السبعة، وإن بوتائر متفاوتة.
فقد قصفت طائرات النظام والطائرات الروسية مناطق في ريف حمص بقنابل محرمة دولياً، بينما قتل عدد من المدنيين في قصف جوي استهدف ريف إدلب. واستهدف القصف بشكل خاص بلدة تيرمعلة بريف حمص الشمالي بتسعة غارات جوية، ومدينتي الرستن وتلبيسة، إضافة إلى بلدات الغنطو والفرحانية والزعفرانة وغرناط في ريف حمص الشمالي.
وفي دمشق، شنت قوات النظام مدعومة بالميليشيات الشيعية صباح الجمعة هجوماً واسعاً على حي جوبر شرق العاصمة وسط قصف بصواريخ أرض – أرض” وقذائف الهاون، وذلك بالتزامن مع شن تلك الميليشيات الشيعية هجوماً مماثلاً على بلدة حوش نصري بالغوطة الشرقية.
كما ارتكبت الطائرات الروسية الخميس الماضي مجزرة في مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي، راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى.
انهيار الهدنة
أعلنت قوات النظام انتهاء فترة الهدنة، نظراً لعدم توصل الطرفين لاتفاق على تمديدها من جديد. واتهم بيان لجيش النظام الفصائل المسلحة بعدم احترام بنود الهدنة زاعما أنها قامت بأكثر من 300 خرق. وجاء ذلك بعد ساعات من تصريحات لقائد الجيش الروسي، الجنرال سيرغي رودسكوي، قال فيها إن الولايات المتحدة لا تملك “وسيلة فعالة للضغط على المعارضة في سورية”، متهما فصائل المعارضة بعدم احترام وقف إطلاق النار، ما يجعل من “التزام قوات النظام السوري به من طرف واحد لا معنى له”، حسب تعبيره.
وكان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قال إن روسيا أخفقت في تطبيق التزاماتها، بموجب اتفاق الهدنة، التي انتهت، مساء الإثنين، دون تمديد. وأضاف كيري، خلال تصريحات في نيويورك، أن “شروط التعاون في سورية مع موسكو لم تتحقق بعد”.
وخلال الهدنة المفترضة ارتكبت قوات النظام مئات الخروقات، ولم تسمح بإدخال المساعدات للمدنيين المحاصرين في حلب الشرقية بحسب ما كانت تقضي بنود الهدنة.
من جهتها، أكدت الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن المعارضة السورية أن “النظام لم يلتزم بالهدنة كي يعلن انتهاءها، وطالبت واشنطن بموقف حاسم للضغط على روسيا ونظام الأسد”. وبحسب مصادر في المعارضة، فإن قوات النظام قتلت خلال الهدنة نحو عشرين مدنياً، ما عدا الذين سقطوا في اليوم الأخير من الهدنة المفترضة، ما يرفع إجمالي القتلى خلال الهدنة إلى أكثر من 60 شخصا. كما قصفت قوات النظام مناطق المعارضة بقنابل فوسفورية وبالنابالم الحارق، وحاولت التقدم في ريف حلب الجنوبي وغوطة دمشق الشرقية وفي محافظة درعا.
وقد ارتفعت حدة التوتر بين راعيي الهدنة الولايات المتحدة وروسيا، بعد أن استهدفت طائرات للتحالف الدولي مواقع لقوات النظام في جبل ثردة بريف مدينة دير الزور، شرقي سورية، ما أسفر عن مقتل العشرات من قوات النظام بحسب الرواية الروسية.
جدير بالذكر أن مستوى العنف انخفض خلال أيام الهدنة الأولى التي تزامنت مع عيد الأضحى المبارك بشكل ملحوظ، لكنّ منع قوات النظام دخول المساعدات إلى حلب أثار غضب الجانب الأميركي، فأعطى مهلة أخيرة لقوات النظام من أجل فتح طريق الكاستيلو إلى يوم الإثنين، لكن الأخير لم يستجب، وما زالت المساعدات عالقة على الحدود التركية-السورية.
درع الفرات
في غضون ذلك، تتواصل عملية “درع الفرات” التي يقودها الجيش السوري الحر، بغطاء جوي تركي، حيث تمكن الثوار من تحرير كل من قرى “قصاجك، قره غوز، تل شعير، قنطرة، طاط حمص”، وذلك ضمن المرحلة الثالثة لعملية درع الفرات. وتقع القرى الثلاث الأولى على المحور الغربي لبلدة الراعي، بينما تعتبر تل شعير ذات أهمية استراتيجية كونها قريبة من مدرسة المشاة التي يسيطر التنظيم عليها منذ العام الماضي.
