on
لا بديل إيرانيًا عن “نصر عسكري” في سورية
الشرق الأوسط
تقول إيران إنها لا تتدخل عسكريًا في أي دولة عربية. ويستمر الحرس الثوري الإيراني في تأكيد مقتل ضباط من القوات الخاصة العاملة في سورية ومنهم العقيد محمد رضا زاريالوني من وحدة «الصابرين» في القوات البرية، الذي قتل خلال عملية «استشارية» يوم 27 من الشهر الماضي، حسب ما جاء في بيان «أنصار فيلق الحسين» التابع للحرس الثوري الذي تواصل قيادته تسمية قواته «المستشارين»، على الرغم من بيانات الوفاة التي تعلن عن المعارك التي تخوضها.
الميليشيات الشيعية التي أرسلها ويدعمها الحرس الثوري تفيد بأن ضباطه يقودون مباشرة هذه الميليشيات في المعارك. ففي 5 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، قال علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي للشؤون الدولية خلال استقباله رئيس وزراء السويد السابق كارل بيلدت إن «إيران غير متورطة مباشرة في أي نزاع أو عمل عدائي في أي بلد آخر»، وأضاف: «نظرًا للتجارب الكثيرة لقوات الجمهورية الإسلامية فإن إيران تقوم بمهمات استشارية في العراق بناء على دعوة من حكومته، وإن وجودها في سورية له طبيعة الاستشارة وبطلب من قبل حكومتها».
في الثناء الذي كالته قيادة الحرس الثوري على زاريالوني، قالت إن تنظيم داعش الإرهابي والتكفيري قتله، وهو يدافع عن ضريح السيدة زينب، وأثناء دفاعه وتعزيزه لجبهة المقاومة الإسلامية. والمعروف أن الموقف الرسمي لإيران يصف كل مقاتلي المعارضة السورية بالإرهابيين، وليس فقط مقاتلي «داعش» أو الموالين له.
التمويه يأتي عندما تقول بيانات إيران إن ضباطها قتلوا أثناء الدفاع عن ضريح السيدة زينب، مع العلم أن القوات والميليشيات الشيعية التي يقودها الحرس الثوري شنت في اليوم نفسه الذي قتل فيه العقيد زاريالوني هجومًا كبيرًا على مدينة حلب، وكان مسؤولون أميركيون أشاروا في 26 من سبتمبر (أيلول) إلى أن كثيرًا من الميليشيات الشيعة التي تدعمها إيران، وقامت بالهجوم على حلب وصل عددها إلى 3 آلاف، في حين أشارت الصحف البريطانية إلى أن العدد تجاوز 5 آلاف.
في 30 من سبتمبر نعت إيران عناصر من المتطوعين الباسيج -القوة العسكرية التابعة للحرس الثوري– الذين قتلوا جنوب حلب، وكانت في بداية الشهر الماضي نشرت، وعن قصد، صورًا للواء قاسم سليماني قائد وحدة العمليات الخارجية في الحرس، وقائد فيلق القدس وهو يجول في جنوب حلب، ويتفقد مواقع «حركة النجباء»، الميليشيا العراقية الشيعية التي تدعمها وتمولها إيران، مما أكد أن وجود سليماني – غير الاستشاري طبعًا – في حلب كان لسحق المعارضة. ويدير سليماني الاستراتيجية الإيرانية في سورية بالتنسيق مع كبار القادة العسكريين الروس والسوريين.
منذ شهر يوليو (تموز) كان اللافت أن قائمة الضحايا من المقاتلين الإيرانيين في سورية تشمل ضباطًا من القوات البرية تزيد رتبها على الرائد وما فوق، إضافة إلى مجموعة من العمداء، كلهم قتلوا على أبواب مدينة حلب. ويشير هذا إلى أن كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني، الذي هو ليس شركة استشارية، متورطون في تخطيط العمليات العسكرية على أعلى مستوى، وأنهم في معارك دموية كثيرة، يقودون الميليشيات الشيعية التي دخلت سورية، على شكل وحدات بحجم الكتيبة. ويفخر هؤلاء القادة بالمشاركة مباشرة في الخطوط الأمامية أثناء اندلاع المعارك، رغم ما يكمن دونه من خسائر. وبيانات الوفاة الإيرانية شملت أطباء تخدير، وخبراء في المدفعية وقناصة.
