تكلفة المولود الجديد تعادل راتب الموظف لعام كامل .. فهل نشهد عودة “الداية” ؟
24 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
أينما توجهت في سوريا ستجد ظروفاً معيشية متشابهة، ولا سيما مع تهاوي قيمة الليرة السورية وغلاء الأسعار وانخفاض الدخل.
ولعل ما ميّز المرحلة السابقة تحت وطأة هذه الظروف هو هاجس المواليد الجدد، ذلك أن الخوف على مستقبل الأطفال من ويلات القصف والبراميل ليس السبب الوحيد، ففي المناطق الخاضعة لسيطرة النظام عوامل أخرى في ظل ” شبه الحياة” أو ” الحياة من قلة الموت” التي يحكمها جوانب اقتصادية، ولهاث يومي خلف الرغيف.
في هذا التقرير نرصد اتجاه كثير من السوريين في مناطق النظام لتحديد عدد مواليدهم، لعدة أسبابٍ يأتي على رأسها الارتفاع الكبير في كلفة استقبال هذه المولود وتنشئته، ويفاقم المشكلة الخوف على مستقبل الأولاد في ظل الظروف التي تمر بها البلاد.
تكاليف الولادة
ارتفعت أجور المشافي المتخصّصة بالتوليد إلى مبالغ كبيرة وبلغت مستوياتٍ خارج حدود قدرة السوريين محدودي الدخل. ففي العاصمة دمشق وبحسب شهادات عد من الأهالي فإن تكلفة الولادة الطبيعية بلغت 90 ألف ليرة والقيصرية 250 ألف ليرة في مشفى الشامي، بينما بلغت 60 ألف ليرة للولادة العادية و180 ألف ليرة في مشفى الرازي. وعن ذلك تحدثت “أبو إبراهيم” الذي وضعت زوجته مولودها قبل نحو 4 أشهر مشيراً إلى أن عملية الولادة مع أجور المشفى وطبيب الأطفال كلّفته أكثر من 100 ألف ليرة، علماً أن الولادة كانت طبيعية دون أي منغصات، إضافة إلى أن المشفى يُصنف بين المشافي العادية. ويلفت “أبو إبراهيم” إلى أن “دار المواساة الخيرية” قرب مشفى المواساة بحي المزة يقوم بعمليات التوليد بتكاليف منخفضة دون احتساب ثمن الدواء، لكنه أشار إلى أن هذه العملية تتطلّب الحجز قبل عدّة أشهر، إضافةً إلى أن المرافق غير مناسبة واحتواء الدار على العديد من المتدرّبين الطلاب، لذلك فقد قرر الاعتماد على مشفى خاص.
الألبسة ارتفعت أيضاً
تُعرف ألبسة المولود الجديد محلياً باسم “الديارة”، وهي تجهيز كامل للطفل المولود حديثاً بدءاً من الألبسة الداخلية والخارجية والشتوية والصيفية والـ “قنداق” والحرامات والسرير وغيرها، وجرت العادة في سوريا أن يتم شرائها بعد أن يدخل الحمل شهره السابع، حيث يتم التأكد من صحة الطفل عندما يصل إلى هذه المرحلة بخير.
وأمام ارتفاع التكاليف لجأ بعض السوريين لـ”الاستعارة” من الجيران أو الأقارب سواء تعلق الأمر بالملابس أو حتى إعارة السرير ” المهد” بعد أن يكبر الوليد.
غير أن الأعباء لا تتوقّف هنا وحسب، إذ أن هناك أيضاً تكاليف حليب الأطفال ومستلزماته الأخرى والتي تقارب 30 ألف ليرة شهرياً، وهو ما يعادل متوسط راتب موظف عن شهر، إضافة إلى أن تكلفة الولادة مع ثمن الألبسة التي تكاد تزيد عن 300 ألف ليرة، تعادل راتب الموظف السوري لمدّة عامٍ كامل.
تقليص عدد الولادات.. والداية تعود
ساهم الارتفاع الكبير في تكاليف المولود الجديد بتغيير حسابات الناس في مناطق النظام فيما يتعلق بالمواليد الجدد خصوصاً بعد وصول نسبة السوريين ممن هم تحت خط الفقر إلى 84% بحسب احصائيات الأمم المتحدة.
لكن هذه التكاليف ليست السبب الحقيقي وراء “تحديد النسل” كما تقول فتون “الاسم مستعار” وهي ربّة منزل تعيش في القسم الغربي لمدينة حلب، “لأنه مهما كانت هذا التكلفة مرتفعة فيمكن تدبّرها”، غير أن السبب الأكبر بحسب “فتون” يعود إلى أن قيمة الليرة السورية تتهاوى، والارتفاع في الأسعار مستمر، إضافة لتهاوي البنى التحتية التي تجعل من مصير الأجيال القادمة ضبابياً.
وتضيف فتون التي وضعت مولودها الوحيد قبل نحو عامٍ ونصف أن عدداً كبيراً من الأسر، ولا سيما النازحة اتجهت إلى الاعتماد على القابلة القانونية المتعارف عليها محلّياً بـ”الداية”، وذلك بعد اندثارها بشكل شبه تام من سوريا، وتحوّل معظم حالات الولادة إلى المشافي.
فإلى أين يتجه الواقع السوري بعد أن طالت حسابات والمعيشة أدق التفاصيل وراحت تهدد الحاضر والمستقبل؟ وهل هناك سقف للهواجس التي باتت تلفّ حياة من رأى النور ومن لم يره بعد؟
[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]