قسطنطين زريق شيخ المؤرّخين العرب
30 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
آلاء عوض
مؤرّخ ومفكّر قومي سوري وأحد أبرز دُعاة الوحدة العربيّة ومنظرّيها، تميّز بعمله الجاد وأتقنه، وتفانى في البحث العلمي، وطرح رؤىً جديدة للعديد من المفاهيم الإشكالية وأعاد صياغتها بطريقة منهجية واقعية، حتى مُنح ألقابًا عدّة منها شيح المؤرخين العرب، المربيّ النموذجي، ومرشد الوحدويين، ورغم دراسته في جامعات أجنبية واقامته لفترات طويلة خارج الوطن سورية إلا أن انتماؤه كان سوريًا محضًا وتوجهاته كانت وطنية خالصة.
ولد في دمشق في 18 نيسان/ أبريل عام 1909 في حي القيمرية الدمشقي، وتلقّى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس الشام العتيقة، التحق بالجامعة الأميركية في بيروت لدراسة الرياضيات ثم حوّل مجال دراسته إلى التاريخ حيث نال درجة بكالوريوس الآداب عام 1928، سافر بعدها إلى الولايات المتحدة وحصل على الماجستير من جامعة (شيكاغو) عام 1928 ثم الدكتوراه في العام 1930 من جامعة (برنستون).
عُيّن بعد تخرجه مباشرة أستاذًا مساعدًا في التاريخ بالجامعة الأميركية في بيروت، ورُقّي إلى أستاذ مشارك في العام 1942، وعمل لمدة ثلاثة أعوام في السلك الخارجي السوري كمستشار أول، ثم كوزير مفوّض في المفوضية السورية بواشنطن، وكان خلال ذلك عضوًا مناوبًا في مجلس الأمن.
بعد فترة وجيزة من مزاولته الأعمال السياسية والديبلوماسية عاد إلى الحياة الأكاديمية، حيث التحق بالجامعة الأميركية من جديد وعُيّن أستاذًا للتاريخ، ونائبًا لرئيس الجامعة، وفي العام 1949 أصبح رئيسًا للجامعة السورية، وبقي في هذا المنصب حتى العام 1952، حتى أعيد تعيينه في ذلك العام نائبًا لرئيس الجامعة الأميركية، وعميدًا للكليات إلى أن أصبح رئيسًا للجامعة بالوكالة من العام 1954 حتى 1957، كما حصل في عام 1956 على لقب أستاذ ممتاز للتاريخ، وعلى لقب أستاذ شرف في العام 1976، كما خدم كأستاذ زائر في العديد من الجامعات الأجنبية.
إلى جانب عمله الأكاديمي العالِ المستوى، نشط في العديد من المنظمات الثقافية الإقليمية والعالمية، واحتلّ مناصب رفيعة فيها، وأتقن عدة لغات وكتب فيها، ولكن أكثر ما كتب بالعربية، انطلاقًا من اهتمامه الأصيل بقضايا العرب.
ركّز في كتاباته على عدد من المفاهيم التي عدّها الأساس في عملية بناء حالة فكرية مثالية وأعاد إنتاجها بطريقة مألوفة، مُحاطة بإطار ذهني اتسمّ بعمقه وبساطته في آن معًا، ما أضفى على نتاجه طابعًا مميزًا، ومن أهم هذه المفاهيم (الحضارة والعقلانية والقومية)، حيث اعتمد مفهوم الحضارة لمعالجة كافة قضايا المجتمع العربي التي تطرّق لها، وعرّف العقلانية بالعلم والخلق حتى لُقّب بداعيتها، وعمل جاهدًا على بلورة الشعور والتربية القوميين.
استطاع التغلب على الثغرات والنواقص في مسارات الفكر العربي الحديث من خلال منهجية علمية بحثية عالية، تقوم على المقارنة بين الحضارات والفلسفات، وصقل فضائلها ونقد مساوئها.
له عديد من المؤلفات الأدبية والتاريخية التي أغنت المكتبة العربية ومنها (الوعي القومي، معنى النّكبة، ونحن والتاريخ) وكثير غيرها من المؤلفات الأخرى التي حفّزت الفكر العربي على اعتماد منطلقات وحسابات جديدة في تقييم القضايا الوطنية.
[sociallocker] [/sociallocker]