on
عرض قضيّة المفقودَين الفرنسيّين-السوريّين في سجون بشار الأسد أمام القضاء الفرنسي
أنس عيسى
في الصورة: كليمنس بيكتارتن محاميّة المفقودَين، وشقيق أحدهما وعمّ الآخر عبيدة دبّاغ. الصورة لـ: ستيفاني ساكوتين. أ.ف.ب.
أودع، في صبيحة هذا اليوم في باريس، عبيدة دبّاغ، شقيق وعم المختفيين -والمدعوم من الاتّحاد الدولي لحقوق الإنسان ورابطة حقوق الإنسان- شكوى لدى الجهة المتخصّصة بالجرائم ضدّ الإنسانيّة وجرائم الحرب.
يشعر عبيدة دبّاغ، بملامحه التي يسودها التوتّر، وصوته الذي يحجب المشاعر، ثقل الخطوة التي تجاوزها للتو، حيث قام المهندس الفرنسي-السوري، صباح يوم الإثنين باللجوء إلى العدالة الفرنسيّة والتقدّم بشكوى بسبب غياب أخيه وابن أخيه في سجون نظام بشار الأسد. هو الذي قام، ومنذ ثلاث سنوات، بالطرق على الأبواب جميعها، والمحاولة عبر صلاتٍ سياسيّة ودبلوماسيّة، واستنفاد كلّ الطرائق الممكنة، بهدف الحصول ولو حتّى على معلومة عن مصير أقاربه، حيث يؤكّد ذلك شاكيًا بقوله: “لا شيء! من دون أيّ مقابل! لا نعلم حتّى إن كانا حيّين أم ميّتين، ولا حتّى ما هي تهمتهما!”. هنالك فقط شيئان أكيدان: نعلم من قبض على الرَّجُلين، وإلى أيّ سجن تمّ نقلهما إثر اعتقالهما.
في أحد أسوأ مراكز تعذيب نظام الأسد
في تاريخ 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، حضر خمسة رجال إلى منزل العائلة في دمشق، مصرّحين بانتمائهم إلى فرع المخابرات الجويّة السوريّة، وقائلين إنّهم يريدون اقتياد باتريك عبد القادر الدبّاغ، والذي كان عمره آنذاك 20 عامًا وطالبًا في السنة الثانية اختصاص علم نفس في جامعة دمشق، بغرض التحقيق معه. في اليوم التالي، عاد الضبّاط أنفسهم، معزّزين بعشرات الجنود، وكان جميعهم مسلّحين، في منتصف الليل لاعتقال مازن دبّاغ، والد الشاب، متّهمين إيّاه بعدم تربية ابنه بالشكل الصحيح. يعمل الرجل ذو الأربعة والخمسين عامًا مستشارًا للتعليم في المدرسة الفرنسيّة “شارل ديغول” في دمشق، ويؤّكد الشقيق، الذي يعيش في فرنسا منذ نحو عشرين عامًا: “لم يكن أيٌّ منهما ناشطًا، كما لم يكن لديهما أيّ نشاط سياسي.” يوجد الأب والابن في سجن مطار المزة العسكري، والذي يُعرف، للأسف، بكونه أحد أسوأ مراكز التعذيب للنظام السوري. وينقل لنا عبيدة دبّاغ، بحنجرة مكتومةٍ لصعوبة التعبير عمّا يريد قوله: “نادى السجّانون على الابن ليروي على أبيه كيف تمّ تعذيبه، وبالعكس”، وذلك نقلًا عن معتقلين تمّ إطلاق سراحهم بسرعة وقاموا بإخبار العائلة بتلك الوقائع، وهذا ما يؤكّد وجودهما السابق معهم في المزّة.
من أب سوري وأمّ فرنسيّة، يتحدّر الأخير (عبيدة) الذي يعمل منذ ثلاثين عامًا في القسم الثقافي للسفارة الفرنسيّة في دمشق، وقد حاولت عائلة الدبّاغ، وخلال سنتين، أن تحرّك علاقاتها للحصول على معلومات؛ حيث قامت بإرسال عدّة طلبات، عبر طرقٍ رسميّة وغير رسميّة في سورية، وحتّى عبر وساطة روسيا وإيران، كما قامت بالكتابة إلى أعلى المسؤولين الفرنسيّين والأوروبيّين درجة، طالبًة العون، وكان من بينهم نوّاب فرنسيّون قاموا بزيارة بشّار الأسد. كلّ ذلك كان من دون جدوى. ومن ثمّ ظهرت، في كانون الثاني/ يناير 2014، قضيّة “قيصر”، المصوّر الرسمي الذي كان يعمل في السجون السوريّة، وقام بنشر صور 11.000 قتيل تحت التعذيب، قامت وزارة الخارجيّة الفرنسيّة في إثر تلك القضيّة بالطلب من النيابة العامة النظر في الموضوع، والتي فتحت تحقيقًا تمهيديًّا في أيلول/ سبتمبر 2015 لدى القسم المختص بمكافحة الجرائم ضدّ الإنسانيّة وجرائم وجنح الحرب أمام المحكمة العليا في باريس.
منع الوصول إلى الحقيقة
علم عبيدة دبّاغ أنّ في إمكانه اللجوء إلى ذلك القسم من القضاء، والمختص بالمواطنين الفرنسيّين حصرًا، و تواصل مع الاتّحاد الدولي لحقوق الإنسان، ووجد فيه تفاعلًا ومواكبةً مباشرَين، حيث قال اليوم: “أخيرًا كان هناك من سيساعدني، شعرتُ، عندها، أنّي أقلّ وحدةً.” سينضمّ كلٌّ من الاتّحاد الدولي لحقوق الإنسان ورابطة حقوق الإنسان إلى عبيدة دبّاغ لتقديم شكوى، وسيطالبان بالفتح الفوري لملفّات قضائيّة تتعلق بحوادث اختفاء قسري، وتعذيب تشكّل جرائم ضدّ الإنسانيّة، حيث تؤكّد تلكما المنظّمتان ذلك بالقول: “نأمل أن تقوم النيابة العامّة، و في أسرع وقت، بفتح ملفّ قضائيّ متعلّقٍ بتلك الحوادث الخطيرة جدًّا، والتي تعكس مدى امتداد القمع الواقع على الشعب السوري منذ عام 2011.”
يقول عبيدة: “أعلم أنّ العدالة صيرورة طويلة الأمد، يجب ألّا نخدع أنفسنا”، لكنّه يأمل أنّ الكشف العلني عن حقائق سيؤدّي إلى إزالة العوائق أمام الوصول إلى الحقيقة، وهو يقوم بذلك العمل باسم عائلات عشرات الآلاف من المعتقلين في سجون نظام بشار الأسد، أولئك الذين لا يستطيعون الشروع بالقيام بأي خطوة لأنّهم لا يمتلكون غير الجنسيّة السوريّة. يقول عبيدة دبّاغ: “أكبر أمل شخصيّ لي هو أن يستطيع مازن رؤية أمّنا من جديد، والتي تبلغ من العمر اليوم تسعين عامًا.” كانت جدّة الغائبَين قد عادت إلى فرنسا في بدايات النزاع السوري، في عام 2011.
اسم المقالة الأصلي | CRIMES DE GUERRE La justice française saisie du cas de deux Franco-Syriens, disparus dans les geôles de Bachar al-Assad |
الكاتب | هالة قضماني Hala Kodmani |
مكان وتاريخ النشر | جريدة الليبيراسيون الفرنسيّة 24 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2016 |
رابط المقالة | http://www.liberation.fr |
المترجم | أنس عيسى |
المصدر