الأيديولوجيا


صبحي فرنجية

صُـكَّ هذا المصطلح -لأول مرة- في عصر التنوير الفرنسي على يد الفيلسوف الفرنسي، ديستو دو تراسي، في كتابه “خصائص الأيديولوجيا”. وتعني كلمة أيديولوجي في أصلها الفرنسي “علم الأفكار”.

يُعرّفها جوليان جيري بصورة أكثر تحديدًا، بأنها أي نسق من الأفكار يبرر خضوع جماعة أو طبقة ما، لجماعة أو طبقة أخرى، مع إضفاء نوع من الشرعية على هذا الخضوع.

وفرق كارل مانهايم، في كتابة “الأيديولوجيا واليوتيوبيا”، بين نوعين من الأيديولوجيا: فالأول جزئيٌّ، يخصُّ الأفراد وأفكارهم تجاه المواقف التي تهدد مصالحهم، والثاني كليٌّ، وهو ما يخصُّ التفكير السائد في حقبة تاريخية ما أو جماعة إنسانية ما.

لكن كلمة “أيديولوجيا” لم تحتفظ بمعناها اللغوي، إذ ثمة من عرفها على أنها نسق من المعتقدات والمفاهيم، والأفكار الواقعية والمعيارية معًا. بكلمات أخرى، الأيديولوجيا: مجموعة الآراء والأفكار والعقائد والفلسفات التي يؤمن بها شعب أو أمّة أو حزب أو جماعة.

تستخدم الأيديولوجيا في مجال السياسة، بوصفها أفكارًا تعبِّر عن الوفاء والتضحية، في حين تكون في الخصوم أقنعةً يتستر وراءها الخصم، ويخفي بها نيات سيئة، على سبيل المثال ما كان عليه المجتمع السوري قبل الثورة السورية؛ إذ كانت معظم الأفكار التي أُدْلِجَ بها هذا المجتمع تكرِّس الولاء والتضحية للقيادة، أو للنظام بلفظ آخر، في حين يرى هذا المجتمع كلُّ انتقاد يوجه لسياسة هذه القيادة وتصرفاتها على أنها ألاعيب وأقنعة للخداع، ومن شأنها أن تضيع الوطن، وتذهب به في الويلات؛ ولكي يترسخ هذا المفهوم جيدًا خلقوا وهمَ المقاومة للعدو الصهيوني، والحذرَ الدائم من أفعاله التي يُعتقد أنها موجَّهة لاستهداف هذه المقاومة المختلقة. ببساطة، كانت هذه إيديولوجيا “السواد الأعظم” من السوريين، على اختلاف طبقاتهم الثقافية، ابتداءً من غير المتعلمين، وانتهاء برؤوس ثقافيَّة كبيرة.

أما في المجال المجتمعي، فتلعب الأيديولوجيا دور تحديد أفكار الأفراد وأعمالهم، بكيفية خفية غير واعية، بإمكان المثال السابق أن يكون جزءًا من الدلالة، إذا ما أسقطناه على هذا الإطار، إضافة إلى كم كبير من التقاليد والعادات التي تميز المجتمع السوري عن سواه.

حدد عبد لله العروي الأيديولوجيا في كتابه “مفهوم الأيديولوجيا” على مستويين: وصفي ونقدي، تكون في المستوى الأول كونها حقيقة مطابقة للواقع، فيما تأخذ في المستوى الثاني الطابع المعياري، فتعكس الواقع على وجه الصحيح وتميزه عن غيره.

ويبدو أن مصطلحًا كهذا يحتاج إلى كثير من الإسهاب والتوسع؛ للوقوف على مفهومه على حد الدقة، وإنما ارتأينا -في هذه المادة- الوقوفَ على أصل هذا المصطلح ومفهومه باقتضاب، في محاولة لتعريفه من خلال إسقاطه على حاضرنا.




المصدر