“وايت فلاكس”: الإنتاج السوري ينطلق من المفنى


استطاع بعض الفنانين السوريين الموجودين في ألمانيا، أن يتركوا بصمة في الآونة الأخيرة، ومنهم مجموعة “وايت فلاكس” التي عرفها الجمهور من خلال الأفلام القصيرة التي انتشرت بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيلم “نبراس”، وفيلم “قل له”.
وفي حوار خاص لـ “العربي الجديد” مع المخرج السوري الشاب، أسامة الحفيري، أخبرنا عن قصة شركة “وايت فلاكس” التي قام بتأسيسها. يقول الحفيري: “في حديقة منزلي، وفي قلب العاصمة السورية دمشق، بدأنا نجتمع أنا ومجموعة من الفنانين الشباب، لنتجادل ونخطط، لم تكن فكرة الشركة موجودة في بادئ الأمر، وبدأنا حينها نشاطنا الفني تحت اسم فرقة “ملل”، واخترنا هذا الاسم في البداية، لأنَّ الملل كان في وقتها يحيط بنا، ويخنقنا كأفراد وكفنانين. إذ كنا نشعر بذلك الوقت وكأننا أصبنا بالشلل والملل، ومللنا من كل ما كان يحيط بنا، ومن الوضع الفني المتردي للدراما السورية التي توقفت عن الإنتاج الفعال منذ سنة 2011، وأصبحت تشابه نفسها يوماً بعد يوم، واجتمعنا مراراً، وعولنا كثيراً على حماسة الشباب، وقدرة الجيل الجديد على البناء والتطوير. كنا نحاول حينها من خلال نقاشنا أن نتغلب على الأفكار السلبية التي تحيط بنا، وأن نستثمر الملل والوقت الطويل للعمل على أفكار جديدة وخارج الصندوق.
هكذا كنا في البداية، مجموعة من الشباب المهتمين بالفن. استنتجنا في اجتماعاتنا الأولى أن الأدوات اللازمة لخلق عمل فني متواجدة لدينا، وبسبب حماسة الشباب، بدأنا بالكتابة ووضع الأفكار لنصنع فيلماً طويلاً من مجموعة قصص قصيرة. ولكن للأسف، لم تفلح تلك المحاولات. وتناقص عدد المجموعة مع الوقت، إذ كانت آنذاك تتكون من ثمانية أشخاص، ولم تنتج شيئاً يذكر رغم العديد من المحاولات. ففي ذلك الوقت، لم يكن هناك أي دعم، ونسجنا الكثير من الأفكار التي لم تبصر الضوء”.

ويشير الحفيري إلى أنّ رحلة النجاح بدأت بعد سنتين من تشكيل المجموعة، “تطورت أدواتنا قليلاً، سمعنا حينها عن مهرجان “شكا” في إيطاليا، و قررنا أن نشارك بتظاهرة الأفلام السورية التي سيستضيفها المهرجان، وهنا ظهر لأول مرة اسم “وايت فلاكس” الذي قررناه اسماً لشركتنا الجديدة، والتي يبلغ عمرها الآن سنة وعدة أشهر”.

فيلم One day calendar هو أول فيلم للمجموعة، وهو الفيلم المشارك في مهرجان “شكا” عام 2015. ميزانية الفيلم كانت ضعيفة للغاية، ولم تزد عن 30 دولاراً أمريكياً! “كتكاليف الإضاءة التي صنعناها في المنزل، والتي كانت عبارة عن علبتي حليب قديمتين، وضعنا فيهما مصباحين، و مجموعة من أضواء “الليد” ذات اللون الأزرق والأصفر، مجهزة بأزرار، وصورنا بكاميرا لصديق لي. و للأسف، لم أستطع في هذا الفيلم تصوير كل المشاهد التي كنا نريدها، لأن بعض المشاهد كانت تستوجب التصوير في الشارع، وهذا لم يكن ممكناً أبداً، بسبب حساسية الأوضاع الأمنية في سورية. ولذلك، اضطررنا أن نعدل على النص، وأن نصور كل شيء داخل المنزل. واستخدمت جهاز الكومبيوتر الخاص بي لمونتاج الفيلم، وأعتقد أننا بذلنا أقصى ما نستطيع بالمدة المحددة والظروف المعطاة، والنتيجة كانت مرضية، فأرسلنا الفيلم إلى المهرجان، ونال قبول اللجنة، وعرض فيه، وبالطبع لم يستطع أحد من المشاركين في الفيلم الحصول على تأشيره، وهذا للأسف، شيء طبيعي جداً لأي سوري. فكانت هذه اللحظة بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فاقتربنا من اليأس ووصلنا لمرحلة الكآبة، لأنه من الصعب على أي إنسان أن يجد كل هذه العوائق في طريقه، وأن يصارع طيلة الوقت الظروف التي يعيش فيها. والأسوأ من ذلك، أن لا نجد من يدعمنا حتى لمشاهدة الفيلم الذي كافحنا أصعب الظروف الإنسانية والفنية لتنفيذه، وهو يعرض في بلاد بعيدة عنا. فجاء قرار السفر حينها، وهذا تماماً ما حدث، والآن أنا وأخي مجد الحفيري في ألمانيا، نؤسس الشركة مع بضع الشباب الآخرين، الذين يعملون في عدة مجالات في الشركة، كالتصميم والدراماتورج”.
وعن اسم الشركة “وايت فلاكس”، ومعناه بالنسبة لأسامة، يضيف: “وايت فلاكس” يعني التدفق الأبيض، وبالنسبة لنا، هو الصدمة الفنية التي تحدث عندما تكون تشاهد شيئاً ما، وتشعر فجأة بعاطفة معينة تجتاح كيانك”.

أما عن الأفلام التي قدّمتها الشركة حتّى الآن، والفئة المستهدفة، يقول الحفيري: “ليس هنالك جمهور محدد للشركة، ففي أفلامنا حتى الآن حاولنا أن نخاطب أكبر فئة ممكنة. نملك في رصيدنا 7 أفلام قصيرة، يمكن لأي شخص أن يحضرها، مهما كان انتماؤه الثقافي، فهي تتقاطع جميعها بنزعتها للبساطة والتفاصيل الإنسانية. وشاركنا باثنين منها في مهرجان “شكا” الدولي للأفلام السورية في إيطاليا في دورتيه 2015-2016″.

وعن اللجوء إلى ألمانيا، وتأثير المكان الجديد، يشير الحفيري: “وجودنا الآن في ألمانيا أثر فينا، وقدمنا نحو الأفضل، فهنا توجد مساحة حرة للعمل، وتتوافر لنا الإمكانيات اللازمة للإبداع ونلقى الدعم الذي كنا نحتاجه في سورية. لا تزال الشركة مولوداً جديداً. ومن الناحية الفنية، ربما كانت طباعنا الشرقية تظهر بشكل تلقائي في أفلامنا وأعمالنا حتى الآن، وهذا ما يضفي بصمة خاصة على عملنا، فنحن ملتزمون بالأفكار السورية تبعاً لانتمائنا، ويسعدني وجود هذه النكهة السورية في رؤيتي الفنية للأعمال التي نقوم بها”.



صدى الشام