"اليوم الأسود" في سورية دفع السوريين لبيع قروشهم البيضاء


عُرف الذهب عبر التاريخ بأنه "زينة وخزينة" لمعظم النساء، ولاسيما الشرقيات منهن، وذلك لاحتفاظه بقيمته المادية، ولعدم تأثره بأية ظروف تغير من خواصه، أو قيمته، مهما مر عليه من وقت، حيث كان ولازال، واحداً من مظاهر الجمال والزينة بالنسبة للمرأة، تتسابق النساء مهما بلغن من العمر على اقتنائه والتزين به في الأفراح والأعياد والمناسبات، كما أنه خزينة يُخزن لعاديات الزمان وللظروف الصعبة التي يمكن أن تتعرض لها المرأة أو الأسرة عبر مسيرتها الحياتية.

ويقول أبو عمران، وهو مدرس متقاعد لموقع "اقتصاد": "كانت المرأة السورية بشكل عام وغالبية نساء درعا بشكل خاص، ورغم صعوبة الظروف الاقتصادية خلال السنوات السابقة، مثقلات بالذهب، ترى معاصمهن وأصابعهن مشكوكة بالمصاغات الذهبية، من كل شكل ولون، يتباهين بما يملكنه منها، حيث كانت تشكل المصوغات الذهبية أحد أشكال المباهاة والتنافس ولفت الأنظار بين النساء، ودليل على الحالة المادية الجيدة التي تعيشها الفتاة أو المرأة".

وأضاف: "أما اليوم وبعد مرور نحو ست سنوات من عمر الثورة السورية ونتيجة الظروف الاقتصادية السيئة، التي بات يعيشها المواطن السوري، لم تعد هذه المظاهر موجودة، ولم تعد النساء يتباهين بذهبهن وامتلاكهن له إلا القلة القليلة منهن، حيث أتت سنوات الثورة العجاف، وقلة الموارد وحالة الجوع  والفقر، على كل مخازين الذهب تقريباً لدى عامة النسا، وما تبقى لا يتعدى محبساً أو خاتماً أو بعض المشغولات الذهبية، التي قد تطيح بها الظروف الاقتصادية لاحقاً، إذا ما أصبحت أكثر سوءاً".

من جهتها، تقول أم عمر، 55 عاماً، موظفة سابقة، "كان لدي قبل الثورة الكثير من المصوغات الذهبية، اشتريتها من راتبي الخاص، حيث كان وضع زوجي المادي جيد، ولم نكن نحتاج لراتبي فادخرته ذهباً، لكن مع توالي سنوات الجوع وتوقف أعمال زوجي، الذي كان يعمل بتجارة مواد البناء، اضطررت إلى بيع ما أملك قطعة وراء قطعة للإنفاق على الحياة المعيشية، التي لم يعد راتبي التقاعدي يكفيها، لعدة أيام في الشهر، بسبب غلاء أسعار المواد".

 ولفتت أم عمر إلى أن كل ما ادخرته طيلة أكثر من عشرين عاماً، يتبدد مع كل لحظة على الأمور المعيشية العادية.

فيما أكدت ثناء، 32 عاماً، أنها كانت تملك نحو نصف كيلو غرام من المصنوعات الذهبية، ورثت جزءاً كبيراً منها عن والدتها، لكن الآن لم يبق معها إلا القليل، حيث أنفقت مبالغ كبيرة في البحث عن زوجها المعتقل في سجون النظام.

وأضافت بلهجتها المحلية وهي تنظر باتجاه زوجها، "مو خسارة بأبو عبيدة "كل المصاري بتهون كرماله، هو عندي أغلى من كل المصاري".

وأشارت إلى أن زوجها أبو عبيدة، 38 عاماً، كان يعمل مهندساً معمارياً ورئيس قسم في إحدى مؤسسات النظام، لكنه اعتقل قبل عامين دون أن يكون هناك تهمة واضحة، معبرة عن اعتقادها بأن احد الطامحين إلى إشغال  هذا المنصب، هو من أطاح به بتقرير إلى السلطات الأمنية.

فيما اكتفى أبو عبيدة بالموافقة على حديث زوجته، معبراً عن أمله بأن "كل شيء سيُعوض بزوال الظلم والظالمين"، كما قال.

أما السيدة صفية أم راتب، 45 عاماً، فقالت: "تعودنا أن نخزن الذهب منذ أيام الجدات، وهن دائماً كن ينصحن ويرددن على مسامعنا، (خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود)، وبالفعل الظروف التي نعيشها من أسوأ الظروف، ومن يمتلك القرش الأبيض، استطاع أن يصمد قليلاً"، لافتةً إلى أنها كانت تدخر بعض الذهب، لكن مرضها المزمن استنفذ كل مدخراتها.

ولفتت إلى أنها أصيبت بسرطان الثدي، وأمام تغير الأحوال وعدم توفر الخدمات العلاجية مجاناً، اضطرت إلى العلاج في بعض المشافي الخاصة في دمشق، وأنها كانت تدفع ثمن الجرعات الكيميائية، حتى تعافت، مشيرة إلى أنها أنفقت "تحويشة عمرها" على السفر إلى دمشق طلباً للعلاج.

فيما أكدت أم صافي، القادمة من الأردن حديثاً بعد فترة لجوء دامت أكثر من سنتين ونصف، أنها استطاعت أن تدخر بعض المال هناك، وأن تشتري بعض القطع الذهبية، لافتة إلى أنها نجحت في إيجاد عمل لها كمعلمة مدرسة تتقاضى أجراً مقبولاً، إضافة إلى أنها كانت تعمل في تلبيس العرائس بعد الدوام، ما سمح لها بتوفير بعض المال.

وأشارت إلى أنها ستحاول بمدخراتها إيجاد مهنة لزوجها، بعد أن تم قذف العائلة إلى سورية، إثر إلقاء  القبض على زوجها وهو يعمل في إحدى المزارع بلا ترخيص.

يشار إلى أن الحرب التي تعيشها البلاد لم تبق ولم تذر، وأتت على كل مدخرات المواطنين السوريين من ذهب وأموال منقولة وغير منقولة، حيث بدأ المواطنون أيضاً ببيع ممتلكاتهم من الأراضي الزراعية والمحال التجارية والبيوت أحياناً، لتأمين مصاريف الحياة المعيشية اليومية، ما تسبب بوصول الأسر إلى أدنى المستويات الاقتصادية، أو ما يسمى بخط الفقر أو بالأحرى بخط رغيف الخبز، إذ أن كثيراً من الأسر لم تعد تملك حتى ثمنه.



المصدر