لماذا تعدّ معركة الموصل نقطة تحوّل؟

22 أكتوبر، 2016

أنس عيسى

منذ أن بدأ الجيش العراقي وحلفاؤه هجومهم ضد الدولة الإسلاميّة في أواخر العام 2014، نجحوا في استعادة عديد المدن الواقعة في شمالي العراق وغربه، لذلك فإنّه من المغري النظر إلى معركة الموصل، والتي بدأت في الساعات المبكّرة من 17 تشرين الأوّل/أكتوبر، على أنّها مناوشة أخرى إضافيّة في ظلّ تراجع الدولة الإسلاميّة المطّرد، لكنّ الصراع على الموصل يستدعي تركيز الأذهان بشكل لم يحصل في أيّ مواجهةٍ أخرى مع الدولة الإسلاميّة. والسؤال هنا: لماذا يعدّ  كثير من المراقبين، سواء من داخل أو من خارج العراق، الموصل كنقطة تحوّل؟

شكّلت الموصل النقطة المحوريّة لطموحات الدولة الإسلاميّة منذ سيطرة الجماعة الجهاديّة عليها في حزيران/ يونيو 2014، وكان أبو بكر البغدادي، زعيم الدولة الإسلاميّة، قد نصّب نفسه من على منبر جامع المدينة الكبير خليفةً للمسلمين، وحوّل المدينة الثانية في العراق إلى قاعدةٍ له. لأسباب تاريخيّة، ولأسباب تتعلّق بحجم المدينة وموقعها الإستراتيجي، قامت تلك المدينة بتقزيم معاقل الدولة الإسلاميّة الأخرى، بما فيها الرقّة، عاصمتها في سورية. كما أقدم عشرات الآلاف من السنّة العراقيّين على ترك مخيّمات النازحين داخليًّا بحثًا عن الملجأ في ظلّ حكمه. من دون الموصل، كانت الدولة الإسلاميّة ستُحرم من قاعدتها الضريبيّة، ومن حقول نفطها؛ أي أنّ تلك الجماعة كانت ستكون ظلًّا لما كانت عليه سابقًا.

لكن للموصل مغزى، وأهميّة أبعد من سقوط الدولة الإسلاميّة، فمنذ أن جعلها سنحاريب “الملك الآشوري” عاصمته في عام 700 قبل الميلاد، استطاع كلّ من حكمها السيطرة على المنطقة، سواء أكان الأشوريّون أو البابليّون، أو العرب أو السلاطين العثمانيّون، أو الإمبراطوريّة البريطانيّة؛ و ها هي لا تزال ذات أهميّة إستراتيجيّة في القرن الحادي والعشرين؛ حيث تنظر القوى الإقليميّة إلى موصل ما بعد الدولة الإسلاميّة، إن لم تكن كجوهرةٍ للانتزاع، فعلى الأقل كمكان لصدّ المنافسين: فالأتراك يرون فيها حاجزًا لمنع امتداد التأثير الإيرانيّ في اتّجاه الغرب، و يرى العرب فيها ما يشكّون بكونها طموحات عثمانيّة جديدة لرجب طيب إردوغان، الرئيس التركي، للسيطرة على المدينة. أمّا عرب وأكراد العراق المتصارعون فيما بينهم، فيعدّون الموصل في غاية الأهميّة للتحكّم بشمال العراق، وفي هذه الأثناء، تمثّل الموصل معركةً أضخم بين أميركا، والتي تقود الجهد، وروسيا؛ فإن سارت الأمور وفقًا لما كان مخطّطًا له، فستسلّط أميركا الضوء على الهوّة والفرق بين عمليّاتها في العراق وعمليّات روسيا في حلب، المدينة التي تعتبر بطابعها التاريخيّ والدينيّ والتجاريّ وبمزيجها العرقيّ كنظيرة الموصل في سورية. لكن، ومن جهةٍ أخرى، إن أدّى الهجوم الذي تقوده أميركا إلى حصار طويل الأمد، وإلى تدمير المدينة القديمة للموصل وقتل سكّانها، فستقوم أميركا بالدعوة إلى المقارنة، غير اللطيفة، مع العدوان على مدينتها الشقيقة.

سيعتمد  كثير مما سيحدث على سنّة المدينة البالغ عددهم مليون شخص، حيث قد تؤدّي الضمانات التي قُدّمت لهم بمستقبلٍ في عراق ما بعد الدولة الإسلاميّة إلى امتناع سكّان الموصل من الاستجابة لنداءات الدولة الإسلاميّة للنهوض والدفاع عن المدينة؛ كما أنّ نهوضهم للتحكّم بمدينتهم قد يسدّ الفراغ الذي سيُضطر الغرباء للجلاء عنها، في حالة حصول العكس، للقتال بغرضِ ملئه. كما أنّ احتضانهم من قبل حكومة بغداد قد يدفع بالحكومات السنيّة المرتابة، وخصوصًا تلك التي في الخليج، إلى الموافقة على المشاركة في إعادة إعمار المحافظات السنيّة الممزّقة. وعلى الرغم من الموعد بين حيدر العبادي، رئيس وزراء العراق، ونجم الجبوري، الجنرال السنّي المحلّي، على قيادة الحملة، إلّا أنّ  كثيرًا من السنّة يخشون أن تكون القوى العالميّة في الموصل، كما في حلب، تساعد ضمنيًّا الأنظمة المدعومة إيرانيًّا لتدمير آخر بقايا القوة السنيّة في الهلال الخصيب، حيث لم تقدّم الادّعاءات بحصول مجازر بعد استعادة العراق للفلّوجة، في شهر حزيران/يونيو، إلّا القليل من التطمينات. لكن إن أُبقيت الميليشيّات الشيعيّة خارج الموصل، و تمّ منح السلطة لسكّان المدينة، فقد يبدأ العراق، عندها، بقلب صفحة حروبه، و حروب المنطقة، الطائفيّة.

اسم المقالة الأصلي The Economist explains Why the battle for Mosul is a turning point الكاتب مجلة الإيكونومست The Economist مكان النشر وتاريخه مجلة الإيكونومست The Economist 17 تشرين الأوّل/أكتوبر 2016 رابط المقالة http://www.economist.com/blogs/economist-explains/2016/10/economist-explains-16 المترجم أنس عيسى

 

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

22 أكتوبر، 2016