هجوم شرس على حلب يشير إلى أن الولايات المتحدة مخطئة بالشأن السوري


شنت طائرات حربية سورية وروسية هجوماً شرساً يوم الجمعة على مدينة حلب التي يسيطر عليها الثوار، لتقضي بذلك على أي أمل بإنقاذ الهدنة التي تدعمها الولايات المتحدة، وتدعونا إلى التشكيك فيما إذا كانت تلك الهدنة قد نجحت في أي وقت مضى.

إذ قصفت أسراب عديدة من الطائرات، وبلا هوادة، الأحياء التي يسيطر عليها الثوار شرق المدينة، في أول يوم من الهجوم الجديد الذي أعلنت عنه الحكومة. وقد وصف السكان تلك الغارات بأنها أشد الغارات التي شهدوها خلال خمسة أعوام من الحرب التي حصدت من الأرواح ما تجاوز 300.000.

وقال عمار سلمو، رئيس فرع حلب لقوات الدفاع المدني “القبعات البيضاء”، إن أكثر من 100 قنبلة سقطت على المنطقة أودت بحياة ما يزيد على 80 شخصاً بحلول الليل.

وأضاف أن رجال الإنقاذ ليس لديهم المقدرة على الوصول إلى جميع الأماكن المتضررة وذلك لكثرتها.

وقد استهدفت الغارات ثلاث قواعد لفريق القبعات البيضاء كما تم تدمير قاعدتين أخريين إلى جانب المعدات وإمدادات الوقود، ما زاد من عدم قدرة الفريق على الاستجابة  للوضع.

وقال سلمو: “الوضع الآن في حلب مروع، هنالك جثث في الشوارع والنيران تشتعل دون أن نتمكن من السيطرة عليها. الناس تائهون لا يدرون ما يجب القيام عليهم به ولا يعلمون أين يذهبون. ليس هنالك من مفر، يبدو وكأن هذه نهاية العالم”.

هذا وإن كان هنالك من شكّ في احتضار اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم برعاية مشتركة مع روسيا، فالعنف الذي شهدناه يوم الجمعة قد قضى على الاتفاق كلياً، بالنسبة للمستقبل المنظور على الأقل.

وقد انتهى الاجتماع الذي جرى في نيويورك بين وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” ونظيره الروسي “سيرغي لافروف”، انتهى بسرعة دون تصريحات أو تقدم ملموس لتحقيق الهدف الذي أعلن عنه كيري في اتفاق وقف إطلاق النار الذي كان من المفترض أن يتم الأسبوع الماضي.

ولكن بدلاً من ذلك، فالهجوم الذي شنّته الغارات يثير الشكوك حول الأساس الكلي للاتفاقية التي اجتهد كيري ولافروف للتفاوض بشأنها على امتداد الأشهر الثماني الفائتة، وهو أن روسيا تتشارك مع  إدارة أوباما في وجهة النظر التي تنصّ على أن الحل العسكري ليس حلاً للصراع. وعلى ذلك الأساس، أوضح مسؤولون أمريكيون بأن موسكو ستكون على استعداد لمتابعة تسوية عن طريق التفاوض مقابل وقف إطلاق النار وتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة في سوريا إلى جانب الولايات المتحدة ضد الجماعات الإرهابية في نهاية المطاف.

غير أن لافروف عرض وجهة نظر مختلفة كلياً، في مؤتمر صحفي عُقِد في نيويورك، إذ قال إن الولايات المتحدة يجب أن تقتنع بأن الرئيس بشار الأسد هو الشريك الوحيد المناسب في محاربة الإرهاب، واصفاً جيشه بـ” القوة الوحيدة الأكثر فعالية لمحاربة الإرهاب في سوريا”.

وأضاف: “وشيئاً فشيئاً، سيدرك الجميع بحكم الواقع أن الحل الوحيد في محاربة الإرهاب يكون بالتعاون”.

وتشير تصريحاته، إلى جانب أحداث الأسبوع الماضي، إلى أن كلاً من روسيا وسوريا ما زالتا تعتقدان أن بإمكانهما الانتصار في الحرب بصورة مطلقة دون اللجوء إلى المفاوضات التي عبرت عنها الولايات المتحدة بأنها السبيل الوحيد للخروج من المأساة السورية.

هذا وقد كشفت الغارة التي نفذتها الولايات المتحدة  يوم السبت الماضي على موقع للجيش السوري شرقي البلاد، كشفت لنا عن نقص في الثقة بين الطرفين للوصول إلى اتفاق فيما بينهما مع إصرار البنتاغون على أن ما حصل كان عن طريق الخطأ، واتهام روسيا للولايات المتحدة بالتواطؤ مع تنظيم الدولة الإسلامية.

لكن ربما كانت الاتفاقية قد حُكِم عليها بالفشل قبل ذلك، من خلال تضارب التفسيرات حول الحرب على أرض الواقع. فقد أعرب الأسد مراراً عن نيته في استعادة كامل سوريا من أيادي الثوار الذين يسميهم على نحو منتظم بـ”الإرهابيين”، كما أكد مجدداً عزمه على ذلك عشية الهدنة.

وقبل أيام من دخول الهدنة حيز التنفيذ، أتمّت مجموعة متنوعة من المليشيات العراقية ومقاتلون من حزب الله بالإضافة إلى ميليشيات الحكومة وقوات من الجيش السوري تطويق مدينة حلب التي يسيطر عليها الثوار، وذلك بعد أشهر من القتال ومئات الإصابات التي ضمت العديد من المسؤولين الإيرانيين البارزين الذين كانوا يقاتلون إلى جانب قوات النظام.