وكان العقيد أحمد عثمان قائد فرقة “السلطان مراد” التابعة للجيش الحر، أعلن بدء المرحلة الثالثة من معركة “درع الفرات”، والتي تهدف إلى تحرير مناطق في ريف حلب، من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) بدعم الجيش التركي، وذلك بعد حسم عدم مشاركة القوات الأمريكية في العمليات العسكرية. وقال عثمان أن “هذه المرحلة تهدف إلى تحرير ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي، ومن ضمنها مدينة الباب، كبرى معاقل تنظيم “داعش”، وصولاً إلى مدينة منبج وريفها”.
وحول قضية مشاركة القوات الخاصة الأمريكية في عملية “درع الفرات”، أكد أنه تم التوصل إلى اتفاق مع قادة فصائل “درع الفرات” بحضور عسكري تركي، ينص على عدم دخول عناصر “المارينز” إلى المنطقة، على أن ينحصر تواجدهم في الجانب التركي من الحدود، من أجل تنسيق ووضع أهداف لطائرات التحالف الدولي”، مشدداً على أن تواصل الثوار المباشر ينحصر فقط مع الضباط الأتراك في المنطقة. وأكد مشاركة جميع فصائل “درع الفرات” في المرحلة الثالثة، باستثناء تجمع “أحرار الشرقية” التابع للجيش السوري الحر، الذي أعلن تعليق عملياته العسكرية في المعركة، على خلفية مشاركة القوات الأمريكية فيها.
وكانت القوات الأمريكية انسحبت ظهر الجمعة، من بلدة الراعي في ريف حلب الشمالي بعد دخولها لوقت قصير، إثر رفض فصائل من الجيش الحر وجودها في البلدة ومشاركتها إلى جانبهم في معارك عملية “درع الفرات”.
تهجير سكان الوعر
في غضون ذلك أيضاً، واصل النظام الترحيل القسري للمواطنين في إطار سياسة التغيير الديمغارفي التي يتبعها في العديد من المناطق السورية، وآخر محطاتها حي الوعر المحاصر في مدينة حمص.
وقد تأجل خروج دفعة أولى من المدنيين في حي الوعر ضمن اتفاق “المصالحة” والتي كانت مقررة الإثنين، بسبب وجود مشكلة في التنسيق بين روسيا والأمم المتحدة حول سلامة الطريق الذي ستسلكه الحافلات.
ويقضي الاتفاق الذي عقد قبل أيام في حي الوعر بخروج 200 شخص بينهم مقاتلون مع عائلاتهم باتجاه إدلب، وذلك في ضوء الظروف القاهرة التي يعيشها المدنيون هناك، حيث أن عدداً كبيراً من الخارجين هم أصحاب الأمراض المزمنة التي تحتاج إلى متابعة طبية.
وكان بيان مشترك للائتلاف السوري وفصائل الجيش الحر هدد بوقف العمل بالهدنة الحالية في سورية في حال إقدام النظام على ترحيل أي شخص من حي الوعر المحاصر في مدينة حمص، أو أي منطقة محاصرة أخرى.
القنيطرة ودرعا
شهد الجنوب السوري تطورات عسكرية تمثلت في إطلاق فصائل المعارضة لمعركتين ضد قوات النظام في مدينة القنيطرة وفي منطقة “مثلث الموت” الفاصلة بين درعا والقنيطرة وريف دمشق، حيث تمكن الثوار من السيطرة على بعض المواقع التابعة للنظام.
وبالتزامن، شن الطيران الإسرائيلي عدة غارات على مواقع لقوات في القنيطرة وفي ريف دمشق، في حين أعلن النظام إسقاط طائرتين إسرائيليتين، الأمر الذي نفته إسرائيل، ولم تؤيده أية شواهد على الأرض.
وفي محافظة درعا، قتل 8 مدنيين وجرح العشرات، الأحد، جراء قصف من طيران النظام مدينة داعل بريف درعا. ويأتي ذلك في سياق مسعى قوات النظام للسيطرة على المدن والبلدات الواقعة على طريق دمشق-درعا القديم، حيث سيطرت حتى الآن على ما يسمى بالكتيبة المهجورة شرق مدينة ابطع المجاورة لداعل، كما سيطرت على جزءا كبيرا من مدينة ابطع نفسها.