on
سوريون يحتمون خلف جدار يتصدّع
علاء كيلاني
(آنذاك.. لم تترك لنا قذائف الدبابات وراجمات الصواريخ من خيار، سوى النجاة بأرواحنا.. لقد هُدمت أجزاء كبيرة من بيوتنا، وجفّت أرزاقنا، فتركنا كل شيء وراءنا، وهربت مع أسرتي، وبعض جيراني، نحمل ما نستطيع حمله من الملابس فحسب، نحو الحدود الجنوبية للبلاد).
كان ذلك في عام 2012، كما يقول عثمان المحيميد، وهو العام الذي صعّدت فيه قوات الأسد من ضرباتها ضد المدن الناشطة، في جنوبي ووسط سورية، مستخدمة سياسة الأرض المحروقة، آنذاك لم يكن المحيميد يدرك أن رحلته إلى مدينة المفرق الأردنية، سترسم مصائر جديدة، له ولأسرته المؤلفة من زوجة وأربعة أطفال، كغيره ممن أصبحوا -في ما بعد- مجرد أرقام على لوائح المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
لم تكن المسافة الفاصلة بين قرية المحيميد، وبين المعبر الحدودي غير الرسمي، تتجاوز الـ 60 كم، غير أن الطريق الذي اجتُيز في ثماني ساعات، كان يحتاج -في الواقع- إلى نظر ثاقب، ورقابةٍ حثيثةٍ، مغبة الوقوع في شركٍ متنقلٍ لقوات الأسد، التي تظهر وتختفي أرتالها بين حين وآخر.
في مخيم “الزعتري” لم تمكث الأسرة طويلًا، فقد استطاعت تأمين كفيل أردني، ساعدها في مغادرته، وتوجهت إلى مدينة المفرق، على أمل أن يمنح المجتمع المحلي المضيف “عثمان” حرية الحركة، وحرية اختيار العمل؛ كي يتمكن من تأمين مردودٍ يكفي لإعالة أسرته، مدة لا يعرف كم ستستغرق بالتحديد.
يقول عثمان لـ جيرون: في أثناء ذلك، عشت واقعًا مؤلمًا للغاية، الأمان الذي كنا نبحث عنه حين هربنا من الموت المتربص بنا في كل اتجاه، سرعان ما بدأنا نفتقده هنا أيضًا، فالحياة في الأردن تعني أن تعيش في بلد اقتصاده حر، تتعرض أسواقه بين فترة وأخرى لموجة ارتفاع أسعار عشوائية، يشكو منها أهل البلد أنفسهم، مع أن دخولهم معقولة، وحياتهم مستقرة، فكيف الأمر بالنسبة لنا، ونحن نفتقر إلى الدخل والاستقرار معًا؟
“دعم” لا يسدّ الرمق
يتابع المحاميد: حاليًا يقتصر دعم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على 10 دنانير لكل فرد (ما يعادل 14 دولار تقريبًا)، وهو مبلغ لا يكفي أن تسد به حاجة أسرتك من الطعام، عدا عن حاجتك لتسديد نفقات أساسية أخرى، كآجار البيت وفواتير الماء والكهرباء؟ حاولت العمل بتخصصي (يحمل شهادة حقوق)، وتقدمت إلى مواقع عمل مختلفة، غير أنني فشلت؛ لأن المهن التي تتطلب وجود شهادة كهذه مغلقة في وجوهنا، أما سوق العمل، فهو الآخر يتعرض لضغوط حكومية؛ كي لا نلتحق به، وعندما يخالف الأردني تعليمات وزارة العمل، ويستقبل سوريًا، يعاقب، وفي بعض الأحيان تغلق منشأته، ما اضطرني -في نهاية المطاف- للعمل في قطاع الإنشاءات، بأجر زهيد، وهو قطاع يستحوذ على القسم الأكبر من العمالة الأجنبية داخل المملكة.
قصة المحيميد، هي مثال لأناس فروا بأرواحهم، خارج دوائر الموت، التي يتواصل حصادها منذ أكثر من خمس سنوات، لتبلغ حصيلته أكثر من 700 ألف شهيد؛ حتى الآن. فقد دفع العنف الممنهج الشديد الذي استخدمه النظام، آلاف الأسر للهرب قسرًا، والانتقال من مكان إلى آخر؛ بحثًا عن ملاذ آمن.
