on
جرائم الحرب وحماية المدنيين
عبد الرحمن مطر
“ثمة كثير يمكن أن يحدث خلال الفترة الممتدة حتى دخول ترامب البيت الأبيض”، هذه العبارة جاءت على لسان أحد مستشاري ترامب، في معرض تعليقه على ما يحدث من تطورات متلاحقة، تتصل بإعداد مشروعات قوانين وأوامر رئاسية، وإجراءات مختلفة، تبدأ منذ اليوم الأول لولاية الرئيس الأمريكي الجديد.
يثير هذا أسئلة مُعقّدة تتصل بالحالة السورية وتداعياتها اليوم، وانعكاس تلك الرؤية على مساراتها، في ظل تصريحين: أولهما لترامب، حول احتمال التعاون مع النظام السوري في محاربة الإرهاب، والثاني هو تصريح رأس النظام السوري، بأنه ينتظر التعاون مع ترامب، إن كان الأخير جادًا في ذلك.
ليس الغموض وحده، ما يُغلّف خُطى وأفكار ومسارات ترامب، لكنها التناقضات أيضًا، تلك التي تتقاطع مع مجريات اليوم، فالحديث عن التعاون مع الأسد، يتعارض في الجوهر، مع قواعد قانونية عديدة، أحدثها قانون محاسبة داعمي النظام السوري، الذي أقره مجلس النواب الأربعاء الماضي بأغلبية ساحقة، ما يعني أن نواب الحزب الجمهوري، كانوا داعمين لإقرار القانون، لكن كيف يمكن تفعيله، في ظل جنوح الإدارة الأميركية المنتظرة، للتعاون مع النظام الذي يرتكب المجازر اليومية بحق المدنيين، أي أولئك الذين صدر القانون أصلًا من أجل حمايتهم.
قد يكون من السابق لأوانه التكهن بمصير القانون، لكن الثابت أيضًا أن الإدارة الجمهورية قد أنشأت علاقات أمنية وطيدة وشيجة، مع النظام السوري في عهد بوش الابن، حملت الأسد على الانصياع لمتطلبات البيت الأبيض، والتي حملها كولن باول وزير الخارجية الأسبق (2013)؛ لتبدأ -بعدئذ- رحلة من العلاقات الأمنية السرّية التي لم تقتصر على تبادل المعلومات بشأن القاعدة وتفرعاتها في المنطقة، بل تجاوزت إلى تعاون أوثق، تمثّل في اختراق التنظيمات المتطرفة، عبر إنشاء خلايا إرهابية جديدة رديفة لها، وإلى تعاون في الاستجواب، وانتزاع المعلومات والاعترافات لصالح وكالة الاستخبارات الأميركية، تولّتها الأجهزة الأمنية السورية، والتي ثبت أنها غير قانونية، ولم تخضع لأي معايير حقوقية أو إنسانية، وهي الفترة التي ارتكبت فيها جرائم السجون السرية عبر العالم. وهذا (الدور/ التعاون) منح المخابرات السورية جرأة أكبر، لارتكاب جرائم بشعة بحق المعتقلين والمواطنين السوريين.
قد يبدو من السذاجة الاعتقاد بأن إدارة ترامب، سوف لن تعيد استثمار هذه الحلقة المهمة، مع النظام السوري، في ظل راهنية القلق الدولي من صعود التنظيمات الإرهابية، (داعش) على وجه التحديد، الذي ما كان له أن يتمدد بهذه الصورة، لو أن إدارة أوباما كانت جادة في منع ذلك، منذ بواكير نشوء ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية.
قانون قيصر الجديد، لا يمكن فهمه على أنه فرض حماية على المدنيين السوريين، هذا ما نتطلع إليه، لوقف المجازر، ولإقرار مبدأ المحاسبة والعدالة. لكن القانون في الواقع لا يتحدث عن ذلك، وإنما عن فرض عقوبات على كل من يُقدّم دعمًا ماديًا أو تكنولوجيًا أو عسكريًا لنظام الأسد. هو -بكل بساطة- قانون أقل بكثير مما يجب فعله لوقف المذبحة المستمرة بحق السوريين منذ خمس سنوات.
هو خطوة في اتجاه صحيح، لكنها خطوة عاجزة، محدودة، إن لم تكن مرتبطة بسلسلة من التطبيقات، أو بالأحرى تفعيل العمل بالتزامات المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة، في ما يتصل بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية المدنيين، وفي وقف المجازر ومنع حدوثها، وفي دعم إجراءات المحاسبة على الجرائم التي يرتكبها مسؤولو النظام السوري وممثلوه، وتسهيل سوْقهم إلى العدالة الدولية، ممثلة بمحكمة الجنايات الدولية، أو بإنشاء محكمة خاصة.
لقد أغرق المسؤولون الأميركيون والأوربيون وسائل الإعلام عبر العالم، بوصف ما يرتكبه النظام السوري، وحليفيه الروسي والإيراني، بأنه جرائم حرب، أو أن ما يحدث يصل إلى حدّ عدّه جرائم حرب، ومع ذلك تمتنع كثير من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، عن اتخاذ قرارات تُصنِّف ما يحدث بأنه جرائم حرب، وإبادة منظمة في سورية. لا نتحدث عن الأمم المتحدة؛ لكونها مؤسسة عاجزة تعكس قراراتها مواقف وإرادات الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.
فداحة ما يُرتكب في سورية، جعلت القيادة الروسية تتحسس مسؤولياتها في ذلك، تداركًا لوقتٍ ما، سيأتي فيه وقت المحاسبة والمساءلة، فبادر بوتين إلى توقيع أمر يقضي بإيقاف مشاركة موسكو في اتفاقية روما الخاصة بتأسيس المحكمة الجنائية الدولية، تزامنًا مع إقرار قانون الحماية المدنية في سورية، لا يبدو هذا التزامن وثيق الصلة بالقانون الأميركي، أو بانتخاب ترامب، لكنه استشعار بخطر داهم، ناجم عن ضخامة الجرائم المرتكبة من القوات الروسية في سورية.
لا تزال الإدارات الأميركية المتعاقبة، تبدو غير معنية -حتى اليوم- بمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب. استطاعت إدارة اوباما منح النظام السوري ما يُشبه الغطاء؛ لمنع اتخاذ إجراءات قانونية تُجرِّم نظام الأسد، وتفتح الباب -بالتالي- أمام المبادرات الدولية الحكومية وغير الحكومية؛ للعمل من أجل محاسبة المجرمين. من أولى تجليات تحرك كهذا إيقاف، أو التقليل -كحدّ أدنى- من السويّات المرتفعة للجرائم، كمًّا ونوعًا. لقد أدى التراخي الأميركي – الدولي، حيال الجرائم المرتكبة، بما فيها الكيماوي، والأسلحة المتطورة المحرّمة دوليًا، إلى استثمار كل الفرص من ثلاثي الإجرام: الأسد – بوتين – خامنئي، طالما أن الإفلات من العقاب ما يزال ممكنًا. ومع إدارة ترامب التي تضخ الضجيج من حولها، كل شئ ممكن الحدوث، أي: رفع المصالح الأميركية فوق أي حسابات حقوقية أو أخلاقية.
لقد علمتنا التجارب، أن قوانين الحظر والعقوبات، لم تنجح في تحقيق أهدافها المباشرة، لكن المعنيين بها استغلوا ذلك في ممارسة مزيد من القمع والاستبداد والفساد، وارتكاب المجازر ضد شعوبهم. لا قيمة لقانون قيصر، إن لم يرتبط بإجراءات فاعلة لحماية المدنيين في سورية، وأن تُنشأ منظومة تعاون دولي خاصة لهذا الغرض، وبغير ذلك سيظل القتلة طلقاء، والمذابح مستمرة.
المصدر