وتحدث في ذلك “جيف وايت”، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فقال: “كان الروس يرون أنهم سيحرزون تقدماً من خلال استراتيجيتهم، في نهاية المطاف، دون اللجوء إلى وقف إطلاق النار. فوضع الجيش النظامي في تحسن وموقف الأسد أصبح أقوى من ذي قبل، كما أن أهداف روسيا الاستراتيجية في المنطقة تتحقق تدريجياً. لم يكن هنالك من سبب مقنع بالنسبة لهم للسعي بجد في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. والشخص الوحيد الذي كان يسعى لذلك بالفعل هو كيري، لكن الروس كانوا لا مبالين أي ما بمعناه “حسنٌ، ربما نعمل بها وربما لا”.

وقد أثبت الدعم الإيراني فعاليته كالدعم الروسي في إحكام قبضة الأسد على السلطة، بمساعدة الميليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان والممولة والمدرية من إيران، بالإضافة إلى مساعدة حزب الله اللبناني في تعزيز قوة الجيش السوري المستَنفَذة على معظم الجبهات ذات الأهمية.

وقال روبرت فورد، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في سوريا خلال السنوات الأولى من الثورة ضد الأسد، والذي يعمل الآن في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، أن ما يدعو إلى التساؤل هو ما إذا كانت روسيا قد تمكنت بالفعل من إقناع الأسد بالامتثال لشروط هذا الاتفاق. وأضاف أنه من الواضح تماماً ما إذا كانت الولايات المتحدة قد استطاعت اقناع الثوار المنقسمين باتفاق قد يتطلب منهم الانفصال عن المتشددين.

وقال في ذلك: “لقد بالغ الطرفان في تقدير نفوذ الآخر”.

وقد بين الهجوم على قافلة الأمم المتحدة يوم الأثنين -والذي شنته طائرات حربية روسيةوفقاً للبنتاغون، على الرغم من أن روسيا أنكرت تورطها- بيّن أن الجيش الروسي أيضاً لم يكن راغباً في عقد اتفاق لوقف الحرب طالما أن ذلك يصب في مصلحة الأسد.

وعلق “لافروف فرولوف” على ذلك، وهو كاتب عمود الشؤون الخارجية في “موسكو تايمز”، أن الاعتداء المذكور أصاب الكثيرين في موسكو بالحيرة، أولئك الذي كانوا يعتقدون أن روسيا ترغب في الالتزام بالاتفاق، لكنه قال أنه على ما يبدو أن روسيا الآن ” تميل إلى وجهة النظر في مقدرتها على الانتصار في هذه الحرب”.

وأضاف: “الأشخاص الواقعيون يدركون أن ذلك مستحيلاً، لكن البعض ليسوا واقعيين”.

هل يمكن الانتصار في هذه الحرب؟ هذا ما يجب أن نتساءل بشأنه. إذ خرجت مساحات كبيرة من البلاد عن سيطرة الحكومة ويخضع القسم الشمالي والشمال الشرقي من البلاد اليوم لسيطرة الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة أو لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، التي يجب، دون مجال للشك، أن تُهزَم بالقوة.

لكن تلك المناطق قليلة الكثافة السكانية وتتألف في معظمها من الصحراء_ على الرغم من احتوائها على كميات قليلة من النفط سريع النفاد. فضلاً عن عدم أهميتها في استمرار سيطرة الأسد على العاصمة دمشق.

كما أن القتال للسيطرة على المناطق السورية التي تسيطر عليها داعش ليست من أولويات الحكومة وروسيا، على حد سواء،  كما هو الحال بالنسبة لاستعادة السيطرة على بقية الأراضي فيما يسميه مؤيدو الأسد بمفهوم “سوريا المفيدة” التي يعيش فيها معظم السكان. وبهذا، بدأت معظم المعارك تدور لمصلحة  الأسد.

وقد نجحت القوات والطائرات التي أرسلتها روسيا العام الماضي في إحكام قبضة النظام على العاصمة لإيقاف انتصارات الثوار في الشمال والجنوب.

في غضون ذلك، بدأت بعض المناطق التي صمدت في وجه القوات النظامية لسنين عدة، بالاستسلام تدريجياً. وكان آخرها الوعر، آخر الأحياء التي تخلت عن القتال في مدينة حمص الثائرة.

ولكن تبقى حلب استثناءً واضحاً، فهي مركز حضري ذو أهمية لم تتمكن الحكومة من تطويقه حتى هذا الشهر. وقد كانت مدينة حلب، قبل أن يستولي عليها الثوار في صيف عام 2012، أكبر المدن السورية ويبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة، كما كانت مركز الصناعة والتجارة في البلاد. ويقول دبلوماسيون أنه طالما أن الثوار موجودون في المنطقة، سيتمكنون من المطالبة بحصة في مستقبل سوريا- لكن دون ذلك، ستصبح ثورتهم ضد حكم الأسد تمرداً في المناطق الريفية داخل المحافظات الحدودية في البلاد.

إن أي معركة في حلب ستكون دموية وطويلة الأمد، فهنالك ما يقدر بـ 250.000 شخص محاصر، وهو أكثر بكثير مما كان عليه في المناطق الأخرى، كما كان لدى الثوار أربعة أعوام ليتمكنوا من تأسيس مواقعهم وتعزيزها. ومن الممكن للمنطقة ان تصبح ورقة المساومة المقبلة في أية مفاوضات قد تجري بين موسكو وواشنطن.

وقال فورد: “أستطيع التصور بأن يستعيد النظام مدينة حلب في نهاية المطاف. إن اتجاه المعركة فاتر، لكنها تسير نحو وجهة واحدة”.

رابط المادة الأصلي : هنا.



المصدر