شتاء النازحين… مخيّمات سورية تتمنّى الدفء


يحلّ الشتاء على النازحين السوريين في المخيّمات، فتتكشّف أكثر الأوضاع المأساوية التي يعانونها. كيف يعيش هؤلاء في مواجهة الفصل البارد؟

لا يختلف فصل الشتاء اليوم عمّا سبقه من فصول باردة، بالنسبة إلى النازحين السوريين في مخيّمات شمال سورية، إلا بتفاقم أوضاعهم. هؤلاء الذين صبروا خلال فصول شتاء السنوات الماضية، آملين في العودة إلى منازلهم أو تحسين أوضاع مخيّماتهم، خاب ظنّهم مرّة أخرى. ويعاني هؤلاء بمعظمهم من ظروفٍ سيّئة، نتيجة الشتاء القارس الذي حلّ وعدم توفّر مساكن مخصّصة لمواجهته وكذلك وسائل التدفئة. فتزداد معاناة الأهالي بصورة كبيرة.

مخيّم الفتح المبين في ريف إدلب، من تلك المخيّمات التي يقف سكّانها النازحون شبه عاجزين اليوم. فيه، تعيش نحو 75 عائلة سوريّة أسوأ الظروف، منذ سنوات عدّة. على أرض المخيّم الطينيّة، لا يمتلكون تقريباً أيّ مقوّمات لمواجهة الشتاء، في غياب ما يكفي من طعام وشراب وكذلك خدمات النظافة والصحة والتعليم. يقول مدير المخيّم عثمان محمد عثمان لـ “العربي الجديد” إنّ “وضع المخيم هذا الشتاء يشبه ما كان عليه الوضع خلال الشتاء الماضي. لم نحضّر أيّ شيء، وليس لدينا تجهيزات ولا تدفئة مناسبة. حالة المخيّم مزرية في غياب الجهات الداعمة”.

للدخول إلى مخيّم الفتح المبين، لا بدّ من أن تتهيأ جيّداً. قد يبدو الأمر أشبه بمغامرة يتحدّى خلالها الناس بعضهم بعضاً لخوضها، إذ لا تتوفّر هنا أدنى ظروف الحياة الكريمة.لا شكّ في أنّ الداخل سوف يغرق في بحيرة الطين التي تتشكّل عقب كلّ هطول للأمطار، في حين تختبئ كل واحدة من العائلات في خيمتها غير الصالحة للسكن، متجنّبة الخروج منها. والخيم بحسب ما يشرح عثمان، “إسعافية. هي ذاتها التي تُمنح للاجئين على الطرقات الأوروبية، وتستخدم لمرّة واحدة فقط. أمّا هنا فهي منصوبة منذ نحو سنة وتسعة أشهر”.

يوضح عثمان: “لم نترك أي منظمة أو جهة إغاثية إلا وراسلناها وطلبنا منها المساعدة في الشتاء الماضي، من دون جدوى”. يضيف أنّ في الشتاء الماضي، وزّعت كميات محدودة من الكاز على السكّان. لكنّه لم يكن صالحاً للتدفئة، فاستخدم للطبخ. ويأمل أن تلتفت المنظمات والجهات المعنية إلى معاناة المخيّم، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل اشتداد البرد. ويتحدّث عن “حاجة النازحين إلى خيم متينة صالحة لمواجهة الشتاء، وإلى مساعدات غذائية وصحّية”. ويشير في هذا السياق، إلى أنّ ثمّة نازحين حصلوا على بيوت في المخيّم قدّمها رجل أعمال كويتي. لكنّ عددها محدود.

من جهتها، تشكو نجلاء التي تسكن في هذا المخيّم، من أنّهم يواجهون “أقسى ظروف عرفتها سورية. الكلّ يعرف أنّ منازلنا دمّرت ولا نملك مأوى. الخيم هنا مهترئة، تدخل إليها مياه الأمطار والثلوج، في غياب كل وسائل النظافة”. وتشرح لـ “العربي الجديد” أنّ “الناس في المخيّم يغسلون ثيابهم بمياه باردة في فصل الشتاء، من دون مسحوق الغسيل. فهو غير متوفّر”. أمّا أبو محمد، فيعيش للعام الرابع على التوالي في خيمة مهترئة مع زوجته وطفليه. يقول: “تجمّد الولدان من البرد خلال العام الماضي. كنّا أشبه بمن يعيش في العراء، وواجهنا الثلوج والأمطار”. ويؤكد على أنّه لا يقلق على نفسه، بقدر قلقه على زوجته وطفليه اللذين عانيا من أمراض عدّة بسبب البرد، خلال فصل الشتاء الماضي.

