اللجنة العسكرية للبعث: الجدل المثير مستمر .. وهذه الرواية المغيبة


ميكروسيريا – إياد عيسى

كانت ولا تزال “اللجنة العسكرية” لحزب البعث، وعلى مدار أكثر من نصف قرن مثار جدل لم ينقطع يوماً، سواء سراً في الأحاديث بين “الرفاق” والأصدقاء، أو علناً عبر وسائل الإعلام المختلفة بين وقت وآخر. بيد أنها مع انطلاق الثورة السورية ضد بشار الأسد 2011، اتخذ الجدل بشأنها منحى تصاعدياً، بوصفها المسؤول الأول عن استيلاء مجموعة من الضباط “العلويين” على السلطة، عبر انقلاب 23 شباط  1966 ضد أمين الحافظ وما يُعرف بالقيادة التاريخية للبعث “جناح عفلق”، ولعل ما ساهم في رسم هذه الصورة النمطية الطائفية، عن اللجنة العسكرية في أذهان السوريين، هو أن معظم مؤسسيها ينتمون إلى الأقليات الدينية “علويين، إسماعيليين، دروز”. دون أن يُتاح لوجهة النظر الأخرى المختلفة، الدفاع عن تلك اللجنة، أو التأثير والتعديل في الفكرة الشعبية الرائجة عنها.

لكن .. هل كانت اللجنة العسكرية “تجمع طائفي سري” هدفه  الانقضاض على السلطة، متخذاً من حزب البعث ستاراً للوصول إلى ذلك؟.

من اليمين: مروان حبش، إبراهيم ماخوس والسفير الهنغاري “الصورة عام 1966”

 

قيادي بعثي ينشر حكاية اللجنة

أعاد عضو القيادة القطرية للبعث ووزير الصناعة الأسبق مروان حبش، على صفحته في “فيس بوك” أمس، ما كان أدلى به سابقا في حوار مطول تم نشره في كتاب تحت عنوان “قضايا وأراء”.

يروي  “حبش” وهو سجين “حافظ الأسد” السياسي لمدة 23 عاماً، والمعارض الحالي حكاية اللجنة العسكرية قائلاً:

في المؤتمر القطري الأول – أيلول 1963- الذي اجتمع ليومه الأول في مبنى ثانوية أمية بدمشق ثم انتقل اجتماعه في اليوم الثاني إلى مبنى قصر الضيافة، تحدث عضو المؤتمر اللواء صلاح جديد في اليوم الأول بإسهاب عن اللجنة العسكرية.

يتابع حبش: بعد قيام الوحدة بين سورية ومصر، طلب عبد المحسن أبو النور _ الملحق العسكري في السفارة المصرية قبل الوحدة ومعاون قائد الجيش الأول ( الجيش السوري ) بعد الوحدة _ من العقيد البعثي مصطفى حمدون قائمة بأسماء البعثيين من الضباط في الجيش، بهدف تسليمهم مراكز حساسة في القطعات العسكرية حسب وعده، أو كما أوحى إليهم، وانطلاقاً من ثقتهم به، أُعْطِي قائمة تضم الضباط البعثيين المعروفين بنشاطهم_ أي ليس أسماء كل الضباط البعثيين _ ولكن هؤلاء الضباط فوجئوا بصدور أوامر نقلهم على دفعات إلى الجيش الثاني ( الجيش المصري ) وتهميشهم، دفع هذا الأمر بالبعض منهم إلى البحث عن الوسائل التي تمكِّنهم من استمرار التواصل بين بعضهم والمحافظة على معنوياتهم، ووجدوا أنه لا بد من تشكيل لجنة من بينهم لتحقيق ذلك الأمر. لم يكن الهدف من تشكيل اللجنة العسكرية في الإقليم الجنوبي “مصر” القيام بتنظيم هؤلاء الضباط المنقولين، بل حماية لهم خوفاً من أن يقعوا فريسة أجهزة مخابرات دولة الوحدة، أو يحبطوا نتيجة التهميش الذي عوملوا به. تشكلت اللجنة العسكرية من الضباط البعثيين : بشير صادق، رئيساً، ومزيد هنيدي، وممدوح شاغوري , وعبد الغني عياش، ومحمد عمران.

