صحافيون إسرائيليون يدفعون ثمن إغضاب اليمين


باتت البيئة الاجتماعية عاملاً إضافياً يضيق هامش الحرية المتاح أمام الإعلام الإسرائيلي ويقلص من فائض الخيارات المتاحة أمام الصحافيين الإسرائيليين، الذين يقدمون تغطيات صحافية أو يتبنون مواقف نقدية لا تلقى قبولاً لدى جمهور اليمين المتطرف، الذي بات الجمهور الأكثر صخباً والأشد تصميماً على إسماع صوته. وفي المقابل، فإن الجمهور الإسرائيلي بات يحتفي بالصحافيين والمعلقين الذين يبلورون تغطياتهم وتعليقاتهم لتلقى استحساناً لدى هذا الجمهور.

وقد بات صحافيون ومعلقون كبار يتعرضون للاعتداء والتهديد لمجرد أنهم قدموا روايات يعتبرها جمهور اليمين ضارة بسرديته. ولعل ما تعرض له الصحافي أمنون أبراموفيتيش (67 عاماً)، كبير المعلقين في قناة التلفزيون الإسرائيلي الثانية، أواخر الأسبوع الماضي، دليل على طابع التحولات التي طرأت على واقع البيئة الاجتماعية التي يعمل فيه الإعلام الإسرائيلي. فقد توجه أبراموفيتيش برفقه زميله في القناة، عميت سيغل، إلى مقر المحكمة العسكرية التي تنظر في قضية الجندي ألوئيل آذاريا، الذي أعدم قبل خمسة أشهر الفتى الفلسطيني عبد السلام الشريف (16 عاما)، في قلب مدينة الخليل، على الرغم من أن الفتى كان مصاباً بعيار ناري.

وبمجرد أن لاحظه ناشطون من اليمين الذين يحرصون على حضور جلسات المحكمة لكي يقدموا الدعم للجندي وعائلته، حتى انهال عليه أحدهم بالسباب والشتام واتهمه بأنه “عميل يتوجب تصفيته”. وحاول ناشط يميني الاعتداء الجسدي على أبراموفيتيش. وقد برر الناشط هجومه على أبراموفيتيش بالقول إنه “يشوه الحقائق” من خلال تغطيته لقضية الجندي وأنه أول من كشف حقيقة العلاقة بين الجندي القاتل ومنظمة “لاهفا” الإرهابية اليهودية، التي يقودها الحاخام بنتسي غوفشتاين، والتي تتولى تنفيذ اعتداءات ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وفي فلسطين الداخل.

وقد جاء التعدي على أبراموفيتيش، على الرغم من أنه ينظر إليه كـ”بطل”، حيث حصل على عدد من الأوسمة بسبب ما سمي “بسالته” في حرب 1973، حيث أصيب بإعاقة دائمة في يديه وحروق لا زالت تغيّر معالم جسده. وإن كان قد تم تسليط الأضواء على ما حدث مع أبراموفيتيش لأنه تم نقله على الهواء مباشرة، فإن صحافيين آخرين يتعرضون للمضايقات والاعتداء من قبل نشطاء اليمين المتطرف. فعلى سبيل المثال، يقوم نشطاء اليمين المتطرف بطرد بعض الصحافيين الإسرائيليين من المستوطنات اليهودية المقامة في الضفة الغربية بحجة أن تغطيتهم تخدم “دعاية الفلسطينيين”. وقام بعض نشطاء اليمين الديني المتطرف بتكسير كاميرات بعض الصحافيين عندما وفدوا لتغطية وقفة تضامنية مع الجندي القاتل آذريا في مدينة “بيتح تيكفا”.

وقد حمل بعض كبار الصحافيين في إسرائيل المستوى السياسي، خصوصاً رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، المسؤولية عن إيجاد بيئة تساعد على تنفيذ هذه الاعتداءات. وفي صفحته على “فيسبوك” كتب بن كاسبيت، أحد أبرز المعلقين السياسيين والأمنيين في إسرائيل أن نتنياهو يلعب دورا مهما في التحريض على وسائل الإعلام وتعقبها، لدرجة أن كل صحافي يتجرأ على عرض موقف نقدي تجاه سياسات ائتلافه بات “مُطاردا” من قبل مؤسسة الحكم وجمهور اليمين.

وفي مقابل الاعتداءات والتهديدات التي يتعرض لها الصحافيون والمعلقون الذين يتبنون مواقف لا تلقى استحسانا لدى الجمهور اليميني، فإن الصحافيين والمعلقين الذين يتبنون رواية مؤسسات الحكم واليمين المتطرف يحظون بالاحتفاء من قبل هذا الجمهور. فقد دلت نتائج بحث أجراه موقع “وللا” الإخباري الإسرائيلي على أن تعليقات روني دانئيل، المعلق العسكري في قناة التلفزة الثانية، تحظى بالاهتمام الأكثر لدى متصفحي مواقع التواصل العبرية. ويعد دانئيل من أكثر المعلقين الإسرائيليين عنصرية وتبنيا لمواقف مؤسسة الحكم من الصراع مع الفلسطينيين. ودلت النتائج على أن الملاسنة بين دانئيل والنائب عن القائمة العربية أحمد الطيبي والتي تمت أثناء مشاركة الأخير في برنامج “استوديو الجمعة” قبل ثلاثة أسابيع، قد نالت إعجاب متصفحي المواقع العبرية بشكل خاص، حيث إن دانئيل وصف النواب العرب الذين رفضوا المشاركة في تشييع جنازة بيريس بأنهم “ليسوا آدميين”.

ويعد التحول في البيئة الاجتماعية للصحافة الإسرائيلية مكملا للتحولات التي طرأت على البيئة السياسية والاقتصادية، والتي أسهمت في تمكين اليمين من زيادة تأثيره على الرأي العام. فقد أفضى احتكار اليمين بشقيه الديني والعلماني للحكم خلال العقد الأخير إلى إصدار الحكومات المتعاقبة العديد من القرارات الإدارية التي زادت من تأثيرها على وسائل الإعلام، لا سيما قنوات التلفزة.



صدى الشام