إشكالية العلامة

21 نوفمبر، 2016

سعاد الخطيب

نظرة الغرب إلى سورية في السنوات الأخيرة -بالعموم- هي نظرة استنكار للحرب، لا تخلو من التعاطف مع النظام، الذي يصفه الغرب بـ “العلماني”؛ التعاطف الذي يحمل في طياته إدانة مبطنة للثورة، وتحميلها تبعات الحرب الكارثية.

من الحجج التي يتداولونها في الغرب، أن مؤسسات النظام –في أغلبيتها- مؤسسات مواكبة للتطور في العالم، تعتمد على تكنولوجيا متقدمة، ولديها هياكل تنظيمية وإدارية واقتصادية توحي بالحداثة، وهناك أحزاب علمانية ويسارية تمارس نشاطها في ظل النظام، هناك -أيضًا- مشاركة فاعلة للمرأة في الحياة السياسية، حيث تبوأت المرأة السورية، أعلى المناصب (نائب رئيس الجمهورية) وهذا ما لم يحصل في الدول العربية كلها، إضافة إلى التعايش السلمي بين الطوائف والمذاهب على اختلاف مشاربها.

نعم، كل الحجج السابقة صحيحة -في الظاهر- إذا نظرنا إلى سورية نظرة سائح إلى قطعة موزاييك نفيسة، من خلف زجاج “الفاترين”.

بحسب نظريات التحليل الثقافي المعاصرة، ومنها علم العلامات، أن الثقافة (الثقافة بالمفهوم العام) هي رموز وعلامات لها معان، تتشكل عن طريق الأفعال، والأشياء التي تقوم بينها علاقات متبادلة، تؤدي إلى بناء أنساق العلامات.

تستمد العلامات معناها من السياق العام الذي توجد فيه، فمثلًا اسم مؤسسة الاتصالات في سورية، (وهذا ينطبق على أغلب المؤسسات في سورية)، هي علامة تثير لدى السوري سلسلة من التداعيات التي تبدو -في النهاية- شديدة البعد عن العلامة الأساسية، كما تبدو شديدة البعد عن التمثلات التي أثارتها في الذهنية الغربية. ومن أهم التداعيات لهذه العلامة، اسم المالك، الذي يعد أيقونة، تثير بدورها سلسلة أخرى من التداعيات، أحد هذه التداعيات المرجعية العصبية للإدارة، وهنا المعايير المهنية -في سورية- ليست مهنية في الغرب على الإطلاق. في مؤسسات النظام يتحول المعيار من الكفاءة والإنتاج، إلى الموالاة التي تخضع لسلم التراتبية، وتصل إلى الولاء المطلق.

المرأة -أيضًا- في آلية النظام، هي أيقونة، وكلما كان المنصب أعلى، كلما امتلكت العلامة قوة إيحائية أكبر؛ فعلى سبيل المثال نائبة رئيس الجمهورية، لا علاقة لها بالمرأة، وإن كان الحامل هو المرأة (الجنس/ أنثى)، أما المحمول فهو مجموعة أنساق لعلامات، كل مدلولاتها وتداولاتها، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بصعود هذا النظام، وترسيخ آلياته عبر القمع ومصادرة الحريات.

هذه الأيقونة لم تتزعزع قوتها الإيحائية، بما تمثله من ولاء مطلق للنظام؛ حتى عندما تُغتصب النساء الآن، وتُعذب في السجون حتى الموت. وقبل الحرب، لم يحدث أن تضافر جهد من تسلّمن مناصب رفيعة، في مؤسسات النظام، لمناهضة الاعتداء الذي يقع على النساء.

كل ما لدينا من مؤسسات ترتدي قناع الحداثة، تدار من مرجعيات عصبية متخلفة، تعمل على هدر كرامة وهوية الإنسان، وأحيانًا هدر كيان الإنسان نفسه (التصفية الجسدية)؛ إذا ما تجرأ على رفض هذه المرجعية، والتمرد عليها.

المؤسسات الدينية والحزبية (اليسارية والعلمانية) تنضوي تحت جناحي النظام، كمؤسسات موالية، تُدار بالآلية نفسها، ألم نشهد توريث الحكم للأبناء في الأحزاب اليسارية؟

ما دام النظام السوري، يتعارض تعارضًا كليًا مع الأنظمة الغربية المتحضرة، إذن؛ لماذا يصر الغرب على التعاطف معه ودعمه؟ لماذا تقتصر قراءة العلامة من الغرب، على نسق واحد من المعلومات، وهو النسق الدعائي، كالاسم والوظيفة واللوغو والبورصة…؟ لماذا لا يقرأ الغرب، مجموعة الأنساق الأخرى للعلامة، وهو الضليع بهذا العلم؟ ألا يذكرنا هذا الموقف بمواقف المستشرقين الأوائل، الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء معرفة الآخر؛ لأنهم -ببساطة- لا يحتاجون هذه المعرفة. كأن الديمقراطية والحريات، وحقوق الإنسان، هي منتوجات حصرية للمجتمع الغربي! ألم يكن قهر الإنسان العربي جزء من استراتيجية الغرب التي يجب ألا تتزعزع؛ حتى لو كان الثمن هو ما يدفعه الشعب السوري اليوم.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]