‘مهند الحاج علي يكتب: ماذا بعد حلب الشرقية؟’
8 نوفمبر، 2016
مهند الحاج علي
لا تتسم معركة حلب بأهمية استراتيجية، عسكرياً أو اقتصادياً فحسب، بل تبدو مجرياتها أشبه بفرض حل نهائي، قد تتحول الحرب بعده إلى مناوشات بين جغرافيات الأمر الواقع، أو نزاعات داخلية. قبل أيام قليلة، أسقطت طائرات روسية مناشير على الشطر الشرقي من مدينة حلب، تدعو فيها السكان إلى إخلاء المدينة. وإن كانت التهديدات بالمناشير لم تنفع لإخلائها، فإن الفرقاطة المجهزة بصواريخ ”كروز“ تستعد لإدخال السكان مجدداً في دوامة دموية جديدة. لكن لماذا كل هذا التركيز على إفراغ حلب الشرقية من سكانها؟ المساران العسكري والسياسي للنظام السوري يقضي بإبرام اتفاقات لإفراغ مناطق يُحاصرها من سُكانها، قبل الدخول إليها. في داريا، خرج المدنيون، ونُشرت تقارير عن عمليات توطين لعائلات عراقية، لكنها لم تتأكد حتى اللحظة، سيما أن الوضع الأمني والاقتصادي ليس جاذباً لمثل هذه الهجرة. مصير مماثل ينتظر منطقة الزبداني أيضاً. ورغم أن التقارير الإعلامية، تُركز إلى الآن على الطابع الطائفي للتوطين، إلا أن أعداد الأقليات لا تكفي لمثل هذا التغيير الجذري، ما يجعل الموالاة للنظام معياراً رئيسياً وحاسماً لا الطائفة، وفقاً لما يتسرب من المناطق شبه المُدمرة وتحديداً حمص وريف دمشق وفي ناحية الحفة في الساحل السوري. على سبيل المثال، في بلدات منطقة الحفة، استوطن نازحون موالون (سُنة) من حلب، وفقاً لمصادر المنطقة. لكن في حمص، مُنع كثيرون من العودة الى مناطقهم رغم عدم مشاركتهم في أي نشاط معاد للنظام، في حين فُتحت الأبواب أمام مئات النازحين من منطقة الحميدية المسيحية في المدينة القديمة (وسط حمص)، بحسب مصادر متقاطعة هناك. لكن الأعداد أقل بكثير من أي تغيير ديموغرافي، إذ لا يزال السنة غالبية ساحقة من حمص رغم الدمار والتهجير. وسياسة النظام القاضية بإفراغ الحاضنة الشعبية للمعارضة، لا تحول دون وقوع محاولات للعودة، سيما ممن ليس لديه ملف أمني. لكن النظام يحاول عبر وسائل غير مباشرة، حظر عودة أنسباء المعارضين من خلال طلب حضورهم مع أفراد العائلة، وهو ما حصل مع طبيب أخيراً. حاول العودة الى منزله، لكنه فوجئ بطلبات أمنية غير واقعية مثل جلب أقارب معارضين للتحقيق، ما دفعه للمغادرة مجدداً. والغرامات المالية الخيالية سلاح في تهجير المعارضين. خال أحد الناشطين السابقين في حمص، حاول العودة الى منزله قرب الساعة (الساحة التي شهدت تظاهرات كثيفة مطلع الثورة)، لكن طلبت السلطات منه دفع غرامة مليونية مقابل عدادات الكهرباء ومعدات المياه المفقودة من المبنى. عاد أدراجه بعد هذا الشرط التعجيزي. وعامل الزمن أساسي في العودة أو عدمها. مع مضي الزمن، يُصعب على أبناء المنطقة العودة اليها أولاً لأسباب أمنية، لها علاقة بفقدان الثقة، وثانياً لأسباب اجتماعية واقتصادية إذ يُصعب العودة بعد التأقلم في مكان آخر، سيما إن كان في أوروبا أو أميركا الشمالية، وحتى تركيا. والرهان على الوقت لإخلاء هذه المناطق، استراتيجية ناجحة في التطهير العرقي، وقد أثبتت فاعليتها في حروب أخرى، مثل البوسنة والهرسك في تسعينات القرن الماضي، إذ تأقلم نازحون في بلدان ونواح أخرى، وبات من الصعب عليهم، أمنياً واقتصادياً، العودة الى مناطقهم حيث تتسم العلاقات الاجتماعية والمالية بحساسيات اثنية ودينية. وتحتاج هذه الاستراتيجية أيضاً الى وجود مناطق تُسيطر عليها المعارضة، وتنفع ملجأ للسكان النازحين في الشمال السوري (ادلب وريفها، وأيضاً المناطق الشرقية). كما قد تنسحب على مشاريع اعادة الاعمار التي ستكون متناسقة مع عملية اعادة التموضع الديموغرافي، وستتركز على التطوير والتحسين بما يضمن خروج الفقراء، ودخول الأيسر حالاً اليها، وهم غالباً مؤيدون أو مهادنون للنظام. قد تتحول المناطق المدمرة في ضواحي دمشق وحمص وحلب الى مراكز صناعية أو تجارية أو مشاريع سكنية فخمة لن يقدر السكان الأصليون على تسديد أثمانها. المعضلة الأساس، يقول رجل أعمال حلبي، اقتصادية، إذ أن غالبية المُبعدين عن حلب من عمالها الفقراء. من سيعمل في هذه المصانع والمراكز التجارية؟ وقبل ذلك، من سيبنيها؟
المصدر: المدن
مهند الحاج علي يكتب: ماذا بعد حلب الشرقية؟ على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –