دلالات قصف طيران النظام السوري للجيش التركي وفصائل عملية درع الفرات


ساعات قليلة فصلت بين الاستهداف الأول والثاني من قبل طيران النظام السوري للجيش التركي، وفصائل عملية درع الفرات بالقرب من مدينة الباب بريف حلب الشرقي، ليشكل الأمر سابقةً هي الأولى من نوعها منذ إطلاق الأتراك بالتعاون مع الجيش السوري الحر للعملية بالقرب من الشريط الحدودي شمالي مدينة حلب.

الجيش التركي وفي بيان رسمي له أكد أن ثلاثة جنود قتلوا وجرح عشرة آخرون في قصف لطيران النظام السوري عند الساعة الثالثة والنصف من فجر اليوم الخميس، لتعلن بعد ذلك مصادر عسكرية في غرفة عمليات درع الفرات استهداف الطيران لمحيط مدينة الباب للمرة الثانية على التوالي في يوم واحد.

 

تعقيدات معركة الباب

ولمعركة الباب تعقيدات خاصة، وأثبتت التطورات فعلًا أنها مختلفة عن كل المراحل السابقة لعملية درع الفرات، حيث شهدت تداخلات عديدة وتمثلت في تصعيد نظام الأسد للهجته مع اقتراب الحملة من المدينة وتسميته القوات التركية المشاركة بـ"قوات الاحتلال" ولأول مرة منذ إعلان العملية، كما شهدت ابتداءً استهداف الطيران السوري للفصائل المشاركة قبل حوالي 15 يومًا، ثم اشتباكات بين فصائل الجيش السوري الحر الداخلة في العملية والميليشيات الكردية شمال شرقي مدينة الباب وكذلك غربيها، فالنظام السوري يعتبر أن تقدمه نحو مدينة الباب خيار أساسي ليصبح أقرب إلى محافظة الرقة وليسوق نفسه من جديد على أنه عضو فعال في نادي محاربة "الإرهاب"، كما أن ميليشيات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات الحماية الكردية عمودها الفقري تعتبر أن السيطرة من قبل قوات الجيش السوري الحر ضربة موجعة لمشروعها القائم على وصل كانتونات عين العرب "كوباني" بكانتون "عفرين"، كما شهدت المعركة انخفاضًا في وتيرة التقدم بسبب معارضة روسية استمرت لعدة أيام لتحليق الطيران التركي في الأجواء لتقديم الدعم للقوات البرية على الأرض.

 

سحب الشرعية الدولية من التدخل التركي

جاء استهداف الطيران السوري للقوات التركية بعد أسبوع واحد فقط من إعلان العقيد الأميركي جون دوريان المتحدث باسم التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بأن التحالف لا يدعم العمليات الحالية التي تشنها القوات التركية مع الفصائل الحليفة لها على مدينة الباب في شمالي سورية، مؤكدًا أن المعركة هذه خيار تركي وطني، مما يعني أن "المظلة الشرعية الدولية" لتدخل العديد من الدول الغربية في سوريا وعلى رأسها الولايات المتحدة لم تعد تظلل التدخل التركي عند اقترابه من الباب، في حين أكدت الولايات المتحدة في مراحل سابقة أن التحالف يدعم تلك العمليات، قبل أن يتعقد المشهد أكثر ويدخل الطرفان في تجاذبات على خلفية عدم استجابة الولايات المتحدة لوعودها التي قطعتها لتركيا بانسحاب الوحدات الكردية خارج منبج إلى شرقي الفرات، وما ترتب على ذلك من ضربات جوية تركية للوحدات (حليفة الولايات المتحدة) بالقرب من مدينتي الباب ومنبج.

وتعتبر تلك التصريحات بمثابة إفساح المجال للنظام السوري للتعامل بحسب ما أعلنته من تصريحات حول التدخل التركي، واعتبار أنه غزو أو احتلال، حيث أصبح التدخل خيارًا فرديًّا لدولة داخل أراضي دولة مجاورة.

