دلالات قصف الطيران الروسي على قواعد إيران وحزب الله في حلب
30 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
شهدت الأيام الثلاثة الماضية قصفًا متكررًا لطيران غير معروف الجنسية على قواعد إيرانية في ريف حلب الجنوبي، تمثل في استهداف جبل عزان ومواقع بالقرب من معامل الدفاع في السفيرة، كما ضرب الطيار أكثر من موقعين تابعين لحزب الله في محيط بلدة نبل، ورتيان في ريف حلب الشمالي.
من جانبها أكدت الشبكة المحلية لبلدة نبل التي تسيطر عليها ميليشيات حزب الله وميليشيات شيعية محلية أن الغارات الستة التي استهدفت البلدة قبل ثلاثة أيام نفذها طيران روسي معتبرةً أنها على سبيل الخطأ.
من المؤكد أن احتمالية الخطأ بتنفيذ غارات جوية قليلةٌ جدًّا عندما نتحدث عن ثاني أكبر سلاح جو في العالم من حيث القوة والتكنولوجيا المستخدمة (بحسب موسوعة الدفاع العالمية) ، بالتالي لا بد من البحث عن الدلالات الكامنة وراء الضربات الجوية لقواعد تابعة بشكل مباشر لإيران.
لقد عبَّرت التراشقات الإعلامية التي تلت معركة فك الحصار الأخيرة عن حلب بين إعلاميين محسوبين على ميليشيات حزب الله وإعلاميين محسوبين على ميليشيات صقور الصحراء المقربة من روسيا عن وجود ثغرة بين حلفاء وداعمي النظام السوري، فقد اتهم مراسل قناة الميادين المقربة من حزب الله اللبناني وإيران ميليشيات صقور الصحراء المقربة من روسيا بأنها كانت بالخطوط الخلفية في معارك حلب وأنها قامت بنهب منازل المدنيين ونفذت عمليات قتل تسهيلًا للسرقة، ليرد عليه الإعلامي إياد الحسين المقرب من ميليشيات صقور الصحراء ويتهمه بالكذب.
هذه التراشقات لها ما قبلها، حيث أفادت مصادر عسكرية لشبكة أن مشاركة الطيران الروسي في معارك أحياء حلب الغربية الأخيرة عندما هاجم جيش الفتح مواقع قوات الأسد، كانت خجولة جدًّا وأحيانًا معدومة، والاعتماد الكلي كان على طائرات النظام ولكن بخبرة إيرانية من حيث استخدام طيران الاستطلاع والضباط الطيارين، وتزامنت مع تأكيدات روسية أن سلاحها الجوي أوقف الضربات نهائيًّا بأمر من الرئيس بوتين، في حين أكدت ذات المصادر أن الطيران الروسي قدم دعمًا جويًّا لا محدود لميليشيات القدس عند تقدمها إلى حندرات وطريق الكاستيلو سابقًا، ومعلوم أن لواء القدس بعيد تمامًا عن المعسكر الإيراني.
وبالعودة للحديث عن الضربات الجوية الروسية لمواقع محسوبة على إيران داخل سوريا، لابد لنا من التركيز على التوقيت الذي جاءت به تلك الضربات، وهو بعد أيام قليلة فقط من استهداف مقاتلات مجهولة لمواقع الجنود الأتراك في محيط مدينة الباب بريف حلب.
وأكد المتحدث باسم الحكومة التركية “نعمان كورتلموش” أن الرئيس الروسي نفى لتركيا بشكل قاطع أن تكون المقاتلات روسية، في حين سارعت تركيا لاتهام النظام السوري، في حين تناقلت وسائل إعلامية تركية تصريحات لقائد القوات الخاصة التركية السابق يتحدث فيها عن إشراف ضباط إيرانيين على الغارات التي نفذتها مقاتلات حربية على الجنود الأتراك، مما يرجّح فرضية أن إيران تسعى لخلط الأوراق ومحاولة إفشال التفاهمات الروسية – التركية حول حلب عن طريق قصف تركيا.
ويرى الباحث السياسي والإسلامي “ماهر علوش” أن: “الغارات الجوية ــ والمرجح أنها روسية ــ التي استهدفت مؤخرًا مواقعَ النظام في نُبُّل والزهراء، ومواقعَ إيرانية أخرى في جبل عَزَّان، وموقعًا لحزب الله في رِتْيَان… تدلّ على وجود تبايُن في الرؤى، واختلاف في وجهات النظر بين حلفاء النظام ــ روسيا وإيران ــ حول الاتفاق المزمع تنفيذه في حلب، ما يرجّح أن الغارات الجوية أتت كعقاب روسي لإيران بسبب تجاوُز التفاهمات الروسيةـ التركية، والعمل على إفشالها من خلال استهداف الجنود الأتراك في محيط مدينة الباب”.
وتفيد الأنباء الواردة من اجتماعات أنقرة بين فصائل المقاومة السورية وأطراف دولية، والتي حصلت على بعض المعلومات المتعلقة بها، بأن روسيا وافقت بشكل مبدئي على هدنة في مدينة حلب تستمر لعدة أشهر بضغط أوروبي – إقليمي، لكنه من غير الواضح بعد ما هي المطالب الروسية التي ستحققها تلك الأطراف مقابل موافقة موسكو إلا أن إيران وبعض التيارات في نظام الأسد يرفضون إيقاف العمليات العسكرية والالتزام بموقف موسكو بخصوص حلب، الأمر الذي يرجّح مرة أخرى سيناريو أن الغارات الروسية على مواقع ميليشيات إيران بمناطق محددة في محافظة حلب كانت ذات طابع تأديبي وتحذيري من أجل فرض وجهة نظر روسيا في المعادلة.
وبات من المرجح في ظل المعلومات المتوفرة أن صمود الثوار لفترات إضافية في مدينة حلب وإبرازهم لقوة دفاعهم في وجه هجمات النظام الحالية قد يعزِّز من الشرخ الحاصل والذي بات واضحًا بين حلفاء النظام ( روسيا – إيران ) ، وسيدعم من موقفهم، ويزيد من مكاسب الثورة في أي تفاهُمات مطروحة حاليًّا، وسيدفع النظام وإيران للقبول بالواقع، فدائمًا للواقع الميداني كلمة أساسية في المسار التفاوضي.