ترامب والجهل بسورية


الاتحاد

حملة ترامب ليست لديها سياسة واضحة حول كيفية وقف الأزمة الإنسانية في سورية. ودونالد ترامب وزميله في السباق، حاكم ولاية إنديانا مايك بانس، غير متفقين حول السياسة التي ينبغي اتباعها هناك. ولكن أهم خلاصة من مناظرة الأحد الرئاسية ربما هي أن ترامب لا يعرف الحقائق الأساسية للوضع في سورية، ولا يفهم تاريخ النزاع، ولا يبدو مهتمًا بما يكفي لفهمه.

وسعت حملة المرشح «الجمهوري» جاهدة للادعاء بأن ترامب و«بانس» غير مختلفين حول ما إنْ كان ينبغي للولايات المتحدة أن تبحث إمكانية استعمال القوة العسكرية ضد نظام بشار الأسد لوقف قتل المدنيين في حلب. وعلى برنامج «يوم جديد» على قناة «سي إن إن»، اتهم «بانس» مديرة المناظرة مارثا رداتز، من قناة «إيه بي سي»، بتحوير تصريحاته من المناظرة التي خصصت للمرشحين لمنصب نائب الرئيس الأسبوع الماضي.

والواقع أن «رداتز» طلبت من ترامب الإجابة عن السؤال نفسه الذي طُرح على بانس. أي، ماذا ستفعل حيال الأزمة الإنسانية في حلب؟ وهل ينبغي للولايات المتحدة أن تستعد لاستعمال القوة العسكرية ضد نظام الأسد لوقف القصف هناك؟ وكان بانس قد قال صراحة إنه يؤيد مثل هذه السياسة.

ولكن، ترامب قال خلال المناظرة: «أنا وهو لم نتحدث بعد. ولكني أختلف معه، أختلف»، مضيفًا: «أعتقد أن علينا القضاء على (داعش). وينبغي أن نقلق من التنظيم قبل أن ننخرط بشكل أكبر».
والواقع أن ترامب وبانس يختلفان حول سورية، مثلما يختلفان حول الكثير من مواضيع السياسة الخارجية في الحقيقة، وليس أقلها ما إنْ كان غزو العراق فكرة جيدة (وإنْ بدا أن ترامب كان يؤيده وقتئذ). ولكن الأجزاء الأكثر إثارة للقلق في أجوبة ترامب على «رداتز» بخصوص سورية، جاءت في وقت سابق من المناظرة.

ذلك أن حديث «ترامب» عن تاريخ التدخل الأميركي في سورية وتفسيره للوضع الحالي كان مليئًا بالمغالطات، حيث استهل حديثه بالقول إن هيلاري كلينتون كانت وزيرة للخارجية عندما اتخذ الرئيس باراك أوباما قراره بعدم فرض احترام «الخط الأحمر» الذي رسمه بعد أن استعمل الأسد أسلحة كيماوية لقتل أكثر من ألف و400 شخص. والحال أن ذلك حدث في سبتمبر 2013، أي بعد أشهر عدة لترك كلينتون منصبها. ولكن يبدو أن ترامب لا يدرك أن أوباما لم يعمل بنصيحة كلينتون حول سورية في 2012 وبعدها، عندما دعت إلى مدّ الثوار السوريين بمزيد من الأسلحة وإقامة مناطق آمنة داخل سورية. واليوم، يقول ترامب وبانس إنهما يؤيدان إقامة مناطق آمنة!

بعد ذلك، قال ترامب إنه من المستحيل معرفة من هم الثوار السوريون، وإنْ بدا واثقًا بأنهم أسوأ من نظام الأسد، فقال: «إنها تدعم الثوار ولكنها لا تعرف حتى من هم أولئك الثوار. في كل مرة نختار فيها الثوار، سواء في العراق أو أي مكان آخر، نقوم بتسليحهم. ولكن هل تعرفين ماذا يحدث؟ إنهم يصبحون أسوأ من الآخرين في النهاية».

والحال أن الحكومة الأميركية وحلفاءها في سورية أمضوا سنوات في نسج علاقات مع العشرات من مجموعات الثوار. صحيح أن بعض مجموعات الثوار ارتكبت جرائم، ولكن الأغلبية الساحقة من أعمال القتل والفظاعات ارتُكبت من قبل نظام الأسد وشركائه.

وعندما حاولت رداتز أن تقول لترامب إن وقته قد نفد، أصر على مواصلة الحديث، مستعملًا مزيدًا من المغالطات حول ما يجري في سورية فقال: «إن الأسد لا يعجبني مطلقًا، ولكن الأسد يقتل داعش. وروسيا تقتل داعش. وإيران تقتل داعش. وهؤلاء الثلاثة تحالفوا الآن بسبب سياستنا الخارجية الضعيفة».

والحال أن الأسد وشركاءه يتجنبون إلى حد كبير محاربة داعش، مفضلين محاربة الثوار القريبين من المناطق التي يسيطرون عليها ومهاجمة مناطق المدنيين التي تخضع لسيطرة الثوار. ثم إن التحالف الذي يضم الأسد وروسيا وإيران موجود منذ عقود. ترامب لا يفهم الحقائق الأساسية للأزمات في الشرق الأوسط ويرفض التعلم بعناد، وهذا الأمر أكثر إثارة للقلق في الحقيقة من دعوته لسياسة ستفاقم هذه المشاكل وتجعلها أسوأ.

(*) محلل سياسي أميركي




المصدر