on
دور إسرائيل تحت المجهر في ندوة سياسية لمركز (حرمون) للدراسات
صبحي فرنجية
أنهى مركز (حرمون) للدراسات المعاصرة يومه الأول من ندوته التي تحمل عنوان “الجولان السوري المنسي، وموقعه في سورية المستقبل”، والتي عُقدت في مدينة إسطنبول التركية، الأربعاء والخميس (2 و3 من الشهر الجاري)، وبُحِثَ فيها دور إسرائيل في المنطقة، وتوافقه مع أدوار الأنظمة العربية المستبدة، وتطور قضية الجولان وعلاقتها بالقضية الفلسطينية، وكذلك موضوع المياه والاستيطان، والواقع الحالي للجولان المحتل، ثم موقف إسرائيل من الثورة السورية، وغيرها من المحاور التي ترتبط في الجولان، بدءًا من سقوطها في يد الاحتلال الإسرائيلي ودور الأسد في السقوط، وانتهاء بواقع السوريين فيها -اليوم- تحت حكم الاحتلال الإسرائيلي.
وفي كلمته الافتتاحية التي حملت عنوان “الجولان يحكم سورية”، قال مدير المركز، د. حازم نهار: إن نظام الأسد عمد إلى تجهيل السوريين بقضية الجولان تجهيلًا كليًا، كما مارس النظام المتاجرة بالقضية داخليًا وخارجيًا.
وأكد على أن فهم قضية الجولان مرتبط بفهم الدور الوظيفي للنظام نفسه، وبأهمية موقع سورية الجغرافي، والعلاقات الخارجية التي بناها خلال نصف قرن، والتي شكّلت دعامة أساسية لاستمراره واستقراره، تلك العلاقات التي شكّلت طوق نجاته، وكان آخرها قبل الثورة السورية، ما بعد اغتيال رفيق الحريري.
ورأى أنه لا توجد قضية وطنية سورية من دون وجود “الدولة الوطنية السورية، الدولة الديموقراطية، دولة المواطنة واحترام حقوق الإنسان، ولن تكون هناك خطوة حقيقية في اتجاه الجولان وفلسطين. ما يقوم به السوريون من إعادة بناء الوعي بالقضية الوطنية، ونزع قضية الجولان وفلسطين من أيدي المتاجرين بهما”.
إسرائيل والمنطقة وثورات الربيع العربي
بحث الحاضرون في الندوة الدور الإسرائيلي في المنطقة، وتوافقه مع أدوار الأنظمة العربية المستبدة، مستعرضين العلاقة التي تربط أنظمة المنطقة بدولة إسرائيل، والمصالح المتبادلة بين هذه الأنظمة والمحتل، كما وقفوا على دور إسرائيل في الثورة السورية.
وقال الباحث سلامة كيلة، خلال مداخلته: إن دور إسرائيل الوظيفي يكمن في كونها أداة فاعلة ضمن استراتيجية السيطرة الإمبريالية، موضحًا أن إسرائيل كانت فكرة استعمارية بريطانية، قبل أن يطرحها اليهود أنفسهم.
وأوضح أن البريطانيين قاموا بدفع المثقفين والحقوقيين اليهود إلى بلورة الفكرة التي تحققت في مؤتمر بال 1897، مشيرًا إلى أنها كانت “ضمن منظور إمبريالي لبقاء المنطقة مفككة، لهذا أي منظور للتغيير يجب أن ينطلق من هذه المسائل، وألا يُلعب بالبدائل؛ كون بعض الأنظمة تكرر لازمتها بشعارات الممانعة والمواجهة، مع الخصوم؛ لإفراغ القضية من مضمونها، ويجب كشف هذا الخطاب الذي يلعب بالقضايا الوطنية”.
