مسعود أحمد: ندرك التصورات السلبية عن صندوق النقد


قال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، مسعود أحمد، في مقابلة خاصة مع “العربي الجديد”، إن التصورات السلبية عن الصندوق لا تزال موجودة في بعض بلدان المنطقة العربية، مشيراً إلى إجراءات ينبغي على السلطات اتخاذها لحماية محدودي الدخل، وإلى نص المقابلة:
* كيف يرى صندوق النقد الدولي اقتصاد منطقة الشرق الأوسط في ضوء المخاطر الجغرافية-السياسية والقضايا الأمنية الراهنة التي تمر بها المنطقة؟
لا تزال آفاق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان مدفوعة بعاملين أساسيين: هبوط أسعار النفط والصراعات الإقليمية.
وقد حققت أسعار النفط تحسناً محدوداً عما كانت عليه في الربيع، ولكن أسواق العقود الآجلة ترجح بقاءها منخفضة على المدى المتوسط. وتواصل الصراعات الإقليمية إلحاق الضرر بالبلدان الخاضعة لتأثيرها المباشر، مثل العراق وليبيا وسورية واليمن، وكذلك بلدان الجوار التي تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين، وخاصة الأردن ولبنان. ولا تزال الظروف الأمنية هشة في عدد من البلدان الأخرى في المنطقة.

* كثيرون في المنطقة العربية لديهم تصور سلبي عن الصندوق، وأنه يساند الحكومات والموازنات العامة على حساب المواطن محدود الدخل، وأنه يدعم رفع الأسعار.. فما الذي يفعله الصندوق لتصحيح هذه الصورة السلبية؟
التصورات السلبية عن الصندوق لا تزال موجودة في بعض بلدان المنطقة، ونحن نحاول فهمها ومعالجتها. وفي السنوات القليلة الماضية، أصبح الصندوق مؤسسة أكثر شفافية بكثير مما كان عليه في السابق، كما أصبح تركيزه أكبر على السياسات الاقتصادية التي ترسمها السلطات الوطنية حتى تضمن شعورها بملكيتها. وبالإضافة إلى ذلك، بدأنا التركيز بوضوح أكبر على السياسات التي تكفل توزيع ثمار النمو الاقتصادي على نطاق أوسع من السكان، وعلى حماية أفراد المجتمع محدودي الدخل.

* إذا كان الصندوق يفعل ذلك كما تقول، فما هي الخطوات الواجب اتباعها لحماية محدود الدخل في المنطقة العربية؟
لحماية محدودي الدخل في بلدان التحول العربي – وغيرها من البلدان حول العالم – نشير على السلطات بأن تهدف إلى استخدام أدوات تمثل شبكة للأمان الاجتماعي الأكثر استهدافا للمستحقين، وخاصة التحويلات النقدية وغيرها من أشكال دعم الدخل، بدلا من الأخذ بنظام الدعم المعمم الذي تذهب منافعه في الغالب إلى ميسوري الحال.
وسيكون من الضروري تحسين جودة الإنفاق الحكومي بشكل أعم لتلبية الاحتياجات الاجتماعية في المنطقة، وزيادة الاستثمار، وتخفيض عجز المالية العامة، الذي يرفع مستويات الدين ويعوق إتاحة الائتمان للقطاع الخاص. وكل هذا سيساعد على تعزيز سلامة الاقتصاد وخلق فرص عمل أكثر وأفضل في المنطقة.

* ما هي توقعات الصندوق لأسعار النفط وتأثيرها على الموازنات العامة في البلدان المصدرة، وخاصة في منطقة الخليج؟

الآفاق المتوقعة لسوق النفط لم تشهد تغيراً جوهرياً منذ أصدرت إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تحديثا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي في أبريل/نيسان 2016. فبعد أن وصلت أسعار النفط في يناير/كانون الثاني إلى مستوى منخفض غير مسبوق منذ 10 سنوات هو 30 دولاراً للبرميل، حققت تعافيا جزئيا لتتراوح بين 40 و50 دولاراً للبرميل، بدعم من انخفاض الإنتاج من حقول النفط عالية التكلفة وانقطاع الإمدادات من كندا ونيجيريا على نحو تجاوز زيادات الإنتاج التي حدثت في إيران والعراق. وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن يكون أي ارتفاع آخر في أسعار النفط محدودا، حيث تشير أسواق العقود الآجلة إلى بقاء الأسعار أقل من 60 دولارا حتى 2021، وإن كانت هذه التنبؤات محاطة بقدر كبير من عدم اليقين.

