أطفال يبحثون عن جنسيتهم


كثرت الحملات المطالبة بتمكين المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي من منح جنسيتها لأبنائها. مرّت الحملات بكثير من المفترقات، خمدت ثم تأججت. واليوم تعود بقوة لترفع الصوت في وجه مسؤولين لا يعتبرون قضية من هذا النوع من الأولويات، بالرغم من مساسها بواقع ومستقبل الكثير من اللبنانيين… لكنّهم غير لبنانيين في التعريف القانوني، فأمهاتهم لم يتمكنّ بعد من منحهم جنسيتهن.

ليست حملة هذه المرة، لكن محاولة فريدة من نوعها، فهي على لسان أطفال الأمهات اللبنانيات المحرومين من الجنسية. محاولة صاحبتها مناضلة معروفة في كلّ مراحل حياتها، هي الحقوقية والإعلامية هند عطوي.

“ضحكت تيتا (تقال للجدة تحبباً وتقولها الجدة لأحفادها) هند ثم قالت بصوت حنون: يا تيتا. الجنسية ليست ورقة عادية كالتي بين أيديكم وأيديكن. هي عبارة عن كراس تعطيه الدولة وعليه ختم البلد الذي يصدر عنه. منذ سنوات ونحن نطالب بالجنسية لكم ولكن ولكلّ أطفال النساء المتزوجات من غير لبنانيين ولم نصل إلى هدفنا بعد”.

هذا الحديث القصير هو من قصة “جنسيتي بأقلام الصغار” التي أعلن عن صدورها أمس في العاصمة اللبنانية بيروت، في حفل غابت عنه المؤلفة، وإحدى بطلات القصة – الكتيّب هند عطوي.

يتضح من القصة المصورة التي تجري على ألسنة صغار وصغيرات تجمعهم قضية واحدة هي الحرمان من الجنسية اللبنانية لأنّهم من أمهات لبنانيات وآباء أجانب، النفس الحقوقي لدى الكاتبة، ومعها النفس النضالي ضدّ التمييز بكلّ أشكاله من خلال عرض الجنسيات بالتساوي، لا فارق بين عربية وغربية وشرق آسيوية وغيرها. ومن خلال التحدث إلى الإناث والذكور كلّ بضميره اللغوي الذي يعود إلى نوعه الاجتماعي. كذلك، فيها لفتة إلى المساحات العامة في لبنان التي تتناقص شيئاً فشيئاً من خلال أحداث القصة التي تدور في حرج بيروت، وهي الحديقة العامة الأكبر في العاصمة اللبنانية، والتي شهدت الكثير من التحركات من أجل فتحها أمام العموم، حتى تحقق الأمر منذ العام الماضي ولو في يومي الإجازة الأسبوعية حصراً.

القصة الصادرة عن “مجموعة بسمة الدولية للمساعدة الإنسانية”، والتي أعدّت رسومها الفنانة رانيا عواضة، وتولى الإخراج الفني أحمد فتاح، وساهمت في الترجمة زينة ضحوي، تعتبر شكلاً مختلفاً من التعبير الحقوقي في لبنان، يضاف إلى حملات نضالية كثيرة تقودها سيدات لبنانيات للمطالبة بمنح أبنائهن جنسيتهن. والقصة تتوج عدة عقود من النضال لعطوي في هذا المجال وفي غيره.

عطوي تنام اليوم في المستشفى، فقد أصيبت بمرض الضمور العضلي قبل أكثر من عام، وهذا الأسبوع أجريت لها عملية جراحية في البلعوم. هي الآن غير قادرة على المشي أو الكلام. تقول الزميلة هدى زبيب، وهي صديقة عطوي، إنّ وقائع حياة الأخيرة شهدت عملاً نضالياً متواصلاً منذ سبعينيات القرن الماضي. فعطوي (62 عاماً) نشطت في منظمة العمل الشيوعي في الفترة التي كان الجنوب اللبناني فيها محتلاً والعمل المقاوم في أوجه، ومن المعروف أنّ المنظمة من أبرز الحركات التي قاومت الاحتلال الصهيوني. تزوجت مناضلاً زميلاً لها هو علي الخشن. بعدها وضعت ابنتها دانيا، لكن، بعد ستة أشهر من ذلك، اغتال الاحتلال زوجها.

وعلى مدار سنوات طويلة، انقسم عملها النضالي إلى قسمين. الأول خاص بابنتها ومعيشتها وتربيتها وتعليمها حتى تخرّجت من الجامعة في لبنان، ثم نالت الدكتوراه في كندا. والثاني عام في مجال الحقوق باختلاف أشكالها، خصوصاً حقوق المرأة من خلال عدد كبير من النشاطات والحملات والمنظمات الحقوقية. كذلك، تشير زبيب لـ”العربي الجديد” إلى عمل عطوي الإعلامي في الإذاعة اللبنانية من خلال برنامجين تمكنت فيهما من نقل القضايا الحقوقية إلى المستمعين.

أما حكاية “جنسيتي بأقلام الصغار” فبدأت مع دعوة ابنة عطوي، دانيا، أمّها إلى كندا بعد زواجها هناك من مواطن بلجيكي، خصوصاً أنّها كانت تريدها معها في أوقات حملها بالحفيدة ليلى. لكن، مع وصولها إلى كندا شخصت حالتها بنوع نادر من مرض الضمور العضلي. عادت إلى لبنان، لكن من دون أيّ ضمان صحي، فقد غادرت وظيفتها الرسمية قبل سفرها بتعويض بسيط كونها متعاقدة وليست متفرغة.

خلال تلك الفترة من المرض منذ عام ونصف العام تحديداً، بدأت الفكرة تتشكل لديها في كتابة القصة. وهي نوع من التحية والرسالة التي تريد إيصالها إلى حفيدتها ليلى بأنّها استمرت حتى النهاية في النضال من أجل نيلها الجنسية اللبنانية.

هذه الرسالة تظهر بالذات في الحوار الأخير بين ليلى وتيتا هند في القصة، إذ سألت الصغيرة بغضب: “هل هذا يعني أنّنا لن نستطيع أن نفعل شيئاً!؟” تجاه نيل الأطفال الجنسية. هنا تجيبهم تيتا هند: “بلى طبعاً. تمنياتي عندما تكبرون وتكبرن ليس فقط أن تحصلوا وتحصلن على الجنسيات، بل أن تغيروا وتغيرن كلّ ما يفرّق بينكم وبينكن. وربما يوماً ما، تستطيعون وتستطعن أن تزيلوا وتزلن الحدود بين جميع البلدان، وتكون جنسيتنا واحدة، ألا وهي الإنسانية”.



صدى الشام