بدوره، قال الكاتب ماجد كيالي: إن “المعارضة السورية لم تناقش قضية الجولان، وهذا موقف خطأ، سياسيًا وأخلاقيًا”، معللًا ذلك بأربعة أسباب، هي: “أولًا: لأنه يتأسس على إدراكات خاطئة [خطأ] لحقائق الصراعات السياسية، وللاستراتيجيات التي تنتهجها الدول، والتي تقوم على المصالح والمكانة والهيمنة. ثانيًا: لأنه ترك قضية وطنية محقة، مثل قضية الجولان للنظام الذي يتاجر بها، أو يوظفها؛ لتعزيز شرعيته وتبرير سياساته الأمنية والتسلطية. ثالثًا: لأن التمسك بالحق السوري في الجولان مسألة مشروعة وعادلة من منظور القانون الدولي والشرعية الدولية. ورابعًا: باعتبار هذا الموضوع يشمل، أيضًا، السكوت عن وجود إسرائيل والنأي عن قضية فلسطين، كأن المعارضة السورية (أو معظمها) تعتبر نفسها غير معنية بهذا الصراع”.
وعدّ كيالي أن ما وجه موقف إسرائيل من ثورات الربيع العربي ستة محددات: “أولًا: هذه الثورات يمكن أن تمهد، في حال نجاحها، لكسر احتكار إسرائيل؛ لكونها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. ثانيًا: هذه الثورات تعني حضور الشعب إلى مسرح التاريخ، بعد أن كانت المجتمعات العربية تعاني من التهميش. ثالثًا: هذه الثورات تفتح احتمالات تغيير البيئة الأمنية التي اعتادت عليها إسرائيل، وهو ما يضعها أمام واقع لم تعتد عليه. رابعًا: وجدت إسرائيل في الثورات العربية فرصة سانحة لها؛ لتأكيد أن وجهة نظرها بشأن أن أسباب الاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة، لا تنبع من وجودها واحتلالاتها، وإنما من الأنظمة التسلطية والفاسدة. خامسًا: تغير البيئة الإقليمية المحيطة بإسرائيل، ما سيكون له أثره الكبير على مكانتها في المنطقة وعلى تفاعلات النظام الإقليمي، وسادسًا: تأكيدها على استمرار الاحتفاظ بهضبة الجولان تحت سيادتها، ورفض أي مطالبات بإعادتها إلى سورية، تحت مبررات أمنية”.
من جهته، أشار الإعلامي معن البياري، في مداخلته، إلى الدور الأميركي الداعم لإسرائيل، وتأثير هذا الدور في موقفها من الثورة السورية، وقال: “اللافت أن التصريحات الإسرائيلية في الشأن السوري، منذ انطلقت الثورة، شحيحة، إلى حد يجعلك تعتقد أن دولة الاحتلال لا تكترث لما يجري في سورية، أو أنها مطمئنة من عدم تأثيره عليها، وعلى أمنها، إلى حد يجعلها لا تجد نفسها مضطرة إلى إعلان أي مستوى من القلق أو الاهتمام. فيما تنشط الاتصالات الأميركية مع كل دول الإقليم”.
وتابع في أن هناك “حسابات أميركية خاصة، ذات صلة بالمستجدات والمتغيرات الإقليمية الحادثة في المنطقة. ونقطة الالتقاء المشار إليها هنا تسوق إلى صحة ما قاله المفكر الأميركي، نعوم تشومسكي، لناشطين سوريين التقاهم في بيروت في حزيران/ يونيو 2013، إن الموقف الأميركي والإسرائيلي غير راغب في أن يرى نظام الأسد يسقط، وأشار إلى أن إدارة أوباما حشدت؛ من أجل توجيه ضربة -بعد استعمال النظام للسلاح الكيماوي- وتأمنت لها موافقة 33 دولة على المشاركة فيها، غير أن حكومة نتنياهو لم تكن متحمسة”.
في السياق ذاته، شرح خالد فارس، في كلمته، طبيعة التكامل بين الاستبداد والاحتلال، موضحًا مفهوم الاستبداد في السياق العربي والطريق الذي سار فيه منذ وعد بلفور، مع تسليط الضوء على ذلك التناقض الإلغائي بين التحرر والاحتلال.
الجولان المحتل وأهله
تطرقت الندوة -أيضًا- إلى حال السوريين في الجولان المحتل، حيث كانت ضمن هذا الموضوع مداخلات مسجلة من داخل “مجدل شمس” في الجولان المحتل، قدمها الدكتور ثائر أبو صالح، والدكتور تيسير مرعي، ودراسة من نزيه بريك قرأها فوزات أبو صالح.
