برعاية القيادة الفلسطينية اغتيال المخيم الأقرب إلى فلسطين


مهند شحادة

تتواصل المفاوضات بين المعارضة المسلحة، من جهة، ووفد النظام السوري، من جهةٍ ثانية، في منطقة خان الشيح من ريف دمشق الغربي، دون التوصل إلى اتفاقٍ حتى اللحظة، وأكد ناشطون من المنطقة أن المفاوضات تستمر في ظل اشتباكات، وصفوها بالأعنف، على المحاور -كافة- بين الجانبين، أول أمس(الإثنين)، رافقها أشرس جولات القصف بأنواع شتى من الأسلحة؛ ما دفع الهيئات المدنية داخل مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين إلى إصدار تعميمٍ طالبت فيه الأهالي التزام الطوابق السفلية في المنازل، وعدم التجوال؛ اتقاءً لشراسة القصف الذي شاركت فيه المقاتلات الروسية.
من جهته، قال الناشط الإعلامي أبو ريان لـ (جيرون): “تستمر المفاوضات تزامنًا مع تصعيد عسكري غير مسبوق على المنطقة، لزيادة الضغط على مقاتلي المعارضة ودفعهم للقبول بشروط النظام، على الرغم من أن ملامح الاتفاق المُزمع ماتزال غير واضحة حتى اللحظة، ومازال المدافعون صامدين إلى الآن على محاور التماس، ولم يصدر عنهم أي بيان يشير إلى عقد اتفاق مع النظام، بل إن بعض المعلومات تفيد بأنه من الممكن أن يُعلن -قريبًا- فشلها كاملة”.
يبقى مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين الحلقة الأضعف ضمن الأحداث الجارية في محيط المخيم، حيث أكد أبو ريان أن مصير المخيم غير واضح، خاصةً أنه مجرد من أي طرف سياسي يمثله أو يدافع عنه، أو -على الأقل- يدخل في مفاوضات مع النظام بشأن الحصول على ضمانات من الأخير لعدم التعرض للمدنيين في حال خروج “الثوار” من المنطقة، مشيرًا إلى أن هناك حالة من الخوف الشديد لدى من تبقى من الأهالي داخل المخيم من مجازر قد تُرتكب بحقهم في حال سيطر النظام على المخيم.
بدوره، قال الناشط أبو مسلم الديراني لـ (جيرون): “حتى اللحظة لا يوجد أي شيء واضح أو مؤكد بشأن المفاوضات المستمرة بين الثوار والنظام، وبالتالي؛ من الصعب تحديد مصير المخيم، ولكن الثوار يسعون للحصول على ضمانات بخصوص سلامة المدنيين، وعدم ارتكاب النظام أي انتهاكات بحقهم، الجميع يعلم أنه يوجد داخل المخيم عديد من المطلوبين للخدمة الإلزامية وآخرون محسوبون على المعارضة، وعلى الأرجح هؤلاء سيخرجون مع الثوار في حال إتمام اتفاق بهذا الشأن، وربما تبلغ نسبة الذين من الممكن أن يتركوا المخيم نحو 50 بالمئة؛ خوفًا من انتقام الميليشيات المتحالفة مع النظام”.
وأوضح الديراني أن وجود بعض المطلوبين أو المؤيدين للثوار داخل المخيم لا يعني -في أي حالٍ من الأحوال- أن المخيم هو قاعدة أو نقطة ارتكاز للثوار، بل إن أبناء المخيم المنخرطين في العمل العسكري لا يدخلونه مُطلقًا، مشيرًا إلى أن مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين منطقة مجردة من السلاح، ولا يوجد فيها سوى المدنيين.
ما يمر به المخيم من قصف وحصار لا يختلف عما مرت به بقية المخيمات الفلسطينية في سورية؛ ولا سيما (اليرموك، درعا، الرمل)، وهو يؤشر بوضوح (وفق ناشطين فلسطينيين) إلى أن نظام الأسد الابن ماضٍ في استكمال مشروع الأب، الهادف إلى تصفية الوجود الفلسطيني (سياسيًا على الأقل) في سورية ولبنان، والذي بدأ في مخيم تل الزعتر بلبنان 1976، مرورًا بحرب المخيمات التي هندسها حافظ الأسد، وأشرفت على تنفيذها ميليشيات حركة أمل في ثمانينيات القرن الماضي.
اللافت أن الخطر الوجودي الذي يتهدد فلسطينيي سورية لم يستفز -حتى اللحظة- القيادة الفلسطينية، أو أيًا من فصائلها؛ لاتخاذ أي خطوةٍ للضغط باتجاه وقف المجازر بحق أبناء المخيمات، أو على الأقل تسجيل موقف للتاريخ ينسجم مع أدبيات الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة الراسخة في ذاكرة اللاجئين الفلسطينيين حتى وقتنا الراهن.
ربما من أبرز الدلائل على مدى هزال الموقف الفلسطيني، مُمثلًا بمنظمة التحرير، تصريحات أحمد مجدلاني، عضو تنفيذية الأخيرة ومندوبها إلى سورية، التي أعطت النظام ما يكفي من ذرائع؛ لمسح مخيم خان الشيح عن الخارطة، عندما قال الشهر الفائت، ردًا على أسئلة صحافية: “إن الكلام عن خلو المخيم من المسلحين غير دقيق، وهناك معلومات تؤكد وجود مقاتلين لحركة أحرار الشام الإسلامية في المخيم”، وهو ما أثار موجة غضبٍ عارمة لدى الأهالي والفعاليات المدنية الإعلامية للمخيم، حيث طالبوه بالاعتذار، الأمر الذي لم يحصل.
ذهب بعضهم إلى أن موقف القيادة الفلسطينية يعبر عن جوهرها كأداةٍ لتنفيذ بعض المشروعات السياسية ضمن الدور الممنوح لها، كسبيلٍ وحيد للمحافظة على بقائها والامتيازات الشخصية لأزلامها، وبهذا المعنى (وفق رأيهم) تبدو الأخيرة اليوم أكبر المستفيدين من مشروع سياسي، ينتج عنه الخلاص من مخيمات سورية، لأنه يزيح عنها ثقل ملف اللاجئين، العقدة الأكبر أمام أوهامها بتسوية مزعومة، على الرغم من أن ثمن تلك الأوهام جماجم أبناء الخيام.
جدير بالذكر أن عدد سكان مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين، بلغ في العام 2011 نحو 25 ألفًا، في حين لم يتبق منهم الآن أكثر من 13 ألفًا، بينهم ثلاثة آلاف طفل يعانون حصارًا جزئيًا منذ ثلاث سنوات تقريبًا، وتحول إلى حصار مطبق قبل أكثر من شهر؛ ما ينذر بكارثة إنسانية تتهدد من بقي في داخله، ولا سيما مع ندرة المواد الغذائية وحليب الأطفال وانعدام أي إمكانيات للرعاية الطبية في ظل قصف جوي ومدفعي متواصل على أحياء المخيم.




المصدر