درس لترامب بسوريا: عدو عدوي.. هو عدوي أيضا

نشر موقع “ديلي بيست” مقالا لمايكل ويز، حاول من خلاله استقراء سياسية الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب المستقبلية في سوريا، بناء على تصريحاته في الحملة الانتخابية وبعدها، وتداعيات تلك السياسة.

ويبدأ الكاتب مقاله بالقول إن “التصريح الرئاسي الروسي، بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وترامب، كان مقتضبا، وتحدث كلاهما عن الحاجة للعمل معا في الصراع ضد العدو الأول المشترك، وهو الإرهاب والتطرف الدوليان، وفي هذا السياق، ناقشا قضايا تتعلق بحل الأزمة في سوريا”. ويقول ويز في مقاله، الذي ترجمته “عربي21”، إن “هذه المكالمة تمت في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر، أي بعد ستة أيام من بدء العالم بالإشارة إلى ترامب بتردد (الرئيس الأمريكي المنتخب)”. ويضيف الكاتب أن “هذا الأمر جاء بعد عدة أيام من استقبال ترامب لما وصفه برسالة (جميلة) ممن سيصبح نظيره الروسي، الذي أعلن ترامب عن إعجابه بأسلوب قيادته — لكن قد لا يكون هذا طويلا– تحت مقاطعة الولايات لبلاده بسبب احتلالها لأوكرانيا، بالإضافة إلى أن جيش فلاديمير بوتين مسؤول عن مقتل عدد من المدنيين في عام واحد، أكثر مما قتل تنظيم الدولة في ثلاثة أعوام ونصف، بحسب بيانات الشكبة السورية لحقوق الإنسان، وكل ذلك بحجة مكافحة (الإرهاب والتطرف الدوليين)”. ويتابع ويز قائلا إن “هذا لا يعني أن ترامب يعرف المعلومة الأخيرة، فهو أحيانا لم يكن واعيا بوقوع أوكرانيا تحت الاحتلال الروسي، كما أنه لا يعني بأن معرفة هذه المعلومة ستهمه كثيرا، فسياسته تجاه سوريا، كما يمكن استيحاؤها من تصريحاته خلال الحملة الانتخابية، والآن خلال فترة التحول المضطربة، بقيت معارضة للواقع بإصرار”. ويشير الكاتب إلى أن “فهم ترامب للشرق الأوسط يمتاز برسم كاريكاتوري أحادي اللون للحرب على الإرهاب، واجترار شبه واع للدعاية والتضليل الذي يسوقه الاستبداديون، والكذب الذي لا يرفضه، الذي كان أعداء أمريكا لفترة طويلة يأملون بأن يصدقه زعيم غربي مثله”. ويلفت ويز إلى أن “ترامب يرى أن تنظيم الدولة هو المشكلة الأساسية في المنطقة، وهو لذلك الاعتبار الأمني الوحيد لأمريكا، حيث قال لـ(وول ستريت جورنال) الأسبوع الماضي بأنه لا يثق بالثوار السنة العرب، الذين دربتهم وكالة الاستخبارات المركزية، والمعارضين لتنظيم الدولة، في الوقت الذي يثق فيه بالجيوش التي كانت تقتل الجانبين، وفي العادة لصالح تنظيم الدولة”. وينقل الموقع عن ترامب قوله: “توجهي هو إن كنت تحارب سوريا، وسوريا تحارب تنظيم الدولة، وعليك التخلص من تنظيم الدولة، وروسيا منحازة تماما إلى سوريا، والآن لديك إيران، التي أصبحت قوية بسببنا، منحازة لسوريا.. ونحن الآن ندعم الثوار ضد سوريا، ولا علم لدينا من هم هؤلاء الناس”. ويعلق الكاتب قائلا إن “ترامب لا يهمه هنا طبعا أن (سوريا) يمثلها ديكتاتوري سفاح، كان قد أمر مخابراته في الماضي بإرسال الجهاديين إلى العراق لتفجير الجنود الأمريكيين هناك، وحديثا أطلق سراح مقاتلي تنظيم القاعدة من السجون، ويستمر في التجارة مع تنظيم الدولة