هذه التطورات جاءت في وقت وافق فيه البرلمان الأوروبي على إيقاف المفاوضات مع تركيا حول الانضمام للاتحاد، وبالتالي باتت العلاقات التركية مع حلف شمال الأطلسي في أسوأ فصولها، ولم تعد المساعي التركية البحث عن بدائل شرقًا سرية، فقد جددت رغبتها بالانضمام إلى منظمة "شنغهاي"، المكونة بشكل أساسي من الصين وروسيا.

 

الملفات التركية - الروسية العالقة

مؤشرات عديدة تدل على أن عملية درع الفرات كانت نتيجة لنقاشات وتفاهمات روسية - تركية، ومن أبرز تلك المؤشرات أنها جاءت بعد المصالحة مع روسيا عقب حادثة إسقاط المقاتلة على الحدود السورية، وأن لجنة ثلاثية مشتركة بين البلدين مؤلفة من وزارة الدفاع والخارجية والاستخبارات مهَّدت الطريق لتلك العمليات، لضمان عدم تهور روسيا واستخدام منظومة الدفاع الجوي المتطور (أس 400) التي نشرتها في سوريا عقبة سقوط مقاتلتها على يد سلاح الجو التركي.

ولا يعني بأي حال من أحوال أن التقارب الروسي - التركي وصل إلى مرحلة التطابق بالرؤية حول الكثير من الملفات، وخاصة الملف السوري، حيث لا تزال تركيا تتبنى خيار عدم وجود الأسد في الحكم، وإن كانت قد خفضت السقف قبل أكثر من سنة، وقبلت بفترة انتقالية لعدة أشهر.

وتشير المعلومات القليلة التي رشحت عبر الصحف ووكالات الأنباء وأهمها (صحيفة الشرق الأوسط)، أن تركيا تبذل مساعي لوقف الهجمات الروسية على حلب، عن طريق طرح مبادرة إدارة ذاتية للأحياء الشرقية، وقد طرح المبعوث الدولي إلى سوريا "دي ميستورا" فكرة الإدارة الذاتية بالفعل، الأمر الذي استفز وزير الخارجية الروسي وجعله يتهم "دي ميستورا" بأنه يقوِّض محادثات السلام السورية، ودعا إلى حوار سوري -سوري.

وتؤكد المعلومات الميدانية الواردة من شمالي حلب، أن عملية استهداف الطيران السوري للجنود الأتراك، سبقها توقف الطيران التركي عن التحليق في الأجواء لعدة أيام، بسبب معارضة روسية، ثم عاد ليستأنف تحليقه ليومين، ثم يتوقف دون صدور أي تعقيب رسمي تركي على المسألة، مما يؤشر إلى وجود تحفظات روسية غير معلنة، قد تكون دفعتها لإطلاق يد النظام واستثمار هجماته لإيصال رسالة أو محاولة تحقيق مكاسب جديدة، خاصة أن معلومات جديدة نشرتها صحيفة الشرق الأوسط، تفيد بأن هناك وساطة تركية مرتقبة من أجل اجتماع قيادات الفصائل السورية مع مسؤولين روس لمناقشة أوضاع حلب، مما يعطي مؤشرًا جديدًا على أن أصابع روسيا وراء الضربات، وإن كانت بشكل غير مباشر قد يكون هدفها إنذارًا بعرقلة درع الفرات في حال لم تكن نتائج المفاوضات حول حلب مرضية لها.

 

وتبقى الأيام القليلة القادمة وما ستحمله من تطورات، خاصة على صعيد الرد التركي على الغارات، الذي توعَّد فيه رئيس الحكومة "يلدريم"، هي الأهم على صعيد مستقبل هذه العملية، واستمرارها، وما إذا كانت ستستمر تحت مظلة التفاهمات بين تركيا والفرقاء الفاعلين بالملف السوري، أم ضمن معطيات الأمن القومي التركي، بغض النظر عما قد يعترضها من صدامات، وخاصة مع ميليشيات سوريا الديمقراطية ونظام الأسد، أم ستتحول إلى مراوحة في المكان في سيناريو أشبه بواقع العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة بالقرب من مارع والراعي قبل التدخل التركي المباشر.