* في ضوء التكلفة الكبيرة التي يتحملها الأردن لاستضافة ملايين اللاجئين من العراق وسورية، ما الدور الذي يمكن أن يقوم به الصندوق لتخفيف هذا العبء عن المملكة التي تعاني من مشاكل مالية؟
يواصل الصندوق العمل مع بلدان منطقة “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان” بوجه عام، ومع الأردن بوجه خاص، عن طريق المشورة بشأن السياسات، والإقراض، والمساعدة الفنية.
ففي 24 أغسطس/آب 2016، وافق المجلس التنفيذي على اتفاق يغطي 3 سنوات لمساعدة الأردن على التكيف مع هذا الموقف الصعب، مع توفير إطار لتمويل المانحين دعماً للاجئين السوريين. وأهم أهداف البرنامج هو تحسين الظروف الكفيلة بتحقيق نمو أكثر احتوائية.

* هل تتطلب الاستفادة من برنامج كهذا جهوداً أكبر من الأردن؟
أمران يتطلبهما تحقيق هذا الهدف للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، مع التقدم في مسار الإصلاحات الهيكلية في مجالات متنوعة لتشجيع الاستثمار وتوظيف العمالة:
أولا، سيتم تنفيذ إصلاحات هيكلية في عدة مجالات لتحسين التنافسية وآفاق التوظيف، وتشجيع العدالة والإنصاف والحوكمة الرشيدة. وستهدف هذه الإجراءات إلى زيادة المشاركة في سوق العمل، وخاصة للنساء والشباب؛ والحد من الأنشطة غير الرسمية؛ وتحسين مناخ الأعمال وفرص الحصول على التمويل؛ والحفاظ على الإنفاق الاجتماعي؛ وتحسين المساءلة العامة.

ثانيا، سيهدف الضبط التدريجي والمطرد للمالية العامة – والذي يرتكز على إجراء إصلاحات معزِّزة للإيرادات وداعمة للعدالة في النظام الضريبي واستمرار الإصلاحات في قطاع الطاقة والمياه – إلى الوصول بالدين العام لمستويات أكثر أمانا مع حماية محدودي الدخل. وسيستمر تركيز السياسة النقدية على الحفاظ على احتياطيات كافية تمثل ركيزة لسعر الصرف.

* كيف يرى الصندوق اقتصاد ليبيا، وخاصة بعد ستة أشهر من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية؟ هل يستطيع الاقتصاد الليبي تحقيق التعافي في المستقبل القريب؟ وما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لضمان تحقيق ذلك؟
آفاق الاقتصاد الليبي محفوفة بالتحديات. فقد أدى حصار المنشآت النفطية من جانب العديد من المليشيات المتنافسة إلى خفض كبير في الإنتاج النفطي، مما خفض إجمالي الناتج المحلي بنسبة تقدر بنحو 24% في 2014 و6% في كل من 2015 و2016.
وتشير التقديرات إلى وصول عجز الموازنة إلى 56% من إجمالي الناتج المحلي في 2015 مع عجز في الحساب الجاري الخارجي قدره 45% من إجمالي الناتج المحلي. هذا العجز المزدوج يعمل على تقليص الاحتياطيات الرسمية، والتي تتراجع حاليا بمعدل مليار دولار أميركي شهريا. وليست الآفاق أفضل كثيرا بالنسبة لعام 2016، حيث يُتوقع أن يظل العجزان على ارتفاعهما، أي بنسبة 53% و43% من إجمالي الناتج المحلي، على الترتيب.
وللوصول إلى تحسن مستمر في آفاق الاقتصاد الليبي، يتعين تسوية المشكلات السياسية والأمنية التي تواجه ليبيا في الوقت الراهن.



صدى الشام