بالنفط والغاز والأسلحة والكهرباء”. ويضيف ويز أنه “لا يهمه أيضا أن المخابرات الأمريكية والمسؤولين العسكريين استنتجوا وجود علاقة مباشرة بين تكتيك الأرض المحروقة، الذي ينتهجه النظام السوري مع روسيا وإيران، وموجات المهاجرين السوريين، الذين يتدفقون إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، فهذه الحرب هي الأكثر زعزعة للاستقرار الاجتماعي والهجرة الجماعية، التي لم يشهد مثلها منذ الحرب العالمية الثانية، ويبدو أن ترامب يظن أن هذا كله من فعل تنظيم الدولة، وليس من فعل صديق المستقبل بشار الأسد”. ويبين الكاتب أن “إرسال ترامب نواياه التنفيذية للجيران كان كافيا لحصوله على رد إيجابي حذر من الأسد نفسه، حيث قال الأسد لقناة (آر تي بي) التلفزيونية البرتغالية، في مقابلة بثت يوم الثلاثاء الماضي: (لا نعرف ماذا سيفعل .. لكن إن كان سيحارب الإرهابيين فبالتأكيد سنكون حلفاءه الطبيعيين في هذه المسألة مع روسيا وإيران وبلدان أخرى)”. ويقول ويز: “لا بد أن بوتين والأسد يرحبان باصطفاف جديد لأمريكا بجانب دمشق وموسكو وطهران، التي يلوم باراك أوباما على تقويتها، حتى في الوقت الذي يعد فيه بالتعامل معها باعتبار ذلك واقعا جيوسياسيا، ما سيجعل أمريكا شريكا في جرائم الحرب للدول الثلاث”. ويجد الكاتب أن “رؤية ترامب تعاني من تناقض استراتيجي كبير: لا يمكن لشخص أن يكون حليفا لبوتين ومعارضا لآية الله في الوقت ذاته، خاصة في سوريا”. ويورد المقال نقلا عن المحللة المتخصصة في سوريا في معهد دراسات الحرب في واشنطن جنيفر كارافيلا، قولها للموقع: “إن نظام الأسد لا يملك السلطة حتى على القوات العسكرية التي تقاتل باسمه، فلإيران سلطة غير متكافئة على القوات الموالية للنظام، ولذلك إن كانت أمريكا تتحدث عن الانحياز للأسد، أو الأسد وروسيا، فإن هذا يعني في الواقع الانحياز إلى الحرس الثوري الإيراني”، وكان ترامب قد لام الرئيس الحالي على أنه قوى هؤلاء الناس، بعقده معهم الاتفاقية النووية. ويقول ويز: “ربما يكون عدم التأكد مما سيذهب إليه ترامب هو ما جعل الاحتفال بنجاح ترامب في موسكو يتحول شيئا فشيئا إلى (شعور بندم المشتري)، كما وصفه رئيس تحرير صحيفة (موسكو تايمز) أليفر كارول، وقال كارول صحيح أن الروس يشعرون بانهم (حصلوا على رجلهم) لكن الحاذقين في دائرة بوتين الداخلية يعرفون أن سياسة ترامب الخارجية قد تأخذ أي اتجاه، ويعتمد ذلك على اختياره للمسؤولين في حكومته، فتسمية السفير السابق للأمم المتحد جون بولتون وزيرا للخارجية، مثلا، لن يكون مبعث فرح في الكرملين، بحسب كارول؛ وذلك لاعتباره من الصقور تجاه إيران وروسيا”. ويبين الكاتب أنه “لذلك، فإن بوتين لا ينتظر تكشف الأمور، بل يقوم بعمليه انتقالية خاصة به، ففي 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، أي بعد 24 ساعة من مكالمة بوتين لترامب، أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، عن بدء (عملية واسعة النطاق لتوجيه ضربات للإرهابيين) في سوريا كلها، بالاعتماد على قاعدة حميميم الروسية الجوية في اللاذقية، ومن القطع البحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط، وقد