on
النظام السوري يخنق خان الشيح: التجويع تمهيداً للتهجير
تتجه الأوضاع الإنسانية لسكان منطقة خان الشيح غربي دمشق، والمخيم الذي يقع هناك وتقطنه غالبية من اللاجئين الفلسطينيين، إلى مستوى غير مسبوق من التدهور، إذ إن المخيم الواقع ضمن نطاق الغوطة الغربية، بات شبه محاصرٍ تماماً، عقب تغلغل قوات النظام السوري بعملية عسكرية مساء الجمعة، إلى مناطق محيطة بالمخيم، بهدف إطباق الخناق عليه لتجويع الأهالي، ودفع مقاتلي المعارضة للرضوخ، وتسليم المناطق التي يسيطرون عليها. يأتي هذا في الوقت الذي يشهد فيه محيط العاصمة السورية من الجهة المقابلة (الغوطة الشرقية) تواصل العمليات العسكرية للنظام ومليشياته، مع إشارة روسيا بالاسم إلى حي جوبر شرقي دمشق، على أنه مصدر القذائف التي ادعت سقوطها على السفارة الروسية الواقعة في حي المزرعة.
فبعد أسابيع شهدت فيها منطقة خان الشيح ومحيطها، غاراتٍ أسقطت ضحايا مدنيين، بالتزامن مع زحف مجموعاتٍ من عناصر قوات النظام السوري نحو أطراف المخيم وقرى وبلداتٍ قريبة منه، استطاعت هذه القوات المتقدّمة أن تُحكم حصارها على مخيم خان الشيح الذي يقطنه آلاف السكان، وتسيطر عليه فصائل المعارضة السورية. وكان التطور الأخير في مناطق سيطرة المعارضة هناك يوم الجمعة، عندما خسرت المعارضة بعد اشتباكات مع قوات النظام، ما يُعرف باسم تلة الدفاع الجوي والكتيبة المهجورة هناك، وهي تلةٌ حاكمة نارياً لطرقٍ واصلة بين خان الشيح وزاكية، وبالتالي فإن الجهة التي تسيطر عليها، تستطيع التحكم وعرقلة استخدام هذه الطرقات.
نتيجة هذا التطور، حرمت قوات النظام والمليشيات التي تساندها في تلك المنطقة، سكان مخيم خان الشيح وكذلك مقاتلي الفصائل من الوصول ذهاباً وإياباً إلى بلدة زاكية التي تبعد عنهم نحو ستة كيلومترات شرقاً، وهو ما يُلقي بظلال شبح التجويع على المدنيين هناك، والذين لا تقديرات دقيقة لأعدادهم اليوم، إذ كان يعيش في المنطقة نحو خمسة وعشرين ألف نسمة، غادر بعضهم خلال السنوات الخمس الماضية، فيما استقبلت المنطقة آلاف النازحين من سكان مناطق مجاورة، استعر فيها القتال في أوقاتٍ سابقة.
وتشارك “مليشيات مدعومة من حزب الله” بحسب الناشط الإعلامي ضياء عسود، قوات النظام في حصار المخيم الفلسطيني هناك. ويعتبر عسود، المُنحدر من خان الشيح، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن سيطرة قوات النظام على “كافة الطرق الواصلة إلى المخيم” تأتي تمهيداً “لفرض حصار تام على سكان المخيم، بهدف تجويعه وتهجير ساكنيه”.
هذه السياسة التي يعمل عليها النظام في خان الشيح الآن، ما هي إلا خطوة إضافية، في مخطط بدأ قبل أسابيع، وفعلياً قبل ذلك بأشهر طويلة، ويرمي إلى تحقيق هدف يعتبره النظام تأمين الحزام الذي يلف دمشق. وقد تحقق جزءٌ واسع منه، عبر إغلاق النظام، بنفس سياسة التجويع حصاراً، ثم دفع السكان للرضوخ باتفاقية، لملفي داريا ومعضمية الشام، اللتين تلاصقان الحدود الإدارية للعاصمة دمشق، وتقعان ضمن نطاق الغوطة الغربية، إلى الشمال من خان الشيح بنحو 12 كيلومتراً.
ويقع مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين، غربي العاصمة السورية بنحو سبعةٍ وعشرين كيلومتراً، ويعود الوجود الفلسطيني هناك إلى نحو ستة عقود مضت، لكون المنطقة حدودية مع فلسطين المحتلة، إذ تبعد عن مرتفعات جبل الشيخ الواقع غربها أقل من خمسة وعشرين كيلومتراً.
وقد جرت محاولاتٌ عديدة في خان الشيح كسائر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية لتحييده عن وقائع الثورة السورية منذ أشهرها الأولى، لكن اشتعال المناطق المجاورة حال دون ذلك، فتأثرت معظم المخيمات بمحيطها جغرافياً وديمغرافياً، كما أن قوات النظام أجّجت ذلك عبر سياسة الاعتقالات والمداهمات في المخيمات، فوصلت إليها التظاهرات بداية، قبل أن تخرج عن سيطرة النظام عقب تسليح الثورة.
وخان الشيح، تتموضع في منطقة زراعية واسعة يمر فيها نهر الأعوج، وتُعرف باسم سهل كوكب وقربه مناطق زاكية والديرخبية. ويُعتبر السهل، أحد المصايف التي تقع قرب دمشق، ويمر منه الطريق الدولي دمشق-القنيطرة، الذي يأتي من مدينة القنيطرة، وصولاً إلى مناطق عرطوز وجديدة فمعضمية الشام قرب داريا، وينتهي عند الدخول لدمشق من جهة مطار المزة العسكري.
وعلاوة على جهود النظام الحثيثة في العمل على ما يعتبره تأميناً لقلعته الأمنية في العاصمة، فإن حملاته العسكرية المتواصلة في خان الشيح وسائر مناطق الغوطة الغربية، والتي يساعده فيها أنها مناطق تتمركز فيها قطع عسكرية كثيرة من قواته كونه كان يسميها “خط جبهة مع العدو الإسرائيلي”، تسعى إلى تحقيق عدة أهداف. أبرز هذه الأهداف إنهاء وجود المعارضة المسلحة في هذه المناطق الحدودية وبالتالي قطع الطريق على محاولة ابتزازه من خصومه في هذه الجبهات، التي ما كانت تشتعل فيها المعارك حتى تخمد مجدداً من دون تغييرٍ كبير بمواقع السيطرة منذ ثلاث سنوات تقريباً.
كما يسعى النظام إلى قطع الطريق على محاولات فصائل المعارضة التي فشلت سابقاً في وصل جبهات القتال في غوطة دمشق الغربية مع مثيلاتها في ريفي درعا الشمالي والقنيطرة الشمالي الشرقي، وهذه النقاط التي كانت تلتقي فيها أرياف المحافظات الثلاث، عُرفت سابقاً باسم “مثلث الموت”. ولا يبدو موقف فصائل المعارضة السورية هناك (حركة أحرار الشام ومجموعات أخرى تتبع الجيش السوري الحر) مريحاً، لإفشال مخطط النظام، إذ إنها انكفأت منذ أشهر ضمن مناطق سيطرتها، على الرغم من فتحها معارك عديدة، أغلبها كان لمنع فرض الحصار عليها، وقبل ذلك لمحاولة وصل مناطق نفوذها مع أرياف درعا والقنيطرة.
صدى الشام