من أجل أن تستمر إيران في الحرب في سورية، يعمد الحرس الثوري سرًا إلى تجنيد الشيعة الأفغان الذين يشكلون 20 في المائة من مجموع الشعب الأفغاني (30 مليون نسمة)، وهم في الغالب من الهزارة ويتكلمون الفارسية. كما جهز الحرس الثوري الآلاف من المهاجرين الأفغان غير الشرعيين، وهددهم بالترحيل إلى بلادهم إذا ما رفضوا الانضمام. وهكذا أسس الحرس لواء «الفاطميون»، وينتشر الأفغان للقتال إلى جانب النظام السوري منذ عام 2014. عددهم حسب التقارير يصل إلى 20 ألفًا، ومهمتهم الأساسية الدفاع عن ضريح السيدة زينب في دمشق، ويجبرون أحيانًا على القيام بعمليات قتالية محفوفة بالمخاطر. وحسب التقارير، فقد تلقوا تدريباتهم على يد «حزب الله» اللبناني. وتقام لهم المآتم في مدينة قم، ويحضرها مسؤولون إيرانيون كبار.
كذلك أنشأ الحرس الثوري الإيراني فيلق «زينبيون» وهم من شيعة باكستان انتشروا للمشاركة في القتال في سورية. ويعرفون شعبيًا بـ«حزب الله» الباكستاني، ولهم شعار كشعار «حزب الله» اللبناني، وفي مقدمة كل بياناتهم يحيون «القائد الأعلى آية الله خامنئي»، تمامًا كما يفعل أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله في معظم خطاباته.
وفي يونيو (حزيران) من عام 2014 تطوع 30 ألف شيعي من الهند لمقاتلة «داعش» في العراق ولحماية المراقد الشيعية هناك، وتراوح المتطوعون من طلاب جامعات إلى مصرفيين وأطباء ومهندسين. وقال سيد بلال الناطق باسم المجموعة الهندية الشيعية لوكالة الأنباء العراقية، إنهم يتطلعون لمليون متطوع لتشكيل سلسلة بشرية حول كربلاء والنجف.
إذن، الميليشيات الشيعية التي أنشأتها إيران وتشمل «حزب الله» اللبناني، والميليشيات العراقية ولواء الفاطميون، ولواء الزينبيون تشارك كلها في معارك حلب، إلى جانب القوات السورية برًا والروسية جوًا. وفي الفترة الأخيرة، مع اشتداد المعارك قتل 17 أفغانيًا، وفقد «حزب الله» في شهر أغسطس (آب) الماضي 29 مقاتلًا من كتيبة النخبة «الرضوان»، كما لقي 7 مصرعهم في الشهر الماضي.
إن إعلان إيران عن مقتل عناصر من الباسيج في سورية يؤكد أن الحرس الثوري نشر قواته البرية النظامية وقوات الباسيج عندما أراد ضخ قوات إضافية لتكثيف الهجمات على حلب. ورغم تصريحات المسؤولين الإيرانيين بأن دور إيران استشاري، فإن مقتل عناصر من الباسيج يشير إلى أن بعض قوى الحرس الثوري العادية تشارك في القتال في سورية بصفتها جزءًا من «قوة التدخل السريع الشيعية» بقيادة الحرس الثوري.
من ناحية أخرى، كان قائد رفيع في الجيش النظامي الإيراني أبلغ الصحافيين في 23 مارس (آذار) الماضي، أن قوات خاصة من الجيش ستنتشر في سورية والعراق تحت تسمية «مستشارين»، وكانت هذه المرة الأولى منذ الحرب العراقية – الإيرانية التي ترسل فيها إيران قوات نظامية إلى خارج حدودها.
إن مشاركة قوات من الجيش النظامي الإيراني كانت بدأت قبل أشهر من هذا «الاعتراف»، لأن قائد القوات البرية الإيرانية أمير أحمد رضا بوردستاني لم ينفِ في 17 مارس الماضي، تقريرًا أشار إلى أن طائرة هليكوبتر إيرانية عسكرية شوهدت تقلع من العراق إلى سورية في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2015.
وفي كلماته يشدد قائد القوات البرية التابعة للحرس الثوري، اللواء محمد باكبور، على أهمية الانتصار في «الحروب في سورية والعراق» والدفاع عن العتبات الشيعية، ويحذر من أنه في حال الهزيمة فإن إيران ستواجه الأعداء أنفسهم من المتطرفين السنة على حدودها الغربية.
إذن، بغض النظر عن التكلفة فإن إيران وحلفاءها من الميليشيات الشيعية يسعون إلى تحقيق نصر عسكري في سورية. وكان السيد حسن نصر الله قال قبل أيام إن الكلمة الأخيرة في سورية ستكون لساحة المعركة.
وبعد كل ما تقدم، هل علينا أن نصدق ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم السبت الماضي أثناء اجتماعه مع إيرانيين مقيمين في ماليزيا: «إن إيران لا تسعى إلى نشر التشيع، أو فرض ثورة 1979 على أي دولة، نحن بحاجة إلى الوحدة والأخوة بين الشيعة والسنة، وإن العالم الإسلامي بحاجة اليوم إلى تبديد الوهم بين الشيعة والسنة اللذين تربطهما أهداف مشتركة»؟
جميل كلام روحاني، لكن «أهدافه» مسمومة.
(*) كاتبة لبنانية
المصدر