وبعد فترة، والكلام لـ “حبش” نقلوا جميعهم _ باستثناء محمد عمران _ إلى السلك الدبلوماسي، وبعدها بادر عمران إلى الاتصال برفاقه لتشكيل لجنة جديدة، وللأسباب نفسها التي دفعت إلى تشكيل اللجنة السابقة، وتألفت اللجنة الثانية من:      “محمد عمران، صلاح جديد، عبد الكريم الجندي، حافظ الأسد، منير الجيرودي، أحمد المير محمود، عثمان كنعان”

يضيف “حبش”: إن الذين أسسوا اللجنة العسكرية لم يرد بذهنهم إلا انتماءهم السياسي، أما الانتقاء فقد تم على أساس مراعاة السلاح الذي يخدمون فيه ومراعاة تواجدهم في القاهرة أو بقربها”.

ثم، في بداية فترة الانفصال، أصدرت قيادة الجيش قائمة بتسريح حوالى 63 ضابطاً من البعثيين، ومن بينهم كل أعضاء اللجنة، مما دفع باللجنة العسكرية إلى زيادة عدد أعضائها بإضافة الضباط «الرائد حمد عبيد _ الرائد موسى الزعبي_ النقيب محمد رباح الطويل» إلى عضويتها، وهم من الضباط الذين لم تشملهم قوائم التسريح، والنقيب حسين ملحم ( مسرح )، وقررت تطوير نشاطها بالبدء بتنظيم العسكريين البعثيين (العاملين والمسرَّحين)، بعيداً عن التيارات البعثية المدنية التي كانت تتحاور حول الأسس التي يجب إتباعها لإعادة تنظيم الحزب.

 

انقلاب آذار 1963

وبحسب “حبش” أنه في أعقاب أحداث 28 آذار 1962، اعتقل عدد كبير من الضباط المسرحين والعاملين ومن بينهم أكثرية أعضاء اللجنة العسكرية، وتم إطلاق سراح بعضهم، وفي شهر تموز 1962 تمّ، أيضاً، اعتقال عدد من الضباط الوحدويين (بعثيين وناصريين) بتهمة القيام بانقلاب، ومن بين المعتقلين كان المقدم المسرّح محمد عمران والرائد عئمان كنعان من أعضاء اللجنة العسكرية، ولم يفرج عنهما إلا في منتصف شهر شباط من عام 1963، وفي هذه الفترة استلم أقدم الضباط، المقدم المسرّح صلاح جديد رئاسة اللجنة، وكان له مع المقدم المسرّح عبد الكريم الجندي والرائد المسرّح أحمد المير محمود، والرائد موسى الزعبي، الدور الرئيس في كل الترتيبات التي قادت إلى انقلاب الثامن من آذار 1963

بعد انقلاب آذار، أُضيف إلى اللجنة العسكرية كلٌّ من النقيب سليم حاطوم والنقيب مصطفى الحاج علي والنقيب توفيق بركات، ثم أضيف إليها العميد أمين الحافظ الذي أصبح رئيسًا لها والرائد أحمد سويداني.

واعتَبَرتْ هذه اللجنة نفسها قيادة حزبية للتنظيم البعثي في القوات المسلحة، وركزت همَّها الرئيس على الاهتمام بالقوات المسلحة وعلى وضع ثقلها، أحياناً، في حسم الصراعات التي كانت تقع بين قيادات الحزب والحكم.

