لا خوف من توطين اللاجئين السوريين إنما من عواقب إقامتهم الطويلة في لبنان


اميل خوري

من بين الملفات الساخنة التي يواجهها العهد الجديد ويكون الموقف منها واحداً هو ملف اللاجئين السوريين الى لبنان. والخوف ليس من توطينهم، إنما من إقامتهم الطويلة بحيث تصبح بحكم الأمر الواقع شبه توطين، وهو ما حصل للاجئين الفلسطينيين الذين استوطنوا لبنان في انتظار أن يصبح لهم وطن.

لذلك فإن المطلوب من الدول المانحة ليس توفير المساعدات الكافية للاجئين السوريين فقط، بل السعي الجاد لتأمين عودتهم الى سوريا في أسرع وقت ممكن لأن بقاءهم في لبنان الى أجل غير معروف قد يعرّض استقراره الأمني والاقتصادي والاجتماعي للخطر، خصوصاً إذا توقّفت مساعدات الدول المانحة لسبب من الأسباب وصار لبنان يتحمل وحده عبء تأمينها. لذلك مطلوب من الدول المانحة وغير المانحة الاهتمام بمعالجة اللجوء السوري الى لبنان، إما بإيجاد مناطق آمنة داخل سوريا تضمن أميركا وروسيا خصوصاً حمايتها في انتظار التوصل الى حل في سوريا، وإما استعجال التوصّل الى هذا الحل لتصبح عودة اللاجئين الى ديارهم سريعة، فيرتاح لبنان من عبء ايوائهم والدول المانحة من عبء تقديم المساعدات لهم.
لقد أمل كثيرون عندما حصل اتفاق أميركي – روسي في أن يؤدي الى الاسراع في ايجاد حل ينهي الحرب في سوريا. لكن تبيّن أنه كان اتفاقاً هشاً بل مفخخاً بتضارب المصالح، فعاد الصراع بين الحل السياسي والحل العسكري ما قد يذهب بسوريا الى التجزئة والتقسيم، فتنعكس صورة هذا الوضع الخطير في سوريا على الوضع في لبنان، فيفقد هو أيضاً وحدته أرضاً وشعباً ومؤسسات.
لا شك في أن اللجوء السوري اذا طال في لبنان فقد يكون أخطر من التوطين لأن لبنان لا يتحمل أعباء هذا اللجوء، ليس اقتصادياً واجتماعياً فحسب، إنما سياسياً وأمنياً، ويهدد بالتالي التوازن الداخلي ويذكّر بأسباب حرب الـ75. فاللاجئون السوريون المنقسمون سياسياً قد يشكلون جزءاً من الصراعات الداخلية في لبنان، فيتكرر معهم ما حصل مع اللجوء الفلسطيني مع فارق أن اللاجئين الفلسطينيين عاشوا في مخيمات وكانوا مسالمين الى أن تسلحوا وأصبحوا معتدين على سلطة الدولة وسيادتها، ما اضطر لبنان الى عقد “اتفاق القاهرة” علّه يحافظ على ما تبقى من سيادة لبنانية وسلطة. لكن هذا الاتفاق الذي اعتبره البعض “اتفاق اذعان” لم يمنع نشوب حرب لبنانية – فلسطينية تحوّلت حرباً لبنانية – لبنانية ثم حروب الآخرين على أرضه، ولم تتوقف إلا بعد إقرار “اتفاق الطائف” الذي أخضع لبنان لوصاية سورية دامت 30 عاماً. وعلى رغم هذه المدة الطويلة، فإن هذا الاتفاق لم ينفذ تنفيذاً دقيقاً كاملاً.
لذلك يخشى بعض المراقبين انه اذا طال اللجوء السوري في لبنان وطالت إقامتهم فيه أن يواجه لبنان ما واجهه مع اللجوء الفلسطيني، اي حرباً داخلية لم تنته الا باخضاعه لوصاية سورية.
في حين ان المشكلة مع اللجوء السوري قد لا تنتهي بحرب بل بتجزئة لبنان وتقسيمه واخضاعه لنظام جديد قد يتجاوز صيغة اللامركزية الادارية الواسعة الى الفيديرالية. وكانت ممثلة الأمين العام للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ قد حذرت من الوقت “الذي ليس في مصلحة لبنان”.
الواقع أن لبنان يواجه أحد امرين: إما تأمين عودة اللاجئين السوريين الى ديارهم بأسرع وقت ممكن، وإما تعريض الوضع فيه لشتى الاحتمالات والمخاطر، خصوصاً ان اسرائيل قد تستفيد من هذا الوضع فتحاول تنفيذ ما لم تستطع تنفيذه ابان الحرب الداخلية فيه من خلال وزير الخارجية الاميركي آنذاك هنري كيسينجر الذي جعل العميد الراحل ريمون اده يبدي تخوفه يومئذ من “قبرصة” لبنان عندما قرأ ما في نية كيسينجر، فوجّه اليه تلك الرسالة الشهيرة التي كشفت عن سياسة اميركا في لبنان والمنطقة، وهي سياسة لا شيء يدل على انها تغيّرت. فالحرب في لبنان دامت 15 سنة وانتهت بوصاية سورية عليه، والحرب في ليبيا والعراق وسوريا واليمن قد تطول أيضاً ولا أحد يعرف كيف ستنتهي ومتى؟ هل بحلول سياسية وما هي صورتها، أم بحلول عسكرية قد لا تنتهي إلا بتغيير خريطة المنطقة حدوداً وأنظمة. واستمرار الحرب في سوريا معناه أن لا حل لمشكلة اللاجئين السوريين قريباً إلا بخلق مشكلة في لبنان لا سمح الله.

“النهار”