تغيرات تشهدها حلب هي الأكبر منذ بداية الثورة..هكذا تحولت المدينة إلى أبرز الجبهات في سوريا


تشكل مدينة حلب شمال سوريا، الجبهة الأبرز في القضية السورية والأكثر تضرراً منذ اندلاع الثورة العام 2011، إذ من شأن أي تغيير في ميزان القوى فيها أن يقلب المشهد العام في البلد الذي تسبب فيه نظام الأسد بمقتل 300 ألف شخص وتهجير الملايين وتدمير البنى التحتية.

وخسرت الفصائل المعارضة، اليوم الإثنين، كامل القطاع الشمالي من الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها منذ 2012 في حلب، إثر تقدم سريع أحرزته قوات النظام وحلفاؤها في هجومها لاستعادة هذه المناطق، فيما فر آلاف السكان من منطقة المعارك.

 

وارتفعت حصيلة 13 يوماً من القصف المتواصل التي تشنه قوات النظام وروسيا على الأحياء الشرقية من مدينة حلب، شمالي سوريا، إلى 613 شهيداً، بحسب وكالة الأناضول. 

 

ولم يبق من المدينة العريقة التي كانت العاصمة الاقتصادية لسوريا سوى خراب. وبعدما كان عدد سكانها 2,5 مليون نسمة قبل النزاع، تراجع اليوم الى نحو 1,5 مليون نسمة.

"في قلب الحرب"

وبعد أسابيع على اندلاع التحركات الاحتجاجية ضد نظام الأسد منتصف مارس/آذار 2011، شهدت شوارع مدينة حلب تظاهرات طلابية واسعة سرعان ما تم قمعها بالقوة.

ومع تحول الحراك في سوريا إلى مواجهات عسكرية، شنت فصائل "الجيش السوري الحر" حينها هجوماً كبيراً على المدينة في يوليو/تموز العام 2012، انتهى بسيطرتها على الأحياء الشرقية.

وفي مطلع أغسطس/آب من العام ذاته، بدأت قوات النظام التي شنت هجوماً برياً استخدام أسلحة ثقيلة في القصف ثم طائرات حربية للمرة الأولى. وتشهد المدينة منذ ذلك الحين، معارك شبه يومية بين قوات النظام في الأحياء الغربية والفصائل المعارضة في الأحياء الشرقية.

 

مدينة مدمرة

ومنذ مطلع العام 2013، بدأت قوات النظام قصف الأحياء الشرقية بالبراميل المتفجرة التي تلقيها المروحيات والطائرات العسكرية، ما تسبب بمقتل الآلاف وأثار تنديد الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية.

وترد الفصائل المعارضة باستهداف الأحياء الغربية بالقذائف التي غالباً ما تتسبب بوقوع قتلى.

ودفع سكان مدينة حلب ثمناً باهظاً خلال المواجهات منذ اندلاعها بعدما باتوا مقسمين بين أحياء المدينة. ويقطن نحو 250 ألفا في الأحياء الشرقية ونحو مليون و200 ألف آخرين في الأحياء الغربية.

ويعيش سكان الأحياء الشرقية ظروفاً إنسانية صعبة جراء الحصار والقصف الذي لا يستثني المرافق الطبية ومقار الدفاع المدني الذي ينشط متطوعوه في إسعاف الجرحى وانتشال القتلى من تحت الأنقاض.

وفي فبراير/شباط الماضي، توصلت موسكو وواشنطن إلى اتفاق لوقف الأعمال القتالية في سوريا شمل مناطق عدة بينها مدينة حلب، لكنه سرعان ما انهار بعد شهرين فقط من دخوله حيز التنفيذ.

هجوم لكسر الحصار

وفي 17 يوليو/تموز، تمكنت قوات النظام من محاصرة الأحياء الشرقية بالكامل بعد قطعها طريق الكاستيلو، الذي كان طريق الإمداد الوحيد إلى شرق حلب، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وصولاً إلى نفاد معظمها من الأسواق.

ومنذ 31 يوليو/تموز، شنت الفصائل المقاتلة والجهادية، وبينها جبهة "فتح الشام" (جبهة النصرة سابقا قبل فك ارتباطها مع تنظيم القاعدة) هجمات عدة بهدف فك الحصار عن الأحياء الشرقية.

 

ونجحت تلك الفصائل في السادس من أغسطس/آب بالتقدم والسيطرة على مواقع استراتيجية لقوات النظام جنوب غرب المدينة، وتمكنت من كسر الحصار عبر فتح طريق إمداد إلى الأحياء الشرقية يمر في منطقة الراموسة.

لكن قوات النظام تمكنت من قطع هذه الطريق في الثامن من سبتمبر/ أيلول بعدما استعادت عددا من المواقع التي خسرتها في المنطقة لتصبح الأحياء الشرقية محاصرة تماما في ظل فشل الأمم المتحدة في إدخال المساعدات.

وتتواصل الاشتباكات جنوب غرب مدينة حلب، بين الفصائل المقاتلة والجهادية من جهة، وقوات النظام مدعومة من مقاتلين إيرانيين ومن ميليشيا "حزب الله" اللبناني وبغطاء جوي روسي من جهة أخرى.

وبعد إعلان الجيش السوري في 19 يوليو/تموز انتهاء هدنة استمرت أسبوعاً من 12 من الشهر نفسه بموجب اتفاق روسي أمريكي، تعرضت الأحياء الشرقية لغارات كثيفة تشنها طائرات سورية وروسية أوقعت عشرات القتلى من المدنيين وفق المرصد السوري.

واليوم الإثنين خسرت الفصائل المعارضة كامل القطاع الشمالي من الأحياء الشرقية إثر تقدم سريع أحرزته قوات النظام وحلفاؤها، في أكبر خسارة للفصائل المقاتلة المعارضة للنظام منذ سيطرتها على الاحياء الشرقية عام 2012.

ومنذ بدء الهجوم الأخير لقوات النظام على شرق حلب منتصف الشهر الحالي، أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 225 مدنيا بينهم 27 طفلا جراء القصف والغارات، فيما قتل 27 مدنيا بينهم 11 طفلا في غرب المدينة جراء قذائف الفصائل.

ويجمع محللون على أن معركة حلب أشبه بـ"معركة تحديد مصير"، ومن شأن نتائجها أن "تحسم مسار الحرب السورية" حسب اعتقادهم.

عراقة المدينة

وتعد حلب واحدة من أقدم مدن العالم وتعود إى أربعة آلاف عام قبل الميلاد. وقد توالت الحضارات على هذه المدينة المعروفة بصناعة وتجارة النسيج والتي تتميز بموقعها بين البحر الأبيض المتوسط وبلاد ما بين النهرين.

وبين العامين 1979 و1982، شهدت المدينة فصولاً من قمع النظام السوري لجماعة "الإخوان المسلمين". وعادت في التسعينات لتزدهر مجدداً نتيجة حراك تجاري ترافق مع سياسة انفتاح اقتصادي انتهجتها البلاد.

 

ومنذ اندلاع الثورة في العام 2011، دمرت المعارك المدينة القديمة وأسواقها المدرجة على لائحة يونيسكو للتراث العالمي. وفي العام 2013، أدرجت منظمة يونيسكو الأسواق القديمة التي تعرضت للحرق والدمار على قائمة المواقع العالمية المعرضة للخطر.

وطاول الدمار أيضا مواقع تعود إلى سبعة آلاف عام، وتحولت مئذنة الجامع الأموي العائدة إلى القرن الحادي عشر إلى كومة من الركام. كما لحقت أضرار كبيرة بقلعة حلب الصليبية التي استعادتها قوات النظام من المعارضة بعد قتال عنيف.

اقرأ أيضا: "قورتولموش": الطائرة التي نفذت هجوماً على جنود أتراك في سوريا ليست روسية وتركيا سترد




المصدر