لاجئون مسنّون في الأردن


“عندما ينعدم الأمل والإيمان تنعدم الحياة”، هذه هي الوصفة التي يستخدمها اللاجئ السوري في الأردن، محمد الكحيل، ليتمكن من مواصلة الحياة. تبدو ناجحة نسبياً، فالستيني يبتسم وهو يتحدث عن أكثر أيام حياته مرارة، حتى وإن كانت الابتسامة مصحوبة بحزن عميق. يقول: “أؤمن أنّ من يحبّه ربّه يبتليه. وأنا ربي ابتلاني بمالي وأولادي وبنفسي، لكن دائماً عندي أمل بالله أنّ الأوضاع ستتحسن، الإنسان من دون أمل يموت”.

الكحيل واحد من مئات كبار السن السوريين الذين لجأوا إلى الأردن وحدهم من دون أسرة أو مرافقين. لا توجد إحصائيات رسمية لهؤلاء، فيما تحصي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجود 24 ألف لاجئ سوري في الأردن تفوق أعمارهم ستين عاماً، يشكلون ما نسبته 3.6 في المائة من عدد اللاجئين المسجلين لديها، وليس جميعهم يعيشون وحيدين.
وبالتأكيد فإنّ عدد كبار السن من اللاجئين السوريين يفوق العدد الذي توثقه المفوضية، بالنظر إلى أنّ عدد اللاجئين المسجلين لديها نحو 70 ألفاً، فيما يقارب عدد اللاجئين وفقاً للإحصائيات الحكومية الأردنية مليوناً ونصف مليون لاجئ.

منذ يونيو/حزيران 2014 يقيم الكحيل في دارٍ لرعاية المسنين في العاصمة عمّان. فاللاجئ الذي فرّ من بلاده أواخر العام 2013 برجل واحدة، لا يقوى على رعاية نفسه، ولم يجد من يرعاه بشكل منتظم.
يقول: “هربت من حمص بعدما اشتد القتال. وعندما وصلت إلى الحدود نقلوني إلى مخيم الزعتري. عشت وحدي، ليس لديّ أهل أو أقارب. جيراني في المخيم ساعدوني، فقد كانوا يعدّون الطعام لي ويغسلون ملابسي. لم أحتج إلى شيء بفضلهم… فيهم الخير”.
لكنّ المساعدة غير المنتظمة التي كان يتلقاها الكحيل من جيرانه لم تكن كافية، خصوصاً عندما كانت تشتد عليه الآلام. بعد قرابة سبعة أشهر قضاها في المخيم نقل إلى مستشفى لتلقي العلاج، ومن هناك أخرج إلى دار المسنين.

قبل أن يفقد إحدى قدميه، فقد دكانه وسيارته، وأبناءه الخمسة. اثنان لا يعرف مصيرهما وثلاثة قتلوا خلال مشاركتهم في القتال ضد النظام. نقل إلى دار المسنين ضمن برنامج تقدمه المفوضية لكبار السن من اللاجئين، خصوصاً من لا يملكون معيلاً. وتتحمل المفوضية الكلفة المالية الكاملة.

يقول الناطق باسم المفوضية في الأردن محمد الحواري: “تقدم هذه المساعدة إلى المسنين ممن لا يقدرون على القيام بحاجاتهم الأساسية بشكل منفرد”. وتقدم المفوضية هذه الخدمة للمسنين فوق الستين من دون تمييز. لكنّ الحواري يشير إلى استثناءات تحدد بناءً على معيار الاحتياجات. يقول: “توجد حالات للاجئين دون الستين عاماً نقلوا إلى دور للرعاية بسبب مرضهم أو ظروف أخرى تتطلب حمايتهم بناءً على تقييم للحالة”.

داخل الدار، يعيش مسنون سوريون وعراقيون ويمنيون. يقول الكحيل: “تعرفت على مهجَّرين من جنسيات أخرى، باتوا هم عائلتي. صار لديّ إخوة وأخوات”. أكثر ما أفرح اللاجئ أنّ ابنتي أخته اللاجئتين في الأردن عثرتا عليه قبل نحو شهر وزارتاه في الدار: “أخبرتاني بنيتهما زيارتي كلما تسنى لهما ذلك”.

على مقربة من الكحيل، تجلس اللاجئة التسعينية حياة مرعشلي. قبل أن تأتي إلى الأردن كانت تعيش وحيدة بعد وفاة أقاربها قبل الثورة. هي غير متزوجة أساساً. عندما تطور الصراع في سورية، اتصلت بها ابنة شقيقتها المتزوجة في الأردن وطلبت منها أن تأتي للعيش معها، وهو ما حدث. تقول حياة: “بقيت لدى بنت أختي، هي طيبة وكذلك زوجها. وأولادهما يحبونني”. لكنّ المرأة التي كانت تعمل في شبابها مدرّسة للغة الفرنسية تقول، إنّها شعرت بالفراغ: “لم أكن أعمل شيئاً، بل أجلس في البيت لا غير. أنا أحب التحرك والتعرف على الناس”.

بعد نحو عامين على وجودها في البيت، ومع تقدم عمرها وحاجتها إلى رعاية خاصة، أحضرت حياة إلى دار الرعاية بالتنسيق مع المفوضية. تقول: “أخبرتني ابنة أختي عن الدار واحتمال تكوين صداقات هنا. فرحت كثيراً بالأمر”. اليوم، مضى أكثر من عامين على وجود حياة في دار المسنين: “هنا لديّ أصدقاء أتحدث معهم. صاروا مثل إخوتي”. كذلك، تشير إلى أنّ ابنة شقيقتها تزورها بانتظام.

داخل نفس الدار التي يديرها مروان الحسيني مع أشقائه ماتت لاجئة في ديسمبر/ كانون الأول 2013. أهملها أبناؤها وخدعها حفيدها. هي اللاجئة التسعينية رسمية ق. كانت تقيم في مخيم الزعتري، وهاجر أولادها إلى أوروبا وبقيت في عهدة حفيدها الذي أقنعها ببيع كرفانها والعيش معه في نفس الكرفان. لكنّ الحفيد أخذ ثمن كرفان الجدة وغادر المخيم تاركاً رسمية من دون مأوى.

يقول الحسيني: “أحضرت رسمية إلى الدار في فبراير/ شباط 2013. كانت لديها إعاقة حركية وتعاني من أمراض الشيخوخة. بقيت طول فترة إقامتها تسأل عن أبنائها وأحفادها، لكنّ أحداً منهم لم يسأل عنها. قبل أن تموت اتصلتُ بابنها المقيم في ألمانيا لأخبره أنّ أمه تريد أن تتحدث إليه. كان جوابه: لا تتصل مرة ثانية إلّا عندما تموت”. لكنّ الحسيني لم يتصل به حتى عندما ماتت رسمية.



المصدر