on
فوز ترامب بوصفه امتداداً لـ”بريكسيت”: أوروبا تدقّ ناقوس الخطر
“لم تكن مجرد حملة، بل كانت حركة”، هكذا وصف الرئيس الأميركي المُنتخب، دونالد ترامب، في خطاب النصر، حملته الانتخابية. ولعله بهذه الكلمات الموجزة يُعبّر عن البعد السياسي والاجتماعي، وحتى الجغرافي، لانتخابه على رأس أكبر دول العالم، ببرنامج انتخابي شعبوي، قائم على شعارات “صوت الشعب” من أجل التغيير، و”مناهضة المؤسسة”، ورفض العولمة، والدعوة إلى الانعزالية بالجدران والخطاب العنصري ضد المهاجرين. ترامب اعتبر كذلك “حركته” امتداداً طبيعياً لانتفاضة “بريكسيت” البريطانية. وبالتالي لما لا تكون خطوة ثانية على طريق ثورات اجتماعية مماثلة تجتاح الليبراليات الغربية؟ هذا هو التساؤل الذي يثير مخاوف القادة والسياسيين التقليديين على الضفة الأوروبية من الأطلسي.
ويقول المراقبون، بعد صدمة “بريكسيت” بريطانيا في الاستفتاء الذي انتصر فيه خيار “الخروج” من الاتحاد الأوروبي، في يونيو/حزيران الماضي، وفوز ترامب المذهل على منافسته الديمقراطية، هيلاري كلينتون، إن اجتياح الشعبويين تحول إلى واقع، بعدما كان أمراً غريباً قبل بضعة أشهر.
ومن المحتمل أن تكون العواقب على المشهد السياسي في أوروبا وخيمة، لا سيما أن الواقع المتمثل اليوم بانتصار “بريكسيت” وفوز ترامب “يرقى إلى أن يكون نموذجاً للأحزاب الشعبوية الأوروبية في الحملات الانتخابية المقبلة”، كما تقول مديرة قسم الأبحاث في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، دانييلا شوارزر. ويبدو أن زعماء الحركات القومية، والأحزاب اليمينية، باتوا يشعرون أن النصر قاب قوسين أو أدنى. هذا ما عبر عنه مؤسس حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، جان ماري لوبان، والد زعيمة الحزب مارين لوبان، في تغريدة على “تويتر”، كتب فيها تعقيباً على فوز ترامب: “اليوم الولايات المتحدة وغداً فرنسا”.
لا شك أن نموذجي “بريكسيت” وترامب، اللذين وجدا ترحيباً في أوساط اليمين الأوروبي، وأحييا آمال اليمين المتطرف في أوروبا باجتياح القارة، سيشكلان مرجعية تحفز أفكار الأحزاب الشعبوية، التي تتشارك معهما في خطاب “التغيير”، و”رفض المؤسسة”، ومناهضة العولمة، ورفض الأسواق المفتوحة والتجارة الحرة، ورفض الحدود المفتوحة، وتتبنى مواقف انعزالية عنصرية متشددة تجاه المهاجرين والأجانب. وهو ما انعكس سريعاً في تصريحات زعماء الأحزاب والحركات الشعبوية الأوروبية، فور الإعلان عن فوز ترامب في الانتخابات الأميركية. ووصفت زعيمة بارزة في حزب “البديل من أجل ألمانيا”، فوز ترامب بأنه “انتصار تاريخي”. وكتبت على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أن “فوز دونالد ترامب يعد إشارة إلى أن المواطنين في العالم الغربي يريدون تغييراً سياسياً واضحاً”.
من جانبه، وصف السياسي الألماني ماركوس برتسل، المنتمي أيضاً لحزب “البديل”، فوز ترامب في الانتخابات بأنه “حقبة جديدة في تاريخ العالم”. وفي فرنسا، هنّأت لوبان الرئيس المنتخب، ترامب. وكتبت في تغريدة على “تويتر”: “أطيب التهاني للرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب وللشعب الأميركي الحر”. وفي بلجيكا، هنأ حزب المصلحة “الفلمنكي” اليميني، الرئيس الأميركي المُنتخب، مُعتبراً أنه يمكن تكرار فوزه في أوروبا. وقال رئيس الحزب، توم فان، في تغريدة على “تويتر”: “تظهر الانتخابات الأميركية مجدداً كيف أن الساسة أصحاب المواقف البعيدة عن التيار السائد هم جزء من الشعب”، في إشارة إلى فوز ترامب وتصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. وأضاف: “مسيرة ترامب ليست ظاهرة فريدة. ففي أوروبا أيضاً يوجد كثير من الناخبين الراغبين في التغيير”. ومن جانبه، قال زعيم “حزب الحرية” اليميني المتطرف الهولندي، خيرت فيلدرز: “لقد استعاد الأميركيون أرضهم”. وأضاف أن أوروبا تشهد “ربيعاً قومياً”.
وقبل ذلك، دفعت نتائج “بريكسيت” بريطانيا، قادة الأحزاب اليمينية في أوروبا إلى المطالبة بإجراء عمليات استفتاء مماثلة في بلدانهم. وهو ما يعكس رغبتهم بأن تحذو بلادهم حذو بريطانيا، في الخروج من الاتحاد الأوروبي. وفي فرنسا دعت زعيمة حزب “الجبهة الوطنية”، عقب إعلان نتائج “بريكسيت” في يونيو/حزيران الماضي، إلى إجراء استفتاء مماثل في فرنسا. ووصفت لوبان في تعليق على “تويتر”، تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد بـ”انتصار الحرية”. وفي هولندا، قال فيلدرز في أول تعليق له على نتائج استفتاء خروج بريطانيا: “الآن وصل الدور إلينا”. وذكر أن ملف الاستفتاء سيكون سائداً، في الانتخابات العامة التي ستشهدها هولندا العام المقبل. وأشاد زعيم حزب “رابطة الشمال” الإيطالي، ماتيو سالفيني، بما أسماه “جسارة المواطنين البريطانيين وتوقهم للحرية”، شاكراً المملكة المتحدة، وقائلاً: “الآن الدور لنا”.
