هل يمتلك ترامب سياسة محدَّدة تجاه إيران؟
21 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
هناك الكثير من التكهنات التي تتعاطى مع جوانب جزئية من تصريحات الرئيس المنتخب دونالد ترامب، كأنها سياسات قطعية، على الرغم من أن الرجل لم ينته من اختيار فريقه بعد، ولم يعلن بشكل واضح عن رؤيته السياسية في كل الملفات، في الوقت الذي يعتقد فيه كثيرون أنَّه لا يمتلك أصلًا أي رؤية سياسية متماسكة حيال أي من الملفات الأساسية.
كل ما هو موجود حتى الآن مجرد عناوين عريضة ومواقف سطحية من قضايا محددة، وهي إن كانت تعطي مؤشرات قوية على توجهات ترامب، فإنَّها ليست كافية وحدها لكي نبني عليها تصوُّرات كاملة قبل أن يتم الإعلان بشكل نهائي عن تشكيلة الإدارة المقبلة، وعن التوجهات السياسية الرئيسية.
في الملف الإيراني، لا يمتلك الرئيس المنتخب ترامب سياسة محددة بعد للتعامل مع النظام الإيراني، فكل ما يمتلكه هو موقف من الاتفاق النووي كان قد أعلن عنه قبل الفوز في الانتخابات الرئاسية. ترامب وصف مرات عديدة الاتفاق النووي بأنَّه سيئ وغير مقبول، كما قال حرفيًّا في إحدى المناسبات إنَّ الاتفاق النووي هو “أسوأ ما يمكن أن يكون قد تمَّ التفاوض عليه على الإطلاق”، وقد وعد في حال فوزه بأن يجعل من تفكيك الاتفاق النووي “الأولوية رقم 1” لديه. لكن في المقابل، ترامب كان قد ذكر أيضًا أنَّه سيقوم بإعادة التفاوض حول الاتفاق النووي لتحسين شروطه، وتشديد القيود على إيران، ومراقبة التطبيق التام لكافة بنوده، بشكل لا يسمح للنظام الإيراني باستغلاله لغايات أخرى.
وانطلاقًا من هذه المعطيات، فإنه من غير المعروف ما إذا كان ترامب سينهي الاتفاق فعلًا، أو سيقوم بإعادة التفاوض عليه. هناك نقاشات عديدة حول هذا الموضوع ربما نتطرق إليها في مقال لاحق، لكن ما نقصده هنا هو أنَّ شكل السياسة التي سيتم اتِّباعها تجاه إيران لم يحدَّد بعد. ما يؤكد هذا الاستنتاج أيضًا عدم اكتمال قائمة المناصب الرئيسية في إدارة ترامب المقبلة، علما أنَّ لمرشحي هذه القائمة آراء متفاوتة حيال إيران، مع التسليم بأنَّ معظم -إن لم نقل جميع- المرشحين ينظرون بسلبية إلى النظام الإيراني.
هذه النقطة الأخيرة بالتحديد تطرح تساؤلًا عن الكيفية التي سيتم بها التعامل مع إيران لاحقًا، في ظل التناقض الظاهر في الطروحات بين من يريد من هؤلاء المرشحين أن يواجه النظام الإيراني، وبين قبول موقف ترامب في الملف السوري، وهو الموقف الذي لا يرى مشكلة في السياسة الروسية الداعمة للأسد، فضلًا عن بقاء الأسد نفسه!
لا شكَّ أن قبول ترامب بالتحالف مع روسيا لمحاربة داعش والإبقاء على الأسد، يشكِّل -على الأقل من الناحية النظرية- عامل التقاء لا افتراق مع النظام الإيراني، الذي يتحالف بدوره مع روسيا تحت شعار مكافحة داعش، ويدعم الأسد للبقاء في السلطة. هذا يعني حكمًا أن انفتاح ترامب على إيران في نفس الموضوع سيكون من ناحية النظرية أيضًا احتمالًا ممكنًا، وإلا فإنه سيتحوَّل في حينه إلى تناقض غير مفهوم.
يعلم النظام الإيراني هذه المعطيات جيدًا، ولذلك فقد شرع مبكِّرًا عبر شخصيات مختلفة، وعلى مستويات متعددة، في إطلاق سلسلة من التصريحات والمواقف التي تهدف إلى التأثير على توجهات ترامب المقبلة. خلاصة القول إنَّ ترامب لا يمتلك سياسة واضحة تجاه إيران بعد، وليس من الصائب ربما التوصل إلى استنتاج عميق من خلال البناء على موقف واحد فقط لا غير؛ إذ سيكون علينا الانتظار حتى نبني على الشيء مقتضاه، خاصة أنَّ الجانب الإيراني يرى أنَّ هناك إمكانية للاستثمار في موضوع “محاربة داعش” و”الحرب على الإرهاب” و”تخلي ترامب عن الحلفاء” ليقوم هو بملء الفراغ مجددًا، تمامًا كما فعل مع أوباما.