وقال د. عبد الله تركماني: إن مراكز بحثية إسرائيلية ترى أن “الفوضى في سورية فرصة، يتوجب على إسرائيل أن تُجبي نتائجها في الجولان، انطلاقًا من مفهوم الأمن قبل السلام”.
ورأى أن مصير الجولان سيتوقف توقفًا كبيرًا على “شكل التسوية التاريخية”، وأنه كلما “تعمقت الطائفية في سورية، وتعززت الكراهية بين مكونات المجتمع، وتحويلها إلى شروخ، بحيث تستغلها إسرائيل لطي “موضوع احتلال الجولان بصورة نهائية”. وتابع في أن بشار الأسد -بحسب مراكز الأبحاث الإسرائيلية- هو “مصلحة قومية عليا لإسرائيل”.
كما قال الشاعر ياسر خنجر، القادم من الأرض المحتلة، إن هناك “إشكالية تواجه الأجيال الجديدة، حول مسألة الهوية الوطنية، ومعاناة أهالي الجولان بذلك”، وأشار إلى الأسئلة المطروحة في صفوف الجيل الجديد المتمثلة بـ “هل أنا سوري؟، هل أنا إسرائيلي؟، هل أُعرّف نفسي كدرزي من الجولان أم من إسرائيل”.
وأضاف أن إسرائيل بدأت العمل على موضوع دروز إسرائيل منذ الستينات، حيث أن كل القرى السورية بالجولان هُجّرت إلا القرى الدرزية، معللًا ذلك بثلاثة أسباب: هي “أولًا: مشايخ الدروز أصدروا حرمًا دينيًا على كل من يترك بيته وينزح. ثانيًا: قراهم وبيوتهم لم تتعرض للقصف كما تعرضت قرى وبلدات الجولان الأخرى؛ ذلك أن إسرائيل كانت تخشى من ردة فعل بعض جنودها وضباطها من دروز فلسطين، الذين سيقفون مع أبناء طائفتهم، وثالثًا: إسرائيل كانت قد بدأت فعلًا برسم خطة لإنشاء دولة درزية، وذلك منذ عام 1968، وهي تحتاج إلى كسب الدروز في هذه القرى؛ ليكونوا مفتاحًا في علاقتها مع الدولة الافتراضية”.
وأكد أن “هويتنا السورية الموروثة ما زالت فاعلة في ضمائرنا، على الرغم من كل الصدأ الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي، وعززه إهمال نظام الأسد الذي يحتل سورية، ولكن بديلنا الثقافي، ونافذتنا الأكثر إشراقًا هي فلسطين؛ بما نحمله -معًا- من رفض للاحتلال، وبما تشكله من بوصلة واضحة تحكم واقعنا اليومي، في تحديد هوية العدو على أنه كل من يمارس ظلمًا أو قمعًا، كل من يقتل أصحاب الأرض ويهجرهم من بيوتهم وبلداتهم، كل من لا يجد الطريق الواضح إلى الانتصار لحرية الإنسان في كل زمن وكل وضع”.
إلى ذلك، تطرق د. ثائر أبو صالح بكلمته التي أرسلها عبر فيديو مسجل من مجدل شمس في الأرض المُحتلة، إلى أهم التحولات الاستراتيجية في السياسة الإسرائيلية تجاه سكان الجولان المحتل، حيث بينت إحدى الدراسات أن إسرائيل اتبعت سياسات مختلفة، بحسب المراحل التاريخية، حيث بعد إفراغ الجولان من سكانه 1967، واعتبارها أن السكان تركوا بيوتهم طوعًا، دون أن تُشير إلى الخطة التي اتبعتها بإفراغه من سكانه ومحاولتها العمل على إنشاء دولة درزية”.
