سكان دير الزور يخنقهم حصار تنظيم الدولة..يبيعون أثاثهم ليأكلوا

26 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016

6 minutes

منذ عامين، لم يتذوق الفتى مصطفى الموسى اللحوم والحلويات الأحب إلى قلبه، شأنه شأن كثيرين من سكان الأحياء تحت سيطرة جيش نظام الأسد في مدينة الزور المحاصرة بشكل محكم من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ويقول مصطفى البالغ من العمر 12 عاماً: “لم أتناول الفروج واللحمة والفواكه والبسكويت منذ عامين نتيجة الحصار”.

ويضيف بخجل “أشتهي كل هذه الأطعمة”.

وعلى غرار مصطفى، تقول أم باسل وهي سيدة خمسينية بحسرة شديدة: “تعبنا من الحصار” قبل أن تضيف: “إنهم عديمي الإنسانية، جوعونا ونريد أن يفك الحصار، لنشعر أننا بشر نستحق الحياة”.

وبعد سيطرته في يوليو/تموز عام 2014، على نحو ستين في المئة من مساحة مدينة دير الزور الواقعة في شرق البلاد، تمكن “تنظيم الدولة” مطلع العام 2015 من محاصرتها بشكل محكم لتصبح المدينة الوحيدة التي يحاصر فيها التنظيم جيش النظام.

ومنذ ذلك الحين، بات الوصول إلى مناطق سيطرة النظام متاحاً عبر المروحيات العسكرية في وقت تلقي طائرات سورية وروسية وأخرى تابعة لبرنامج الأغذية العالمي، المساعدات الغذائية جواً إلى نحو مئة ألف شخص محاصرين بشكل رئيسي في غرب المدينة فيما يقيم قرابة خمسين ألف شخص في القسم الشرقي تحت سيطرة “تنظيم الدولة”.

وفي وسط شارع الوداي الذي تحوّل سوقاً رئيسة في حي الجورة، يفرش العشرات من الباعة ما توفر لديهم على بسطات يضيق بها الشارع. وتقتصر البضائع المعروضة على الحشائش من سلق وجرجير وسبانخ، بالإضافة إلى الدخان وبعض المعلبات، في وقت تندر الخضار والفواكه والفراريج.

وفي حال توفر بعض المواد، فإن أسعارها باهظة، إذ يبلغ سعر الكيلوغرام اللحمة الرديء الجودة 15 ألف ليرة سورية (30 دولاراً).

ومع تناقص السلع الرئيسية، بات الأهالي يعتمدون على مواد بديلة، فيشترون “روح السكر” بدلاً من السكر العادي الذي بات سعر الكيلوغرام الواحد 3500 ليرة (سبعة دولارات).

ويقول أحد التجار إن ملعقة صغيرة من هذه المادة التي تستخدمها مصانع ومحلات الحلويات، تكفي لتحلية إبريق من الشاي.

وبات طبق الفلافل الشعبي يعتمد على الفاصوليا التي تطحن عوض الحمص غير المتوفر. وبات الأهالي وأصحاب المطاعم الصغيرة يستخدمون الفاصوليا بكثرة، كونها إحدى الحبوب التي تحتويها الحصص الغذائية الموزعة في المساعدات.

وعلى رغم أن المدينة محاصرة منذ نحو عامين، لكن الوضع بات أصعب منذ سيطرة “تنظيم الدولة” مطلع العام الحالي على قرية البغيلية غرب مدينة دير الزور. وكانت تضم معبراً يستخدم لتهريب المواد الغذائية، وفق ما يؤكد تجار رافضين الكشف عن هوياتهم.

ويروي هؤلاء أن عمليات التهريب والتي تتم مقابل مبالغ مرتفعة، لا تزال ممكنة فقط عبر نهر الفرات الذي يفصل بين أحياء تحت سيطرة جيش النظام وأخرى مع “تنظيم الدولة”.

ويوضح أحد التجار أن عمليات التهريب غالباً ما تتم ليلاً على متن عوامات تُرسل عبر النهر من مناطق التنظيم إلى مناطق جيش النظام.

وأمام فرن في شارع الوادي، تقول أم خالد وهي موظفة ستينية متقاعدة “نقف لساعات حتى نتمكن من الحصول على ربطة الخبز التي تبقينا على قيد الحياة”.

وتتولى حكومة النظام إدارة ثلاثة أفران في المدينة. وبدأت منذ أسبوعين، توزيع سبعة آلاف ربطة خبز بشكل مجاني على الأسر الأكثر فقراً. ويأمل القيمون على هذا المشروع توزيع 17 آلف ربطة مع نهاية الشهر الحالي.

ومع نقص المياه، لجأ الأهالي إلى حفر الآبار. وبالقرب من مسجد التوبة، يتعاون مجموعة من الرجال على سحب المياه من أحد الآبار.

ويقول أحمد السرور “نعاني منذ عامين صعوبة في تأمين المياه بسبب عدم توفر الكهرباء وقلة المحروقات” موضحاً أن الحصول على مياه الشرب يتم مرة واحدة أسبوعياً عبر خدمة ضخ المياه، “أما مياه الغسيل والاستخدامات الأخرى فنحصل عليها من الآبار التي تم حفرها في أحياء عدة”.

وتنعكس ندرة المحروقات وارتفاع أسعارها عند توفرها على حياة الناس اليومية، بدءاً من دفن موتاهم وصولاً إلى متابعة أخبار العالم الخارجي.

ويروي خلف الصالح كيف باتت الحديقة العامّة في حي الجورة مقبرة.

ويقول: “كانت عامرة بالأشجار الخضراء ومتنفّساً للأهالي والأطفال، ولكن بسبب ظروف الحصار وبعد الطريق إلى منطقة المقابر، تحولت الحديقة مقبرة يدفن فيها الموتى”.

ومع سيطرة “تنظيم الدولة” على محطة رئيسية لتزويد المدينة بالكهرباء، باتت خدمة الكهرباء غير متوفرة وبالكاد تتمكن المولدات من العمل مع نقص المحروقات.

ويروي عدد من السكان كيف باتوا يستخدمون بطاريات السيارات لتأمين إنارة جزئية داخل المنازل.

ومنذ عامين، حرم كثيرون من أهالي دير الزور من التواصل مع العالم الخارجي ومشاهدة التلفاز ومن خدمة الإنترنت. وباتت المقاهي التي تفتح أبوابها مساء لثلاث ساعات، المتنفس الوحيد على رغم ارتفاع أسعار الخدمات التي توفرها.

وعملت حكومة النظام على إعادة شبكة الاتصالات الخلوية فضائياً، عبر التعاقد مع شركة صينية، أمنت ربط شبكة الخلوي بين دير الزور والمحافظات الأخرى عبر الأقمار الصناعية، لكنها ضعيفة الجودة، بسبب عدم القدرة على تشغيل محطة الاتصالات إلا لساعات محدودة نتيجة قلّة المحروقات.

وأمام منزله في الحي ذاته، ينهمك محمد العبيد في تقطيع الخشب. ويقول “تبيعني الناس أثاث منازلها من أسرّة وخزائن الملابس، ليشتروا بثمنها ما يأكلونه”.

ويروي بحسرة “اضطررت إلى نشر خزانة منزلي من أجل تدفئة أولادي. كنت في السابق سائق سيارة أجرة أملكها ولكن مع فقدان المحروقات، تحوّلت إلى بائع حطب”. ويخلص إلى القول “أسترزق لأعيّش أولادي”.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]