‘الأسد شخصيًّا: واثق وغير نادم ويتوقع أن يبقى في السلطة’

8 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016

11 minutes

أحمد عيشة

الرئيس السوري بشار الأسد خلال مقابلة مع صحيفة روسية الشهر الماضي، في صورة من وكالة الأنباء الرسمية، سانا

دمشق، سورية -كانت البنادق صامتة على قمة جبل قاسيون والأضواء تتلألأ على سفوحه حول دمشق، حينما رحب الرئيس السوري بشار الأسد بمجموعةٍ من الزوار الغربيين في قصره المبني على الطراز الفرنسي والعثماني ليلة الجمعة، مقدمًا نفسه كرجلٍ يمسك بحزمٍ في السيطرة على البلاد.

كان يشع ثقةً ومودة، بينما يشير إلى مجموعة من الصحفيين البريطانيين والأميركيين والمحللين السياسيين إلى غرفة الجلوس المغلفة بألواح خشبية أنيقة، حيث ادّعى أن النسيج الاجتماعي لسورية كان مطرزا معًا “أفضل بكثير قبل” أن تبدأ حربٌ أهلية فوضوية قبل أكثر من خمس سنوات. كان كما لو أنه لم يطرد نصف المواطنين من منازلهم، ولم يقتل ما يقرب من نصف مليون في القتال الدامي الذي رفض تحمل أي مسؤوليةٍ شخصية عنه، بل ألقى باللوم بدلًا من ذلك على الولايات المتحدة وعلى المتشددين الإسلاميين.

“أنا مجرد عنوان -الرئيس السيئ، الشاب السيّئ الذي يقتل الشباب الطيبين،” قال الأسد. “أنت تعرف هذه الرواية، السبب الحقيقي هو إسقاط الحكومة، هذه الحكومة لا تتناسب مع معايير الولايات المتحدة.”

كان لقاءً سرياليًا بالنسبة إليّ بعد سنوات من الكتابة عن حربٍ مدمرة ومستعصية، حولت كثيرًا من مراكز المدن الكبرى في سورية الى ركامٍ، ووصلت إلى حد ارتكاب جرائم حربٍ. بينما مئات الآلاف من السوريين محاصرون وجياع، هنا السيد الأسد آمنٌ في قصره لأنه استعان بمصادر خارجية في الحرب من قوات روسية وإيرانية وحزب الله التي تضخم نفوذها لدرجة أنها تقلق بعضًا من أنصاره.

كانت مهمته أن يقنع الغرب أن حكوماتهم قد ارتكبت خطأ في دعم معارضيه، وأنه كان يشعر بالأمان في منصبه بوصفه حارسًا للسيادة السورية.

متفلسفًا، تحدث عن حق كل سوري في أن يكون “مواطنًا كاملًا، بكل ما لهذه الكلمة من معنى،” وشبَّه النصوص المتعصبة في الدين إلى نظام تشغيل الحاسوب الذي يحتاج إلى تحديث، ووعد بأن عهدًا جديدًا من الانفتاح والحوار يجري في سورية، وقال إنه كان يفكر في المستقبل بشأن كيفية تحديث عقلية السوريين بعد حرب يعتقد جازمًا أن قواته ستنتصر فيها.

استبعد الأسد التغييرات السياسية حتى وقتها وأعلن أنه يعتزم البقاء رئيسًا على الأقل حتى تنتهي فترة ولايته الثالثة، بمدتها؛ سبع سنين، أي حتى العام 2021.

حتى لو حاول الأسد وحاشيته هذا الخط الجديد من الانفتاح بشأن الوضع في سورية، لكانوا تشددوا في موقفهم ضد التسوية مع المعارضين المحليين أو الدوليين. ادَّعوا أن الولايات المتحدة كانت تساند بفعالية الدولة الإسلامية وغيرها من المسلحين المتطرفين، وقدموا مزاعم بارتكاب جرائم حرب ضد مسؤولين سوريين لدوافع سياسية وتلفيقية، أو لكليهما.

على الرغم من أن “آلاف السوريين قتلوا على يد الإرهابيين،” أكّد الأسد، “لا أحد يتحدث عن جرائم حربٍ” ارتكبها معارضوه.

في الواقع، وفي اليوم السابق، دان كلٌّ من مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، ومنظمة العفو الدولية وغيرها من جماعات حقوق الإنسان الدولية، قصف جماعات المتمردين العشوائي للأقسام التي تسيطر عليها الحكومة في حلب، والهجمات التي أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين في الأيام الأخيرة.

ولكنها طائرات الحكومة السورية الحربية التي تقصف بشكل عشوائي يوميًا ولسنوات المناطق السكنية التي يسيطر عليها المتمردون، والقوات الحكومية التي فرضت حصار التجويع، ومراكز الاعتقال الحكومية التي تحتجز آلاف الأشخاص -بما في ذلك المتظاهرين السلميين، والمدونين والمدنيين الآخرين الذين اعتقلوا على ما يبدو عشوائيا- يقبعون من دون محاكمةٍ، وغالبًا تحت وطأة التعذيب.

سألنا الأسد حول تلك الأمور، بطبيعة الحال.

“دعنا نفترض أن تلك الادعاءات صحيحة، وأن هذا الرئيس يقوم بقتل شعبه، والعالم الحر والغرب يساعدان الشعب السوري،” تابع الأسد  بالإنكليزية. “بعد خمس سنوات ونصف السنة، من ساندني؟ كيف يمكنني أن أكون رئيسًا وشعبي لا يساندني؟”

أطلق قهقهةً صغيرةً وأضاف، “هذه ليست قصة واقعية”.

في الواقع، تمكن الأسد من الصمود، ليس فقط بسبب التدخل الحاسم من المقاتلين الأجانب، ولكن أيضا بسبب الدعم العميق في بعض الأوساط أكثر مما ظنَّ كثيرون.

وقال الأسد يوم الإثنين في حين أنَّ كثيرًا من الدعم جاء من الناس الذين قد لا تروق لهم سياساته، أو حزب البعث الذي يرأسه، لكنهم يخشون أن البديل سيكون حكمًا متطرفًا أو انهيار الدولة.

وأضاف “إنهم عرفوا قيمة الدولة”، معترفًا بأن هذا الدعم يمكن أن يتناقص إذا انتهت الحرب. و”هذا ما جلبهم تجاهنا، وليس لأنهم غيروا رأيهم سياسيًا.”

جاءت تصريحات الأسد بعد المؤتمر الذي استمر يومين ونظمته الجمعية السورية البريطانية، برئاسة صهره، فواز الأخرس، التي كانت توصف بأنها جزءٌ من انفتاحٍ جديدٍ ومحاولة للتنافس في ما اُصطلح على تسميته: حربًا إعلامية جديدة.

كنتُ من بين عدة عشرات من الصحفيين والمحللين الدوليين الذين حضروا المؤتمر كوسيلة للدخول الى البلاد بعد أكثر من عامين من عدم تمكننا من الحصول على تأشيرة. لم يكن هناك ما يشير إلى أن السياسة -التي تطلب من الصحفيين أن يتنقلوا مع مرافقين ضمن الأطواق متقنة لزيارة أماكن محددة- قد تغيرت.

ولكن دمشق، العاصمة، بدت أقل توترًا مما كانت عليه في أثناء زيارتي الأخيرة، في عام 2014. حانات جديدة تغصّ بها المدينة القديمة التاريخية. بعد التقدم بوساطة القوات الموالية للحكومة، وما تسميه الحكومة صفقات المصالحة مع الضواحي المحاصرة التي يسيطر عليها المتمردون، لم يعد القصف المدفعي يضرب بقوة تلك المناطق يوميًا، وقذائف الهاون من جانب المتمردين التي تضرب المدينة تناقصت كثيرًا.

ردد الرئيس رسالة من المسؤولين الحكوميين ومن أنصاره: يعتقدون أنهم منتصرون وأنهم على استعداد للتعامل مع الغرب، ولكن وفقًا لشروطهم.

“الأمر يرجع الى الغرب لإعادة النظر في سياساته” كما أخبر وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، مجموعةً منا يوم الإثنين، مضيفًا أنَّ الحكومة سترحب، على الرغم من أنها لا تتوقع، بالتعاون من جانب الولايات المتحدة.

وقال المعلم إنَّ الحكومة ستحارب حتى تهزم كل المتشددين الذين رفضوا العودة إلى سيطرة الحكومة، سواء كانوا جماعاتٍ كردية في شمال شرق البلاد، أم جماعاتٍ مرتبطة بالقاعدة والمتمردين الذين تدعمهم الولايات المتحدة ويقاتلون في حلب، واستبعد إمكانية أي اتفاقٍ من شأنه أن يُمّكِن المعارضة المحلية من الاحتفاظ بالسيطرة على شرقي حلب، قائلًا إن ذلك سيكون “مكافأةً لأولئك القتلة”.

وقال الأسد خلال لقائنا إنه “حتى هذه اللحظة، ما زلنا نتحاور من خلال قنوات مختلفة” حتى مع الولايات المتحدة، وأضاف “لكن هذا لا يعني التخلي عن سيادتنا وأن نحّول سورية إلى دولةٍ دمية”.

تأتي هذه التصريحات الواثقة وسط تعقيد زائد للمشهد.

وعلى الرغم من الدعم الجوي الروسي مع آلافٍ من مقاتلي الميليشيات العراقية وحزب الله، فإن هجوم الحكومة لاستعادة نصف مدينة حلب الذي يسيطر عليه المتمردون يواجه مقاومةً شرسة وهجماتٍ مضادة.

انخفضت الليرة السورية إلى عُشر قيمتها قبل الحرب مقابل الدولار، والملايين من الأطفال السوريين غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة، والدولة الإسلامية ما زالت تسيطر على مساحاتٍ شاسعة من سورية.

الأسد، في بزّته الداكنة وربطة عنقه ماركة وندسور، قابلنا في أعلى درج القصر الواسع، وقال إنه وجدها “مريحةً أكثر” من البزّة الرسمية. لم تكن هناك عمليات تفتيش أمنية.

في المدخل الكبير كانت هناك لوحة معلقة لشخصيةٍ عابسة مشوهة، عملٌ بتوقيع الفنان السوري سبهان آدم، الذي يستمد الإلهام لـ “وحوشه البشرية”، كما يقول موقعه على الإنترنت، من “الألم والخوف والرهاب الذين يعاني منهم المجتمع دائمًا.”

مازحًا الأسد، يحكي عن حبه للتكنولوجيا -“أتابع الأجهزة بشكلٍ يومي” – وأشار بفخر إلى أنَّ تقنية الهاتف المحمول من الجيل الرابع G4 دخلت إلى سورية خلال الحرب، لكنه قلّل من التقارير بأنه يحب ألعاب الفيديو، قائلًا: “لعبة فيديو الماضية التي لعبتها كانت الأتاري”، “غزاة الفضاء”

مجيبًا عن سؤالٍ حول الكيفية التي يمكن بها إعادة بناء سورية أو إصلاحها، قال بأن التغيير الأول الذي نحتاجه هو في “نظام تشغيل” ذهنها القائم على أساس الدين.

وقال إن الأيديولوجيات القائمة على “سوء فهم” الإسلام هي من غذت الحرب، رافضًا ادعاءات المحللين أنَّ الحكومة قد سرعت العملية من خلال بناء المساجد وتهريب المقاتلين الجهاديين إلى العراق خلال فترة الاحتلال الأميركي.

“الأسلمة تعني أني لا أثق بأي شخص لا يبدو مثلي، ويتصرف مثلي، ويفكر مثلي،” وقال، “العلمانية تعني حرية الدين.”

ونفى وجود سجناء سياسيين وتشنج عندما سُئل عن الأشخاص المحتجزين بسبب التظاهر، أو الكتابة ضد الحكومة.

وأضاف “أن تدعم الإرهابيين، فإنك لست سجينًا سياسيًا” وأضاف. “أنتَ تدعمُ القتلة”.

وقال إنه قد أطلق سراح عشرات الآلاف من السجناء من خلال عفوٍ لتمهيد الطريق لـ “أي حلّ في مجتمعنا” لكنه يملك السلطة للإفراج فقط عن أولئك الذين حوكموا، وصدرت في حقهم أحكام.

وردًا على سؤالٍ حول معتقلين محددين لم يسمع أهلهم عنهم أي شيء منذ سنوات، طالب بالبرهان، قائلًا للأهالي: “هل لديهم وثائق؟ هل شاهدوهم في السجن؟ ”

وقال الأسد إنه كان يقاتل للمحافظة على مؤسسات الدولة، وانتقد التدخل الغربي. وقال “سواء كانت الحكومة جيدةً أم سيئة، فإنها ليست مهمتكم” لتغييرها.

اسم المقالة الأصلي Assad in Person: Confident, No Regrets and Expecting to Stay in Power الكاتب ANNE BARNARD، أني برنارد مكان النشر وتاريخه نيويورك تايمز، The New York Times، 1/11 رابط المقالة http://www.nytimes.com/2016/11/02/world/middleeast/bashar-assad-syria-civil-war.html?action=click&contentCollection=Opinion&module=Trending&version=Full&region=Marginalia&pgtype=article المترجم أحمد عيشة

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]