وأضاف أنه “بعد حرب 1973، وتوقيع معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية في عام 1977، فقد بدأ أهالي الجولان يدركون أنه سيعود لسورية إما بالحرب أو بالسلم، وهنا ابتدأ تعامل إسرائيل يتغير، وخاصة أن السكان أخذو يواجهون الاحتلال بوسائل عدة، فيما حاولت -هي- احتواء ذلك، وسمحت للطلاب بالدراسة في الجامعات السورية منذ التسعينيات، كذلك تساهلت مع زيارات رجال الدين الدروز إلى سورية، وخلال كل تلك المراحل، بدأت الحركة الوطنية في الجولان تنمو وتترعرع، بينما النظام السوري تفاجأ بوجودها، وقد نمت دون مساعدة أحد وهي من جابهت محاولات الضم بطريقتها، وبالنتيجة، فإن الجولان يُعتبر ضحية احتلال غاشم ونظام مستبد”.
وقال د. تيسير مرعي، في كلمته التي أرسلها من الأرض المحتلة: “إنه بعد المقاومة والصمود التي أبداها أهل الجولان، بدأت إسرائيل تتعامل معهم بطريقة القوة الناعمة، وكذلك رسّخت السلطات المحلية ودعمتها، ومن جانب آخر قد حاولت استقطاب السكان، حيث فتحت المجال للعمل داخل إسرائيل، لكنها أيضًا ضيقت على العلاقة بينهم وبين الفلسطينيين”.
وأضاف أن “مسألة الاستيطان بالجولان تم تجميدها لفترة من الوقت، ثم أخذت تتوسع مع طابع اقتصادي، واعتمدت إسرائيل على الإنتاج الزراعي والحيواني للمستوطنين في الجولان، وأيضًا تم فتح المجال لإقامة بعض الصناعات الأخرى في الجولان وتصديرها إلى الخارج، أوضح مرعي بأن إسرائيل بدأت بعد الثورة، عمليات التفتيش والتنقيب عن النفط والغاز في الجولان، وهناك مؤشرات على وجود نتائج جيدة”.
شهادات حول قضية الجولان
من الموضوعات التي وقفت عندها الندوة -في يومها الأول- شهادات أدلى بها سوريون حول قضية الجولان، والتي قال فيها د. محمد أحمد الزعبي، في رسالة مصورة له: إن حافظ الأسد لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد مروره بمحطات يمكن عدّها درجات السُّلَّم، وبالتالي أنهى دور حزب البعث وانتقل إلى دور آخر هو الدور الطائفي.
وأوضح أن أبرز هذه المراحل هي “حل الحزب عام 1958، والذي أدى إلى تكوين نواة اللجنة العسكرية الصلبة بقيادة محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الأسد. مرحلة الانفصال وهنا حصل صراع الأولويات: هل الأولوية للوحدة أم للحرية، لأن البعض كان يقبل الانفصال على أساس أن عبد الناصر ديكتاتور، في حين رفض آخرون الانفصال على أساس أن الوحدة أهم”.
وأضاف أن من درجات السُّلم أيضًا “حركة 8 آذار في سورية ووصول حزب البعث إلى الحكم، ثم انعقاد المؤتمر السادس حيث أطلقت مسألة اليسار واليمين، وأحداث 18 تموز حيث تم تسريح الضباط الناصريين والذين كان أغلبهم من السنة، وهزيمة 1967 واحتلال إسرائيل للجولان”.
كما عد الأسير السابق في سجون الاحتلال وئام عماشة، عبر مداخلته المصورة، نفسه مواطنًا سوريًّا عاش الحلم (حلم التحرير)، و”هذا الحلم كان على مدار سنوات بعيد جدًا؛ حتى أتت الثورة السورية وقربتنا إليه”.
وقال إنه مع عام 2005، ومن خلال الإعلام وشبكات التواصل، بدأ السوريون في الجولان بالتعرف على وجوه معارضة لنظام الأسد، و “حاولنا أن ننشئ علاقة ما بين الجولان وهذه الشخصيات بعد أن فقدنا الأمل من أن يفعل النظام السوري شيئًا لتحرير الجولان”.
وأكد أنه “تفاعلنا مع الثورة السورية تفاعلًا عاطفيًا، حيث أنه مع انطلاق الثورة السورية راودنا شعور بالانتماء كبير، وعلى المستوى الشخصي كنت أسأل نفسي كيف يمكنني أن أشارك فيها”.
المصدر