‘“تل الزعتر” البداية الدموية الأولى لنظام الأسد الوظيفي’
22 نوفمبر، 2016
فراس محمد
“شارون العرب (حافظ الأسد) يحاصرنا من البر، وشارون اليهود يحاصرنا من البحر”، بهذه الكلمات لخص الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، تواطؤ النظام السوري، والعدو الإسرائيلي، مع المليشيات المسيحية اليمينية اللبنانية، في مجزرة تل الزعتر التي راح ضحيتها أكثر من 4 آلاف لاجئ فلسطيني، من أصل 20 ألف فلسطيني يشكلون سكان هذا المخيم، لتشكل هذه المأساة البداية الحقيقية لحقبة نظام الأسد الدموية بحق الشعب الفلسطيني والسوري، على حد سواء، والتي مازالت فصولها مستمرة حتى يومنا هذا، وكل ذلك بشعار “الممانعة والمقاومة للكيان الصهيوني”.
بدأ حصار تل الزعتر الفلسطيني في أواخر حزيران/ يونيو 1976، من قوات النظام السوري، وحلفائه -في ذلك الوقت- المليشيات اليمينية اللبنانية التي تتألف من: حزب الكتائب، ومليشيا النمور التابعة لحزب الوطنيين الأحرار، ومليشيا جيش تحرير زغرتا، ومليشيا حراس الأرز، واستمر الحصار لمدة 52 يومًا، رافقه قصف بنحو 55 ألف قذيفة؛ ليسقط المخيم في 12 أب/ أغسطس 1976، وتدخله الكتائب اللبنانية، والقوى اليمينية المتحالفة معها، بغطاء من الجيش السوري، ولتُرتكب المجازر المروعة من بقرٍ لبطون الحوامل، واغتصاب النساء، وهدم المنازل، وذبح الأطفال والنساء والشيوخ، في حين تكررت المجازر نفسها في مخيمي “جسر الباشا”، و”الكارنتينا” المجاورين لتل الزعتر، اللذين سقطا بيد القوات المهاجمة قبل أيام معدودة من سقوط تل الزعتر.
مجزرة تل الزعتر هي البداية الحقيقية للوجه الدموي الوظيفي لنظام الأسد الأب، والذي ما زال وريثه بشار الأسد يتبعه من خلال استكمال سلسلة المجازر بحق الشعبين: السوري، والفلسطيني، وبحق كل مشروع وطني يمس مشروع الدولة اليهودية التي كان من أكبر حُماتها، وقدم أوراق اعتماده أمام العالم على هذا الأساس.
ولفهم الأحداث التي أدت إلى وقوع هذه المجزرة لابد من العودة إلى لأحداث التي سبقتها؛ حيث كانت القوى الوطنية اللبنانية المتحالفة مع منظمة التحرير الفلسطينية تحقق انتصارات متتالية على القوى اليمينية اللبنانية المتحالفة مع إسرائيل، والتي ستشارك -لاحقًا- في تسهيل غزو القوات الإسرائيلية للبنان، وطرد منظمة التحرير الفلسطينية منه، وترتكب مجزرة أخرى لا تقل بشاعة عن مجزرة تل الزعتر، ألا وهي مجزرة صبرا وشاتيلا، حيث كادت القوى الوطنية، ومنظمة التحرير الفلسطينية أن تسيطرا على لبنان، وتكسرا شوكة القوى اليمينية اللبنانية، لولا تدخل القوات السورية، في 5 حزيران/ يونيو 1976، بأمر من حافظ الأسد الذي زج بـ 30 ألف مقاتل سوري؛ لسحق المقاومة الفلسطينية، ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، و المشروع الوطني اللبناني، والممثل بالقوى الوطنية اللبنانية، بقيادة كمال جنبلاط، وذلك؛ بمباركة وترحيب من الإسرائيليين الذين رحبوا بهذه الخطوة، وعبَّر رئيس وزرائهم في تلك الفترة، إسحاق رابين، عن ارتياحه لما أقدم عليه حافظ الأسد، قائلًا: “إن إسرائيل لا تجد سببًا يدعوها لمنع البعث السوري من التوغل في لبنان، فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين، وتدخلنا -عندئذ- سيكون بمنزلة تقديم المساعدة للفلسطينيين، ويجب علينا ألا نزعج القوات السورية في أثناء قتلها الفلسطينيين؛ فهي تنفذ مهمة لا تخفى نتائجها اللاحقة بالنسبة لنا”، في حين صرح وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، شمعون بيريز: “إن هـدف إسرائيل هو هدف دمشـق نفسه بالنسبة للمسألة اللبنانيـة، ويجب أن نمنع وقوع لبنان تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية”.
ولم تقف جرائم النظام السوري بحق المقاومة الفلسطينية عند تل الزعتر، بل أكمل سلسلة إجرامه عبر مراحل عدة، كان أهمها دعمه للمنشقين عن منظمة التحرير، وحركة فتح عام 1983، ومساندتهم في القتال ضد منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات، في حين شكّلت حرب المخيمات -بين عامي 1985 و1988- التي خاضها المنشقون عن منظمة التحرير وحركة أمل، بدعم وتوجيه من نظام حافظ الأسد، أحد أسوأ الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، والمقاومة الفلسطينية، وذلك؛ بهدف كسر أرادة الشعب الفلسطيني، وسلب قراره الوطني، حيث أدركت القيادة الفلسطينية، ممثلة بالزعيم الراحل ياسر عرفات، أهداف النظام السوري في السيطرة على المشروع الوطني الفلسطيني، وترويضه، وكبح جماحه، مهما كان الثمن، بهدف تأدية دوره الوظيفي الذي لم يعد خافيًا على كل ذي بصيرة، على الرغم من كل شعارات “المقاومة والممانعة” التي طالما تبجح بها.
ووفق هذا المبدأ، مشى وريث التركة الدموية، بشار حافظ الأسد، وما يحدث في مخيم اليرموك، ليس إلا حلقة أخرى من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، واستكمالًا لما بدأه الأسد الأب في مخيم تل الزعتر.
[sociallocker] [/sociallocker]