خيار روسيا في سورية مزيد من «جرائم الحرب»


العرب

في الأساس، عندما يلتئم مجلس الأمن الدولي بشكل طارئ فهذا يعني أن هناك أزمة ينبغي أن تُعالج، لا أن يعرض الأعضاء مواقفهم ويُشهر أحدهم «الفيتو» وتُترك الأزمة لتزيد اعتمالًا. بهذا المنطق تصرفت روسيا أخيرًا بشأن قصفها التدميري المبرمج لحلب. ثم ماذا؟ ثم تأتي لتفرض شروطها: إخلاء المدينة قسرًا أو استكمال التدمير لإخلائها بالقوة. نعم، كان الهدف ولا يزال أن لا يبقى أهل حلب فيها، ولا شك أن العجز الصامت أو العجز الصاخب يتساويان في النتيجة، ويصبح المجتمع الدولي، ممثلًا هنا بمجلس الأمن، كما لو أنه يشرع جريمة الحرب صاغرًا ومرغَمًا، وبين «فيتو» فرضته الولايات المتحدة على تسليح المعارضة، و«فيتو» فرضته روسيا على وقف إطلاق النار، يتضح التوافق الدولي ضد الشعب السوري.

لكن الأطراف الأخرى تقول إن لديها خيارات، واشنطن أعلنت أنها تدرسها، وسربت كالعادة وللمرة الألف أفكارًا تراوح بين التهديدات الخجولة وبين التمنيات المعروف مسبقًا أن باراك أوباما سيرفضها. لندن أشارت أيضًا إلى «خيارات عسكرية»، لكن في إطار تحالف تقوده الولايات المتحدة، أي أنها تلوح بأمر غير وارد. باريس مستعدة للمشاركة بالشروط غير المتوفرة ذاتها. أما الاعتماد على المعارضة، خصوصًا الفصائل التي أثبتت مرارًا قدرتها وكفاءتها، وهو الخيار الوحيد المجدي، فإن واشنطن مستعدة دائمًا لاختلاق كل الذرائع للتهرب منه. لذلك حار الحلفاء والأصدقاء في ما يريده الأميركيون، وقد أظهر ترددهم وإصرارهم على «التعاون» مع الروس أن خيارهم الحقيقي غير المعلن هو تمكين روسيا من مهمتها، ولو بطريقتها الوحشية، وإلا فإن التعامل مع كوارث بادية مسبقًا للعيان يكون باستباقها وليس بدرس «الخيارات» بعد وقوعها.

ستكون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، هذا الأسبوع، فرصة للنظر في المسألة السورية، وسط الهجوم الذي تتعرض له حلب، والتوصية بإجراءات يسمح بها قرار «الاتحاد من أجل السلام»، وفقًا لما أشار إليه وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مقاله في «نيويورك تايمز»، بغية تجاوز «الطريق المسدود» الذي بلغه مجلس الأمن فعلًا. صحيح أن روسيا الوالغة في الدم السوري لا تهتم بكل هذه الجلبة التي تثار حول بربريتها، ما دامت قد أقفلت النظام الدولي، إلا أنها لا تستطيع تجاهل تحرك الجمعية العامة هذا، مرفقًا بالحملة الفرنسية لتفعيل المحكمة الجنائية الدولية والنظر في اتهامها بـ»جرائم حرب»، وبإعراض الاتحاد الأوروبي (ردًا على قصف حلب) عن درس تخفيف العقوبات المفروضة عليها بسبب الأزمة الأوكرانية.

رغم أن الاصطفاف الدولي ضد روسيا لم يبلغ حد تشكيل تهديد لها، إلا أنها اضطرت للتحسب لتداعياته، ولعل هذا ما جعلها تفتح نافذة للدبلوماسية من خلال اجتماع لوزان، إلا أنها لم توقف القصف لإظهار حسن النية. واقع الأمر أن موسكو ذهبت بعيدًا جدًا في التماهي مع نهجَي نظام بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين وميليشياتهم، وهي مضطرة لإرضائهم باعتبارهم حماة تدخلها على الأرض السورية. وليس سرًا أن وقف إطلاق النار والذهاب إلى مفاوضات جدية لحل يقوم على الانتقال السياسي ليسا بين أهداف حلفاء روسيا، بل إنهم يريدون الاستمرار في تفريغ المدن بتدميرها وتجويع أهلها، ولا شك أن أي تغيير في الاستراتيجية القتالية لروسيا وتغليبها للحل السلمي سيعنيان مواجهة لا ترغب فيها مع حلفائها.

(*) كاتب لبناني




المصدر