on
“القارئ”: الأمية أو القتل
“أصبتُ بالتهاب كبدي حين كنت في الخامسة عشرة من عمري. بدأ ذلك مع فصل الخريف، وانتهى في فصل الربيع، وكلما كانت السنة المنصرمة تزداد برودة، وليلها يزداد طولاً، كلما ازددت وهناً على وهن”.
هكذا تبدأ رواية “القارئ” للكاتب الألماني برنهارد شلينك (1944)، والتي صدرت ترجمتها حديثاً عن دار “روافد” وقد نقلها إلى العربية المترجم تامر فتحي.
ليست الرواية بغريبة على القارئ العربي، فقد شاهدها بعد أن تحوّلت إلى فيلم The Reader، نالت عنه الممثلة كيت ونسليت الأوسكار عام 2008، لكن الفيلم لن يغني عن قراءة واحدة من أهم الروايات التي كتبت ضمن ما يعرف بـ “أدب المحرقة” والتي أدرجت لتدرّس في المناهج الدراسية الألمانية.
يمتد زمن الرواية من عام 1958 حتى 1984، وتبدأ بعلاقة حب جمعت المراهق مايكل بيرغ بالسيدة هانا شميتز (36 عاماً)، لتبدو العلاقة وكأنها مزيج من مشاعر الحب والحرمان والأمومة عند شميتز، والتعرّف إلى الجسد واكتشاف المرأة والجنس عند بيرغ، الفتى الذي يتحوّل إلى أداة لإشباع رغبات هانا على كل المستويات، حتى إنها كانت تطلب منه قراءة كتاب أدبي جديد في كل مرة.
فجأة تختفي هانا من حياة الصبي، لتظهر من جديد بعد سنوات كمتهمة بقتل مجموعة من النساء اليهوديات، عندما كانت حارسة لسجن في أحد معسكرات الاعتقال النازية، بسبب تقرير قديم لم يُعرف بعد من كاتبه، في نفس الوقت يكون مايكل طالباً في كلية الحقوق وتصادف أن يراقب المحاكمة كمتدرب على تحليل جرائم الحرب.
يجد الفتى/ الشاب نفسه من جديد أمام حبيبته التي أصبحت مدانة في قضية كبرى، قضية أخلاقية من نوع خاص، ويطرح الكاتب جدلية هامة، ويعمل على تفكيك قضية أخلاقية، متسائلاً هل من حق بيرغ أن يعترف بسرّ أميتها الذي لو كُشف فإنه سيقوّض تهمتها أو سيخفّف عنها العقاب، أم هل ينبغي أن يرضخ لرغبتها وهي إخفاء سر جهلها وأميتها فهما بالنسبة إليها عار لا تستطيع احتماله بالمقارنة مع ذنبها كقاتلة. يختار العاشق/ المحامي في النهاية أن يرضخ لرغبتها في إخفاء سرها، لأن هذه كانت رغبته الخفية، التي تتناسب مع خوفه من الاعتراف بعلاقته مع المرأة المذنبة.
طوال فترة سجنها، يستمر بيرغ في إرسال شرائط مسجلة تحتوي كتباً أدبية وقصائد إلى هانا، من دون أن يرسل خطاباً واحداً أو يزورها ولو مرة، كأنه بهذا وجد طريقة للوقوف في منطقة وسطى بين عاطفته وواجبه ناحية هانا وبين عقله الذي يخشى التورّط معها أكثر.
هكذا إلى أن تنتحر هانا داخل سجنها قبيل أيام من خروجها تاركة رسالة تطلب فيها من بيرغ أن يتبرع بمبلغ كانت ادّخرته طوال فترة سجنها لابنة إحدى الضحايا، طلباً للصفح والغفران.
تتعامل رواية “القارئ” مع الصعوبات التي تواجه الأجيال اللاحقة للحرب العالمية الثانية، في التعامل مع عار المحرقة، كما إنها تعتبر حلقة وصل بين الماضي والحاضر من خلال قصة الحب المستمرة بين مايكل بيرغ وهانا شيمتز، ربما كانت أمية المرأة في هذه الرواية، مجازاً عن الجهل والأميّة الألمانية، تجاه معلومات حقيقية وموثقة عن المحرقة؛ أميّة لا تخفي الشعور بالذنب ولا تستطيع تجاوزه.
لا تمنع سهولة الرواية ولغتها البسيطة من أنها مفتوحة على أكثر من تأويل، فالبعض قد يراها رواية إنسانية تدور على خلفية قصة الحب بين الصبي والمرأة، والبعض يراها رواية فلسفية تطرح فكرة العدل والغفران، وربما يراها البعض ببساطة رواية عن تاريخ النازية.
المصدر