تم إطلاق صواريخ كروز من فرقاطة (أدميرال غريغوريفيتش) ضد أهداف في إدلب وحلب وحمص، وتمكنت طائرات (إس يو 33) و(ميغ 29ك) من الإقلاع وأحيانا الهبوط بنجاح على حاملة الطائرات الروسية الوحيدة (أدميرال كوزنيتسوف)”. ويذهب ويز إلى أنه “من الضروري بالنسبة لبوتين، وتصميم القائد الإيراني علي خامنئي والأسد، أن يتم الاستيلاء على شرق حلب، وهي معقل خليط من الثوار والجهاديين لعدة سنوات، وسقوطها يعد انتصارا معنويا ودعائيا لدمشق، وإن لم ينه التمرد ضد النظام، الذي سيستمر لفترة طويلة”. وينوه الموقع إلى أن “تركيا وقطر تتحملان معظم عبء تمويل المعارضة، بحسب المحللة جنيفر كارافيلا، وفي ظل الغياب الأمريكي عن تبني قضية الثوار، فإن حلفاءها أصبحوا أكثر جرأة على تمويل الإسلاميين المتطرفين وتسليحهم؛ لهزيمة الهيمنة الإيرانية في سوريا، ومنع التمدد الكردي”. ويرى الكاتب أن “قطع التسليح والتمويل الأمريكي عن مختلف وحدات الجيش السوري الحر لن يؤثر في المعركة المفصلية، لكن سقوط حلب سينتج عنه عكس ما يدعي ترامب بما يريد فعله، وهو القضاء على الإرهاب الدولي، حيث سيرتفع تجنيد الجهاديين بشكل كبير، وهو مرتفع بسبب حملة روسيا على مدى عام، بحسب كارافيلا، التي قالت: (حتى عندما تهاجم روسيا مناطق لتنظيم الدولة، فإنها تنتهك قواعد الصراع العسكري؛ لأنهت تهاجم الأسواق الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة، وتقتل المدنيين، ولا نريد منهم استهداف المناطق التي يسيطر عليها التنظيم؛ لأن ذلك ليس فعالا عسكريا)”. ويبين ويز أنه “لذلك، وصفت وكالة الاستخبارات المركزية وهيئة الأركان المشتركة تدمير شرق حلب بأنه كارثة إنسانية تنتظر الوقوع، بالإضافة إلى أنه تهديد إرهابي خطير لأمريكا، فالمنطقة لا تحتوي على أي عناصر من تنظيم الدولة، لكن يقطنها حوالي 250 ألف مدني، يواجهون الآن الموت، أو النزوح، أو التطرف”. ويشير المقال إلى أنه “قتل يوم الأربعاء 82 شخصا في حلب، معظمهم في قصف الطائرات الروسية والسورية، بحسب لجان التنسيق المحلية، وتم تدمير عدة مستشفيات، بما في ذلك مستشفى أطفال متخصص، بحسب منظمة أطباء بلا حدود، وقالت منظمة الصحة العالمية بأن جميع المستشفيات في المنطقة غير قابلة للتشغيل، لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان يكذب ذلك، ويقول إن المدنيين يخشون الذهاب إلى المستشفيات التي لا تزال تعمل؛ خشية أن يقتلوا في القصف”. ويقول الكاتب: “الموت من الجو قد يأتي سريعا أو بطيئا، فقد أسقطت الطائرات الروسية قنابل تحملها مظلات على حنانو وحيدرية، وهما منطقتان في شمال شرق حلب، بحسب لجان التنسيق المحلية”. وينقل الموقع عن منذر إيكاتي، وهو ناشط في منطقة سيف الدولة، قوله: “كان أشد قصف خلال هذا الشهر.. صواريخ تكتيكية، وقنابل عادية، وبراميل متفجرة، ومدافع، وقنابل هاون، وصواريخ أرض أرض، كلها أطلقت على المدينة، ولم تترك أي مجال للهروب من المذبحة”. ويورد المقال نقلا عن شهود عيان آخرين، قولهم إن البراميل المتفجرة المحتوية على الكلورين تم إطلاقها أيضا، مشيرا إلى أن قناة “الجزيرة” عرضت صورا مخيفة لاستهداف مستشفى الأطفال، في الوقت