اليوم يقدر إجمالي عدد السوريين في الأردن، وفق إحصاءات رسمية أردنية، بنحو 1.6 مليون، منهم 655 ألف لاجئ في المخيمات، أما الباقون، فقد توزّعوا على المجتمعات المحلية في ثلاث مدن رئيسة، هي إربد والمفرق والعاصمة عمان، وتحتضن الأخيرة الحصة الأكبر منهم.
غير أن التحدي الأكبر الذي يواجهونه، كما يقول حسان الحريري: هو انتشار الفقر والجوع، فهناك عائلات تعيش حالة فقر مدقع، لم تعد تملك معه ثمن طعامها، وذلك بعد أن قلصت المفوضية حجم المساعدات الإنسانية التي تقدمها، عما كانت عليه قبل ثلاثة أعوام.
وتشير بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أن نحو 93 بالمئة من السوريين -اليوم- يعيشون تحت خط الفقر، وتنتظر 9950 أسرة سورية دورها على قوائم برنامج المساعدات النقدية. وفي حال توافرت فرص عمل غير نظامية، ضمن قطاعات لا تنسجم غالبيتها مع التحصيل العلمي للسوري، فإن أجرها زهيد، لا يغطي 30 بالمئة من النفقات.
يقول “الحريري” لـ جيرون: الأمر هكذا على الدوام، نحن لانريد أكثر من فرصة عمل نعيش من مردودها.. سقف طموحاتنا هو أن نواصل حياتنا بالحد الأدنى لمتطلبات المعيشة، ريثما نعود إلى بيوتنا.. وهذا الحد الأدنى لم يتوفر إلى الآن.
بانتظار المدد
ومع أن المساعدات الإنسانية وصلت إلى جميع اللاجئين في المخيمات الرئيسة الثلاث، إلا أن قسمًا كبيرًا من العائلات التي تعيش داخل المجتمعات المحلية للمملكة، لم تصلها بعد، وتعزو المفوضية سبب غيابها عن هذه الأسر، إلى وجود عجز لديها، حيث لا تزال تنتظر وصول قرابة 48 بالمئة من الدعم المقرر الذي تعهد به المجتمع الدولي، والدول المانحة، لدعم اللاجئين السوريين في الأردن، الذي يقدر بنحو 320 مليون دولار في عام2016 .
ومع ذلك، فالمبالغ الزهيدة التي تتلقاها بعض الأسر، لا تكفي حمايتها من مصائد الفقر والجوع والمرض، بالنظر إلى وضعها الهش، وعدم وجود دخل حقيقي لها. ويرى الناشط في مجال حقوق الإنسان، أحمد الشرع، أن ضعف مصادر التمويل، وعدم كفاية الدعم المقدم من المجتمع الدولي، فضلًا عن العوائق التي وضعتها السلطات الأردنية أمام انخراط السوريين في سوق العمل الرسمي، وغير الرسمي، جعلت السوريين يواجهون تداعيات اللجوء عراة، وبمعزل عن الخدمات الحيوية، وعلى رأسها الخدمات الصحية. وأضاف في تصريح لـ (جيرون): الذين يقيمون خارج المخيمات لم يعد بإمكانهم تأمين تكاليف الرعاية الطبية، منذ أن قررت السلطات الحكومية تقاضي رسوم علاج في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وعلى الرغم من تدنيها، إلا أنها تبدو باهظة التكلفة، عندما يجد أحدهم نفسه مضطرًا للاختيار ما بين دفعها للعلاج، أو تلبية حاجات عائلته الأساسية.
وتؤكد منظمة العفو الدولية، على لسان مدير برنامجها (حقوق اللاجئين والمهاجرين)، أن الغالبية الساحقة من السوريين خارج المخيمات في الأردن، هم تحت خط الفقر، وأن الإجراءات البيروقراطية الطويلة، والرسوم الإضافية المفروضة على تلقي العلاج، تشكل عوائق ضخمة أمام من هم بحاجة للحصول عليه، وخاصة أن معظم اللاجئين يعانون أصلًا من أجل إطعام عائلاتهم.
المصدر