في مخيّم أطمة الواقع على مقربة من الحدود التركيّة، تبدو الحال أفضل مما هي عليه في مخيّم الفتح المبين. يضمّ هذا المخيّم عدداً أكبر من النازحين، مع 10 آلاف عائلة ما يعادل 80 ألف نسمة تقريباً. وقد توزّع السكّان في بيوت من الإسمنت وخيمٍ مهترئة. يقول مدير المخفر في المخيّم محمد مرعي إنّه “يحوي نحو خمسة آلاف خيمة وخمسة آلاف بناء إسمنتي”. ويوضح لـ “العربي الجديد” أنّ “الحاجة الأكثر إلحاحاً خلال فصل الشتاء الحالي، تتمثّل في تأمين عوازل للخيم المهترئة وتوفير المدافئ والوقود”.

أحمد المهر، من سكّان هذا المخيّم، يقول إنّهم بمعظمهم لجأوا إلى الأراضي الزراعية المجاورة للمخيّم وراحوا يقطعون أشجار الزيتون بهدف التدفئة. ويشير لـ “العربي الجديد” إلى أنّه “عند إنشاء المخيّم قبل سنوات، زارته منظّمات عدّة وزوّدت كلّ خيمة بمدفأة تعمل على الكاز، بالإضافة إلى بعض الوقود. لكنّ الأمر لم يتكرّر”. من جهته، يشير عيسى سرجون، وهو كذلك من سكّان المخيّم، إلى أنّ “عمر الخيم أكثر من خمس سنوات، وهي شبه تالفة. لذلك لا بدّ من تغييرها أو تركيب عوازل على أسطحها على أقلّ تقدير، تجنّباً لغرق الخيم خلال هطول الأمطار”.

ويؤكّد مرعي: “نحن لسنا مخيّرين، وليس أمامنا من حلّ آخر. الدعم بات شحيحاً، وتكلفة عازل الخيمة الواحدة تبلغ ثمانية آلاف ليرة سورية، في حال توفّر في الأسواق”. ويوافقه الرأي رئيس القطاع الشمالي في المخيّم أحمد العمري الذي يقول لـ “العربي الجديد” إنّه “منذ أوّل هطول للأمطار هذا العام، انجرفت الخيم نحو الوادي نظراً إلى كثرة السيول. لذا نحتاج إلى خيم جديدة. كذلك نحتاج إلى المزيد، بسبب النزوح الإضافي من ريف حلب الجنوبي”. يضيف العمري: “وجّهنا رسالة إلى الأمم المتحدة طلباً للدعم والمساعدة، كذلك راسلنا المنظمات المحلّية. لكنّ المحسوبيات موجودة حتى في المنظمات”.

سمير، من سكّان مخيّم أطمة، يقول لـ “العربي الجديد” إنّ “نحو 30 في المائة من العائلات تملك القدرة على شراء الحطب والوقود للتدفئة، في حين أنّ الباقين (70 في المائة) لا يملكون حتى ثمن الخبز”. يضيف أنّ “هؤلاء بمعظمهم يمضون الشتاء كاملاً بلا تدفئة، لا سيّما مع ارتفاع سعر صرف الدولار وتراجع فرص العمل. فالنسبة الأكبر منهم تعمل بالزراعة وبحرف مختلفة في مناطق قريبة من المخيّم”. ويسأل: “ألف ليرة كبدل عمل يومي، لا تكفي ثمن طعام. كيف يحصل الناس على التدفئة؟”.

من جهتها، تشكو خلود، وهي كذلك من سكّان هذا المخيّم، من أنّ “البطانيات والحرامات ولوازم التدفئة التي هي احتياجات بسيطة يُمكن توزيعها على العائلات مرّة واحدة، انقطعت. كذلك الأمر بالنسبة إلى المعونات الغذائية، وأبرزها الخبز”. أمّا ريان فيتّهم المنظمات التي توزّع المساعدات بـ “التخاذل واعتماد الواسطة والتفريق بين مخيّم وآخر”. ويشير إلى أنّه “خلال توزيع المساعدات، تسعى إلى الحصول على بيانات النازح منذ بداية حياته”، مستنكراً “إذلال الأشخاص”.



صدى الشام