طفلٌ سوريٌ بدأت معاناته بغارة جوية وانتهت بأخرى


SYRIA-CONFLICT

رصد: المصدر

كعادته يخرج “محمد” كل صباح ليجهز عربته ويتجه بها إلى سوق الخضار، ثم يعمد إلى الخضار والفاكهة التي تصله من الأسواق أو الحقول الزراعية ويبدأ بترتيبها وتنظيمها على هذه العربة في وسط سوق مدينة “معرة النعمان” في محافظة “إدلب”. حيث لا يملك مصدر رزق آخر ولم يعتد حتى الآن عمل آخر يعتاش منه إلا بيع الخضار والفواكه، وربما عمره الصغير لم يسنح له تعلم شيء آخر سوى بيع الفواكه والخضار على هذه العربة الصغيرة.

تشير شبكة “روابي الإعلامية” إلى أن “محمد” طفل من أبناء “معرة النعمان” وجد نفسه في سن مبكرة مسؤولا عن عائلة كبيرة بعض الشيء تتألف من خمسة أخوة هو أكبرهم، وأم مريضة بعد أن ورثهم له أبوه الذي فقده في غارة للطائرات الحربية فكان لا بد له من أن يجد عملاً يسد به رمقه ورمق أخوته، وهنا بدأت معاناته.

يخرج “محمد” في الصباح الباكر ويمضي نهاره كاملاً في سوق الخضار يتابع ما يحصل حوله بدقة وحذر، ويحرص على أن يسمع كل الأحاديث التي يتبادلها البائعون مع المشترين على مدار اليوم، ثم مع انتهاء اليوم يعود إلى منزله وقد أخذ منه التعب كل مأخذ حتى يسلم نفسه إلى نوم عميق لا يصحو على أثره حتى صباح اليوم التالي.

في أحد الأيام والسوق يزدحم بالباعة والمشترين سمع “محمد” صوت اللاسلكي المعلق في مكان مرتفع في وسط السوق يحذر الناس من طائرة في سماء المدينة، أعار الناس انتباههم قليلاً وساد صمت مطبق لبرهة، ثم عادة الضجة لتعم المكان وليعلوا صوت في وسط السوق (اللهم عليك بهم … لا تخافوا يا أخوتي تعودنا كل يوم بتطلع بتقصف وبتروح والحمد لله بتجي على سلامة) في إشارة منه إلى الطائرات التي لا تنقطع عن قصف المدينة.

لكن هذه المرة لم تكن كما المرات الماضية، حيث أن الهدف كان السوق الرئيس وكان الضحية “محمد” وبسطته وعدد كبير من الناس الذين تحولوا إلى أشلاء صغيرة اختلطت ببقايا الفواكه والخضار وبقايا المنازل والمحال التجارية الموزعة على أطراف السوق، بحسب الشبكة.

توجهت فرق الدفاع المدني إلى السوق، كان كل شيء مختلفاً وقد أخفى الغبار المتناثر المشهد المأساوي الذي ما لبث يتضح شيء فشيء كلما شتت الهواء الغبار الذي يغطي المكان، بدأت فرق الدفاع المدني تُخلي الجرحى وتجمع أشلاء القتلى وتنتشل جثث الشهداء.

جثة “محمد” لا تزال ملقية وقد غطا الركام قسماً منها وتناثرت بقايا الخضار والفاكهة لتمتزج بدمائه التي غطت مساحة واسعة من المكان الذي كانت تشغله بسطته الصغيرة، ورقد جثة هامدة تطلب الراحة والهدوء، حمله رجال الدفاع المدني والدموع قد ملأت عيونهم فليس أحد في المعرة إلا ويعرف “محمد” ويعرف أية مأساة يضيفها موته لعائلة منكوبة في “معرة النعمان”.

أوصلت فرق الدفاع جثة “محمد” إلى المنزل الذي يسكنه إخوته الصغار وأمه المريضة، كان أخوته قد تحلقوا وأجهشوا بالبكاء وبدؤوا يقلبوا أنظارهم ما بين جثة أخيهم المسجاة وأمهم التي تكبي بألم وحرقة وكأنهم لم يدركوا ما حصل على الوجه الأكمل، أجهش الجميع بالبكاء كان موقفا لا يمكن أن يحتمل في تاريخ المأساة السورية التي لا تزال مشاهدها تزداد ألما وتتسع عذاباً وأنيناً.

ثم ساد صمت الموت برهة ليقطعه صوت “أم محمد” مصحوباً بأناة المرض وآهات الثكل (رحت يا ماما رحت يا قلبي قلتلك اليوم بلا ما تروح ع السوق كنت حاسه إني رح افقدك ليش ما سمعتني يا عمري ليش…. ثم عاد الصمت ليطوي صفحة من صفحات المأساة التي لا يمكن لأحد أن يدركها أكثر من أم محمد وعشرات الامهات في سوريا.





المصدر