الذي كانت تصور داخله أبا وابنه يعالجان من الاختناق؛ بسبب الهجوم بالأسلحة الكيماوية، فهرعت الممرضات لإنقاذ الأطفال من الحاضنات وسط الدخان والحطام، وقال الناشط أمين الحلبي: “ليس هناك مكان للهروب.. نحن محاصرون تماما في المدينة، وليس هناك ممرات لخارجها”. ويقول ويز: “قارن هذا مع رسالة نصية أرسلها النظام لسكان شرق حلب يوم الأحد 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث قالت الرسالة النصية إنه يتعين على المرضى والجرجى الهرب من المدينة أو الموت؛ لوجود خطة استراتيجية لمهاجمة المدينة باستخدام أسلحة عالية الدقة خلال 24 ساعة”. وينقل الموقع عن السيناتور جون ماكين، قوله في منتدى الأمن الدولي المنعقد في هاليفاكس، إن قنابل عالية الدقة يتم استخدامها بتعمد لاستهداف المستشفيات في حلب، ووصف ما تقوم بها روسيا وسوريا وإيران بأنه “أحد أعظم أعمال الإبادة الجماعية في العصر الحديث”، الذي تشارك فيه الولايات المتحدة؛ بسبب عجزها وغياب فعلها. ويورد المقال نقلا عن الحلبي، قوله: “لو لم يعط ترامب الروس الضوء الأخضر لما بدأوا حملتهم مرة أخرى ضد حلب”، وكان بذلك يردد رأيا سائدا بين الناس هناك، لافتا إلى أن رد فعل الناشطين والثوار، الذين تمت مقابلتهم للمقال، في رئاسة ترامب كانت بأنه “لا جديد”، وأنهم مروا بهذا كله من قبل. ويقول المصور فؤاد حلاق للموقع: “حسنا، لنأخذ ماذا حصل الأسبوع الماضي.. تم انتخاب ترامب، وتم قتل أكثر من 100 مدني في حلب وحدها، فهل لو تم انتخاب كلينتون بدلا منه لكان هؤلاء المئة يعيشون الآن؟ لا أظن ذلك”. وبحسب الكاتب، فإن كل أمل في أن تقود أمريكا حلا يضع حدا للمعاناة في سوريا تبخر عام 2013، بحسب جميع من تمت مقابلته، فعندما فشل باراك أوباما في أن يعاقب الأسد على استخدام الأسلحة الكيماوية في دمشق، وقام بدلا من ذلك بعقد صفقة مع بوتين، التي يعتقد سكان شرق حلب بأن ترامب سيوسع هذا الاتفاق مع روسيا، دون أي اعتبار لحياتهم أو موتهم. وينقل المقال عن سهيل، وهو مقاتل مع وحدات الجيش السوري الحر، قوله: “وصلت للواء شهداء الإسلام أسلحة في الأمس من تركيا، عبر معبر عتمة.. فالاسلحة لم تتوقف بعد، لكن لا أدري كيف سيؤثر انتخاب ترامب علينا، ولا يقلقني الأمر؛ لأن الحكومة الأمريكية لم تدعمنا أصلا، إنهم يدعموننا فقط بالكلام، ويعملون ضدنا بالفعل”. وتقول كارافيلا: “إن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هو أن تنظيم القاعدة كان يقاتل، ويموت مقاتلوه في الخنادق مع المعارضة السورية ضد نظام الأسد منذ بداية الحرب، وإن دخلت أمريكا في شراكة مع روسيا، التي تقوم بتكرار ارتكاب جرائم الحرب -وحتى لو استطعنا تحويل حملة روسيا إلى أي شيء إيجابي- فلن نستطيع استعادة أي شرعية لنا في نظر السكان المحليين”. وتضيف كارافيلا للموقع: “نحن في سباق مع تنظيم القاعدة، لقد استثمرنا ما فيه الكفاية لئلا تكون سمعتنا عرضة للنقد، لكن ليس بما يكفي للتأثير في النتيجة بأي شكل جاد، وهذا وضع سيئ لنا أن نكون به”. ويخلص ويز إلى أنه “ليس هناك ضمان بأن الرئيس ترامب يمكنه إصلاح ذلك، حتى لو أراد، وحتى لو كانت عنده فكرة عن كيف يتم ذلك”.