موسى برهومة يكتب: دقيقتان من أجل سورية!


موسى برهومة

لم يخجل مسؤول في البيت الأبيض، حينما صرّح بأنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين تحدثا لمدة أربع دقائق عن سورية وأوكرانيا، خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (آبيك). ولم يبدُ عليه أي انفعال وهو يردّد كالببغاء بأنّ أوباما شدّد على ضرورة أن يستمر وزيرا خارجية البلدين في «متابعة المبادرات مع المجتمع الدولي للحدّ من العنف وتخفيف معاناة الشعب السوري».
ولا يبعث هذا التصريح الذي يكشف حقيقة الواقع العارية، أي إحساس بالدهشة، بمقدار ما يسرّع في فقدان الأمل بقدرة الإرادة الدولية على انتشال الشعب السوري من مفرمة الموت التي تفتك بأشلائه في حلب، بعدما زارت طائرات الموت وبراميله المتفجّرة كل أحياء سورية، وحوّلت غالبيتها إلى ركام من الدم والأنقاض والصرخات المخنوقة.
وكلما عظم الرهان على ضغط أميركي يضع حداً لهذه المحرقة السورية، زاد الإحساس العدمي الذي يكتشف، بعد وصول القهر منتهاه، أنّ واشنطن استقالت منذ زمن بعيد من مسؤولياتها الأخلاقية نظاماً وشعباً، ولعل في انتخاب دونالد ترامب ما يشي بأنّ التواطؤ على مأساة السوريين أضحى أمراً مضمراً لدى غالبية المجتمع الأميركي، وهذا أمرٌ مخيّب للأمل، وباعث على تصدّع المنظومة الافتراضية الحالمة للأسرة الكونيّة.
وحتى لا يتورّط المرء في استجداء التعاطف من لدن الأغيار الذين لا يعنيهم ما يجري في حلب، فإنّ من الأجدى أن يلوم المرء نفسه والمقرّبين منه، ويسأل: ماذا فعلنا، عرباً ومسلمين، من أجل سورية. ماذا فعل السوريون من أجل سورية، وماذا فعلت المعارضات المتمزّقة من أجل الوطن المدمّى النازف؟
طالعنا تصريحات المنسق العام لـ «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة رياض حجاب، بعد لقائه وزير الخارجية الفرنسي، فألفينـــاها لا تختلف عن تصريحات أي مسؤول أممي، فهي تكتفي بالإدانة، وتعيد المعزوفة ذاتها الباحثة عن «سبل رفع الحصار الذي تفرضه قوات الأســد والميليشيات الطائفية التابعة لإيران على المدن والبلدات السورية، وضرورة الاستجابة للتحذيرات الدولية من احتمال حصول مجاعة بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية لدى المحاصَرين».
العالم لا يسمع صوت المتردّدين. والأصابع المرتجفة لا يمكنها الضغط على الزناد، والرهانات البائسة على تحرك المجتمع الدولي، ويقظــة الحميّة العربية والإسلامية، ليست أكثـــر من محض هراء، فلا «معتصم» بمقدوره أن ينهـــض مــن غبار التاريخ، فينتشل الأطفال الذين تتلذّذ الطائرات الروسية في اصطيادهم، فيما ينتشي الأسد وهو يحصي عدد الأشلاء والأطراف المبتورة، فيرفع كأس الدم في صحة الموت!
وفي عتمة هذا الصمت الكريه، وفي غياب أي ضوء يعدنا به آخر نفق هذا الألم السوري الطويل، تتبرّأ الإنسانية من ذاتها، وتتخشّب اللغة التعاطفية مع ذلك الرضيع الذي نجا من البراميل المتفجرة، فحملته سيارة الإسعاف إلى المستشفى الذي كانت تحدق فيه طائرة روسية أفرغت حمولتها في جسد المستشفى والمبنى والمعنى، وظلت تنتظر على أحرّ من الجمر عبارات الاستنكار، وبيانات الحضّ على ضبط النفس.
الدقيقتان اللتان قضاهما أوباما وبوتين لمناقشة الأزمة السورية، هما الزمن الذي تستحقه هذه المأساة غير المسبوقة في التاريخ، في ذهن رئيسيْ أكبر دولتين في العالم. لذا لا عجب إن تمّت الإبادة الجماعية للشعب السوري من أجل تمرير مخططات بوتين والولي الفقيه، وترسيم الخرائط الطائفية في منطقة تنجب الموت والانتحاريين وفاقدي الإحساس بطعم الحياة، والناقمين على «الأسرة الكونية»، والمزنّرين بأحزمة الانفجار، والحالمين بانتصار ضئيل ويائس كطعم الانتصار الذي يهرسه بشار الأسد تحت أضراسه «الدراكيولية»، فينزف هزائم مسربلة بالعار.

المصدر: الحياة

موسى برهومة يكتب: دقيقتان من أجل سورية! على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا