المعضمية كانت هنا.. وحكاية صغيرة عن وحوش السومرية والفرقة الرابعة

19 أكتوبر، 2016

ناصر علي – ميكروسيريا

لا أحد يعرف معضمية الشام كما نعرفها نحن أولئك الذين عشنا شبابنا في ريف دمشق الغربي، المعضمية كما يسمونها هناك أقرب مدن الريف إلى العاصمة، وهي التي اعتدت عليها دمشق لتأخذ جزء منها على أبواب المزة حيث بقي البناء الفارغ عقوداً في رعاية المخابرات الجوية، وشاهداً على صلف نظام مجرم أراد له أن يكون عبرة لمن يحاول التطاول فبقيت بيوت المعضمية واطئة إذ لا بناء يعلو إلا بإذن المخابرات الجوية.

منذ سنوات بعيدة ومع صعود نجم رامي مخلوف ومجموعات الاقتصاد المتفتح تم السماح بهدم البناء ومنح رخصة لبناء فندق (روتانا) الذي لم ينته وبقروض طويلة الأمد لعرّاب الأسد وأبن خاله، وهذا لم يرفع الحصار عن المعضمية التي ظل أهلها ينتظرون اذن مساعد في مخابرات علي مملوك ليسمح ببناء غرفة لشاب يريد الزواج في بيت أهله.

وجع أهالي المعضمية أنهم استقبلوا ككل الريف الدمشقي أولئك القادمين من جبال الخوف والفقر، وأعطوهم بيوتهم، وباعوهم أراضيهم لأنهم فقراء ولا سقف يؤويهم، وهكذا انتشرت حواريهم الطائفية، وتجمعوا بسلاحهم فكلهم يخدم في الفرقة الرابعة التي احتلت أيضاُ أراضيهم في التلال المقابلة وحولتها إلى معسكرات تدريب، وهكذا مع بداية الثورة صارت الحارة الشرقية معسكر اعتقال للمتظاهرين وسجناً تخرج منه جثث الشباب إلى المقابر، ومدافع الألوية المنتشرة في الجبال نار محمومة تدك بيوت أهالي المعضمية، وتحولت المدينة الصغيرة إلى كتلة ركام ودمار، وهجر شبابها الذين اضطروا لحمل السلاح.

البعض يعتقد أن خطأ شباب المعضمية أنهم لم يدكوا بيوت الصفيح المجرمة في السومرية، والتي كانت خزان الشبيحة الذين يدفعون الموت باتجاه البيوت التي أوتهم في فقرهم قبل أن يتحولوا إلى مهربين وبائعي خمور يرفعون على دكاكينهم صور حسن نصر الله، ولكن شباب المعضمية ككل أهل الريف كانوا يحاولون جاهدين أن لا يجعلوا من سلاحهم حجة للأسد في تأكيد فكرته في أن هذه الثورة قامت من أجل قتل العلويين وذبحهم.

اليوم…من أكثر الأيام إيلاماً…اليوم تخرج العائلات التي رفضت الخروج من المعضمية رغم براميل النظام والعدد الكبير من الشهداء، تغادر المعضمية مثل داريا إلى ريف ادلب محمولة بالباصات الخضراء الصينية التي تحولت إلى أهم رموز الهجير في سورية التي تتحول إلى مقبرة غريبة.

اليوم…ستعصف الريح الصفراء في أحياء المعضمية، وسينام أبناء الجبال فرحين بعد أن يشربوا كؤوس عرق الريّان منتشين بإفراغها من أهلها .. ومنجزين وعدهم، وهم يردون المعروف بأحسن منه، فبدلاً من زيتون المعضمية الشهي الذي استقبلهم قبل خمسين عاماً يدفعون أهلها بالرصاص خارج بيوتهم.