وإن كان البعض يشك في قدرة الأحزاب القومية الأوروبية “الهامشية” على إحداث التغيير، إلا أن الدرس المستفاد من “بريكسيت” بريطانيا وفوز ترامب، يشير إلى قدرة التيارات القومية على إحداث التغيير، أو على الأقل، إثارة الجدل السياسي، حتى ولو لم تكن ذات ثقل في الحكومات أو المجالس التشريعية. ومثال ذلك حزب “الاستقلال” البريطاني المناهض للاتحاد الأوروبي الذي لديه مقعد واحد في البرلمان. والمثال الآخر هو دونالد ترامب نفسه الذي لم يشغل أي منصب سياسي أو حزبي في السابق، كما تقول كبيرة محللي السياسة العالمية في مجموعة “سيتي” المصرفية، تينا فوردهام. وترى أن “تركيبة حملتي بريكسيت وترامب غيّرتا الطريقة التي تُدار بها الحملات بكل تأكيد”. إذ باتت الحملات الانتخابية تستهدف السكان البيض الذين تجاوزوا سن الـ45 عاماً، متوسطي التحصيل العلمي والدخل المالي، الذين استحوذ عليهم شعور بالخيبة من تداعيات العولمة، والخوف من زيادة تدفقات الهجرة إلى البلاد. أما الخطاب فصار أكثر ميلاً للشعبوية المحملة بالمشاعر القومية من قبيل “استعادة البلاد” و”الاستقلال”، والتركيز على رفع مستوى معيشة المواطنين من الطبقة الوسطى، من خلال التخفيض الحاد للضرائب وخلق فرص عمل جديدة من أجلهم، وذلك من خلال إغلاق الحدود والحد من الهجرة، وحماية المنتجات الوطنية برفض الأسواق المفتوحة، ورفض التجارة الحرة والعولمة.
وفي مقابل تفاؤل الحركات الشعبوية الأوروبية بعد “بريكسيت” بريطانيا، وفوز ترامب، يدق زعماء أوروبا ناقوس الخطر. ويجري كل ذلك في وقت تتهيأ فيه كل من فرنسا وألمانيا، ثم هولندا، وربما إيطاليا وبريطانيا، لاستحقاقات انتخابية، وعلى بعد أيام من توجّه النمساويين، في الرابع من ديسمبر/كانون أول المقبل، لانتخابات رئاسية، من غير المُستبعد أن يفوز بها زعيم حزب الحرية، نوربرت هوفر، ليصبح أول رئيس يميني متطرف في غرب أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. ويجري في اليوم نفسه استفتاء على إصلاحات دستورية في إيطاليا قد تغير النظام السياسي هناك، وتُقرب حركة “خمسة نجوم” اليسارية وزعيمها، بيبي جريلو، من مقاليد السلطة. وفي هولندا، تظهر استطلاعات الرأي تساوي نسبة التأييد بين حزب الحرية اليميني المتطرف والليبراليين بقيادة رئيس الوزراء مارك روته. وقد اضطر الأخير إلى تشكيل تحالف غير مألوف مع أحزاب صغرى، مثل حزب الخضر. أما في ألمانيا، سيدلي الناخبون بأصواتهم الخريف المقبل. ومع أن أحزاب اليمين المتطرف لم تحظ بالشعبية منذ الحرب العالمية الثانية بسبب تاريخ النازيين، لكن حزب “البديل من أجل ألمانيا” يحقق صعوداً سريعاً.
ويخشى قادة أوروبا أن يصل طوفان “بريكسيت” وترامب، أو ما يسميه البعض “الربيع الأوروبي”، إلى هذه الدول حيث تنتعش الحركات اليمينية. وهذا ما عبر عنه في لحظة تخيل مرعبة الدبلوماسي الأوروبي، مارتن سلماير، وهو رئيس فريق المساعدين لرئيس المفوضية الأوروبية، مارتن جان كلود يونكر، عندما تساءل: “كيف سيكون الحال لو حل دونالد ترامب، ومارين لوبان، وبوريس جونسون، وبيبي جريلو، محل باراك أوباما، وفرانسوا هولاند، وتيريزا ماي، وماتيو رينتسي، في اجتماع العام المقبل لنادي الدول الغنية؟”.
ربما هي المخاوف ذاتها التي دفعت الكاتب في صحيفة “ذا غارديان”، تيموثي آش، إلى توجيه نداء للعالم الحر من أجل وقف الزحف الشعبوي. وهي ذات المخاوف التي دفعت رئيس الكتلة الاشتراكية والديمقراطية في البرلمان الأوروبي، جياني بيتيلا، للتحذير من “النصر المخيف الذي حققه ترامب، وعدم الاستهانة بالمؤمنين بترامب ولوبان و(نايجل) فاراج (في إشارة إلى زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة المعادي للاتحاد الأوروبي) وغيرهم، لأنهم ليسوا جهلة أو برابرة، وعلينا أن نستمع لهم”.
صدى الشام