 

اللجنة العسكرية تنقسم على نفسها

يرى “حبش”، أن الدور السياسي للجنة ضعف، بعد اتهامها لأحد أعضائها، اللواء محمد عمران عضو القيادتين القومية والقطرية ونائب رئيس الوزراء، بالقيام باتصالات مع قوى وشخصيات سياسية دون أخذ قرار منها أو اطلاعها على أسباب نشاطاته تلك، وقررت في أواخر عام 1964 إبعاده وتعيينه سفيراً فوق العادة في إسبانيا، وتسفيره فوراً، دون الرجوع إلى القيادات الحزبية المسؤولة، وبعد فترة وجيزة من ذلك، وبسبب الاتجاهات المتعددة التي بدأت تتصارع في الحزب والتي شملت أعضاء اللجنة العسكرية، وتبلورت في الاتجاهين اللذين تمثلا في الجيش بشخص كل من الفريق أمين الحافظ واللواء صلاح جديد، يمكن القول: إن دور اللجنة قد انتهى تماماً، حيث قرر المؤتمر القومي الثامن الذي انعقد في أول شهر مايس 1965، حل اللجنة العسكرية، وفي شهر حزيران 1965 اجتمع مؤتمرٌ حزبي للضباط البعثيين في معسكر القابون وانتخب مكتباً عسكريًا مرتبطاً بالقيادة القطرية، ويعمل تحت إشرافها كأي مكتب من مكاتبها، وتم انتخاب كل من المقدم موسى الزعبي، المقدم مصطفى طلاس، المقدم حسين ملحم، الرائد محمد رباح الطويل، الرائد جمال جبر، الرائد طالب خلف، الرائد عبدو الديري، ويضم المكتب في عضويته، أيضاً، وبحكم مناصبهم، كلاً من قائد الجيش، ورئيس الأركان، وقائد القوى الجوية، وقائد القوى البحرية، وقائد الجبهة، ومدير إدارة المخابرات العسكرية، ومدير إدارة شؤون الضباط، وأصبح هذا المكتب بأعضائه لجنةً لشؤون الضباط في قيادة الجيش، وعضواً في مجلس الدفاع.

 

شيطنة اللجنة يستهدف اللواء صلاح جديد

بدوره، يُشير القيادي في” البعث الديمقراطي” ، محمود جديد، في مقال مطول نشره في “الحوار المتمدن” بتاريخ 12/3/ 2013، إلى أن اللجنة العسكرية وحتى انقلاب آذار 1963، كانت بعيدة عن الاتهامات الطائفية، وعن استقطاب الأجنحة داخل حزب البعث، بل بقيت متماسكة عندما كان البعث يخوض صراعاً داخلياً وخارجياً مع الآخرين، وفق ما كتبه “محمود جديد” في مقاله المعنون “اللجنة العسكرية في سورية بين الحقيقة والتوظيف السياسي والطائفي”.

في المقال، يعتقد الكاتب بأن “شيطنة” اللجنة العسكرية التي لم يستمر عمرها في السلطة إلا عام ونصف، تستهدف تشويه شخصية اللواء صلاح جديد. كما يسرد أن “عفن الطائفية” بدأ مع استكمال الفريق أمين الحافظ  تفرده بالسلطة “رئاسة الدولة، رئاسة الوزراء، رئيس اللجنة العسكرية، الأمين القطري للبعث”، وبوحي من “حاشية السوء” التي كانت تلتصق فيه وتستقوي بالطائفية على حد تعبير “محمود جديد”، وعلى خلفية الصراع الخفي بين الحافظ واللواء محمد عمران، والتي أدت إلى إبعاد الأخير إلى مدريد كسفير، وترفيع حافظ الأسد من مقدم إلى رتبة لواء دون مبررات عسكرية أو حزبية، وخلافاً لرأي اللواء جديد الذي لم يكن راضياً عن هذه الخطوة.

يستدرك الكاتب في مقاله، أن الحافظ نفسه أعاد عمران من اسبانيا، ليعينه وزيراً للدفاع عام 1965، معتمداً على المجموعة ذات السمات الطائفية المحيطة فيه، وفق “محمود جديد”.

هذه حكاية “اللجنة العسكرية” التي لا تزال مثيرة للجدل، من وجهة نظر أشخاص عايشوها، وهي تختلف إلى حد كبير، إن  لم تكن متناقضة كلياً، مع سمعة “اللجنة” كتجمع طائفي سري للوثوب إلى السلطة.

ولعل اللافت  بما أورده “محمود جديد” في مقاله، أن عدد أعضاء اللجنة، الذين ولدوا في الطائفة العلوية، لم يتجاوز الثلاثة أعضاء، في كل مراحل تشكيلها.